دكتور خالد صلاح يكتب: أبو الهول

مقالات الرأي

بوابة الفجر


أبو الهول: من أشهر المعالم السياحية بمصر والعالم.

وتمثال أبو الهول أخذ شهرة واسعة محلياً وعالمياً.

وهذه الشهرة كانت بسبب شكله والألغاز التي حُكيت عن هيئته.

وربما كانت الحيرة في صموده طوال آلاف السنين دون أن يتغير شئ منه إلا قليل بسبب عوامل التعرية.

وربما التساؤلات التي طالته كان مصدرها الأمثال الشعبية التي أخذته كمثل في شدة الصمت وعدم التحرك والثبات على شكل ووضع وهيئة واحدة.

وهذه الأمثال أساءت لنا كشعب ذو حضارة قبل أن تَمس أبو الهول.

وهذا كله يجعلنا أن ننظر لتمثال أبو الهول نظرة متفحصة من كل الجوانب.

فمن الناحية الجغرافية فقد تم تشييد وتصميم أبو الهول في وسط مكان منخفض على الحافة الشرقية للهضبة بمنطقة الأهرامات.

ومن الناحية التكوينية لحجارته؛ فقد تم بناءه وتصميمه من المحاجر التي قطع منها العمال الأحجار التي تم البناء منها للأهرامات والمقابر الخاصة.

وأبو الهول منحوت وأرتفاعه يزيد قليلاً عن عشرين متر وطوله سبعة وخمسين متراً. 

ومن الناحية التاريخية؛ فقد قام مهندسو الملك خفرع ببناء تمثالاً فخماً للملك على صورة أسد له رأس إنسان.

وقد تهدّم أجزاء منه مثل أنفه بسبب عوامل التعرية وذهب المقريزي أن أنفه تهدم بسبب فعل رجل أسمه صائم الدهر.

ورواية أخرى تقول أن جنود نابليون حطموا أنفه وقد ابطل هذه الرواية المقريزي.

كل ماسبق ليس محل خلاف بشكل كبير, وإنما الذي كان محل خلاف طوال السنين الماضية إلى الآن هو ماذا يرمز له تمثال أبو الهول؟ 

وجاءت كثير من الرويات التي حاولت أن تفسر سبب وجود تمثال أبو الهول وما الذي يرمز له من خلال تعامل الملوك وقصصهم معه.

فمن الرويات التي تشير أن تمثال أبو الهول ما هو إلا صورة لوجه الملك خفرع بالرغم من أنه لم يحدث أن ملكاً من ملوك الدولة القديمة أو غيرها حاول تقليد هذا التمثال الضخم.

وأيدت هذه الرواية أنه تم رصد نقوش تزين الطرق الصاعدة لبعض أهرام الأسرتين الخامسة والسادسة مناظر عند بدايتها في جهة الشرق تمثل الملك على هيئة أسد يصرع تحت أقدامه أعداء مصر المطروحين أمامه على الأرض.

ويوجد رواية تم رصدها تقول أن في أيام الدولة الحديثة تغيرت فكرة المصريين عن أبو الهول حتى كان يمثل إله الشمس وكان له عبادة خاصة في المنطقة التي يوجد بها وكان يتم الحج إليه ومقصد لزيارة الزائرين والحجاج.

وفي منتصف أيام الأسرة الثامنة عشر كان أبو الهول مُغطى بالرمال حتى عنقه وكانت الصحراء التي حول الأهرام تمتلأ بحيوانات الصيد وكان الأمراء والأشراف يخرجون للإستمتاع بالصيد في تلك المنطقة وأن أحد الأمراء وكان يُسمى الأمير تحوتمس وكان من أبناء الملك أمنحوتب الثاني قد خرج للصيد في تلك المنطقة وأراد أن يستظل بتمثال أبو الهول ونام بجواره ورأى في منامه أن تمثال أبو الهول كلمه وبشره بأنه سوف يكون ملك بالرغم من أنه له أخوة  لهم الحق في الملك عنه, ومقابل ذلك طلب منه أن يزيل الرمال عنه التي غطته ماعدا رأسه.

وقد أصبح بالفعل ملكاً وعرُف باسم الملك تحوتمس الرابع.

وبالرغم من الرواية وصدقها وكذبها حيث كان غرضها سياسي وقيل أن الرواية من فعل الكهنة؛ لتنصيب تحوتمس الرابع ملكاً وأنه إختيار إلهي.

وهذا يدل على أن تمثال أبو الهول كان رمزاً للإلهة ومحل تقدير من ملوك الفراعنة.

وفي عصر الأسرة الفرعونية التاسعة عشر كان يُطلق على أبو الهول اسم "حو" ووحدوه مع الإله الكنعاني حوروت الذي كان على هيئة صقر والذي كان يُعبد في ذلك العصر.

وفي العصر البطلمي كان أبو الهول مفتقداً لبعض معالمه وحاول البناءون أن يعيدوا ما فقده بالأحجار الصغيرة والتي مازالت تظهر في أحد ذراعيه إلى الأن.

وفي العصر الروماني كانت منطقة أبو الهول من المناطق التي كان الناس يقبلون عليها للحجيج والتبرك بأبو الهول, وكان يوجد بهذه المنطقة مسرح مدرج, وهذا ماورد في كتاب موسوعة الحضارة المصرية القديمة للدكتور سمير أديب.

وبالرغم من مرور آلاف السنين على تمثال أبو الهول فمازال شامخا في مكانه ينظر نحو الشرق حاملاً الأسرار سواء في طريقة بناءه وصموده إلى الأن أو ماذا يرمز له تمثال أبوالهول؟

ومهما كانت الافتراضات والتفسيرات التي قيلت حول ذلك سبب بناءه وسبب وجوده إلا أنه يتبقى حقيقة واحدة أن تمثال أبو الهول ليس رمز للصمت كما يٌشاع الآن عنه وإنماهو رمز للشجاعة والقوة والحكمة.

وأن الصفات التي تحلى بها الإنسان المصري منذ القدم وحاول أجدادنا أن يرسلو رسالة إلينا والتي مفادها  أن نتحلى بالشجاعة والحكمة قيادة وشعباً.

وأن جسم الأسد الذي ظهر به تمثال أبو الهول توصية من أجدادنا أن نكون كالأسود في محاربة أعداء مصر ممن يريدون سلب أمننا ومقدراتنا وتاريخنا سواء كانوا في سيناء من التكفيريين أو من المرتزقة في ليبيا ومن ورائهم من أتباع أتاتورك أو من الذين يريدون سلبحقنا في الحياة من نهر النيل كما يفعل معنا الآن السذج والحاقدين ومن ورائهم من أحفاد عذرا وشمعون وأشباه الخائن الملك الناصر يوسف عندما أستعان بهولاكو التتار على محاربة المصريين والقادة المماليك.

وأن رأس الإنسان الذي يحملها تمثال أبو الهول رسالة على أنه يجب أن نتحلى بالحكمة مع ممن يهادوننا ويظهروا لنا المحبة والسلام حتى لا نفقدهم وقت الشدة.

ولذلك فتمثال أبو الهول ليس شعار للصمت.. وإنما شعار للقوة والحكمة.


للتواصل مع كاتب المقال: [email protected]