ولاء الدين بدوي يكتب: "كل رجال الثورة" محمد نجيب أحد مفاتيح النصر

بوابة الفجر


عصر الملك فاروق كان به الكثير من الانجازات وكذلك العديد الاخفاقات خلال 16 عامًا هي فترة حكمه، والتي كانت فترة صعبة على الملك الشاب وعلى مصر أيضًا وهى الكلمة الشهيرة التي قالها فاروق للواء محمد نجيب "ليس من السهل حكم بلد كمصر" وهى الكلمات التي أثبتتها الأيام حتى الآن. 

وطوال حكم فاروق تشكلت 24 وزارة على مصر وهذا يدل على صعوبة المرحلة والحراك السياسي القوي في البلاد، وكان نتيجته انتهاء حكم الملك الشاب بحركة الضباط الأحرار ونهاية الحكم الملكي على مصر؛ وأرغم الملك على التنازل عن العرش لابنه الطفل أحمد فؤاد والذي كان عمرة حينها ستة أشهر. 

وفي السادسة مساء يوم 26 يوليو 1952م غادر الملك مصر على ظهر اليخت الملكي المحروسة "ولسخرية القدر هو نفس اليخت الذي غادر به جده الخديوي إسماعيل عند عزله عن الحكم". 

طالب الملك بأن يحافظ على كرامته في وثيقة التنازل عن العرش فطمأنه على ماهر باشا رئيس الوزراء في ذلك الوقت وذكر له انها ستكون على مثال الوثيقة التي تنازل بها ملك بلجيكا عن عرشه واتصل على ماهر باشا بالدكتور عبد الرازق السنهوري رئيس مجلس الدولة طالبا منه تحرير وثيقة التنازل فأعدت الوثيقة وعرضت على اللواء نجيب فوافق عليها واقترح جمال سالم (أحد الضباط الأحرار) إضافة عبارة نزولًا على إرادة الشعب على صيغة الوثيقة وكان نص التنازل عن العرش 

أمر ملكي رقم 65 لسنه 1952م
نحن فاروق الأول ملك مصر والسودان
لما كنا نتطلب الخير دائما لأمتنا ونبتغى سعادتها ورقيها ؛ ولما كنا نرغب رغبة أكيدة في تجنيب البلاد المصاعب التي تواجهها في هذه الظروف الدقيقة ونزولًا على إرادة الشعب، قررنا النزول عن العرش لولى عهدنا الأمير أحمد فؤاد وأصدرنا أمرنا بهذا إلى حضرة صاحب المقام الرفيع علي ماهر باشا رئيس مجلس الوزراء للعمل بمقتضاه، صدر بقصر رأس التين في 4 ذي القعدة 1371 الموافق 26 يوليو 1952م. 

غادر الملك فاروق إلى منفاه الاختياري في روما وبعد سنوات قضاها في الترحال من بلد لأخرى توفي فاروق ليلة 18 مارس 1965م في الساعة الواحدة والنصف صباحا عن عمر 45 عاما؛ بعد تناوله العشاء في مطعم "آيل دي فرانس" الشهير بروما وقيل إنه توفي نتيجة التخمة وقيل إنه اغتيل (بسم الأكوانتين في كوب عصير الجوافة الذي كان امامه، وكانت وصيه الملك فاروق أن يدفن بمصر في مسجد الرفاعي مع أسلافه.

أعلم جيدًا أن الاحتفال بذكرى ثورة 23 يوليو 1952م يكون محاطًا دائما حول شخص الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لكونه كان المسئول عن تنظيم الضباط الأحرار الذي قام بالثورة، ولكن بعد مضى 68 عامًا على الثورة أردت أن نرى جانب ووجه آخر للثورة وأن أكتب عن أول رئيس لجمهورية مصر العربية وهو اللواء محمد نجيب والذي لولاه لما نجحت الثورة؛ وهل كان يستحق كل ما حدث له في حياته؟؟؟

اللواء محمد نجيب هو ضابط وسياسي ورئيس أول جمهورية لمصر بعد الملكية وهو سليل أسرة عسكرية اشتهرت بالشجاعة والإقدام.

فهو من مواليد 19 فبراير 1901م بساقية معلا بالخرطوم حيث نشأ وترعرع فيها وكان والده يتنقل كثيرا بحكم عمله العسكري؛ التحق نجيب بالكلية الحربية في مصر عام 1917م وتخرج فيها في 23 يناير 1918م ثم سافر إلى السودان 19فبراير1918م كضابط بالجيش المصري بالكتيبة (17 مشاة) ثم انتقل إلى سلاح السواري (الفرسان). 

تشبع محمد نجيب بروح التمرد والثورة على الأوضاع القائمة منذ أن كان ضابطًا صغير برتبة ملازم ثان فعندما اندلعت ثورة 1919م أصر نجيب على تحدى الإنجليز وهم رؤساؤه وسافر إلى مصر سرًا ليشارك في الثورة.

كان نجيب محبًا للعلم والدراسة فقد كان نابغة حصل على شهادة الكفاءة ودخل مدرسة البوليس وتخرج منها وخدم في اقسام عابدين ومصر القديمة وبولاق وحلوان؛ وحصل على شهادة البكالوريا عام 1923م والتحق بكلية الحقوق ورقى إلى رتبة الملازم أول عام 1924م وكان يجيد اللغات الانجليزية والفرنسية والإيطالية والألمانية والعبرية. 

ورغم مسئولياته العسكرية فقد كان شغوفا بالعلم فحصل على ليسانس الحقوق عام 1927م ودبلوم الدراسات العليا في الاقتصاد السياسي 1929 ودبلوم القانون الخاص عام1931م وبدأ في اعداد رسالة الدكتوراة ولكن طبيعة عمله العسكري وكثرة تنقلاته حال دون إتمامها وحصل على شهادة كلية أركان الحرب في مايو 1939م.

اصطدم بالملك فاروق عام 1951م حينما طلب منه ترقية حسين سرى وكيل سلاح الحدود (رجل القصر في الجيش) فرفض نجيب ترقيته؛ فامتعض الملك منه وقام بتعيين حسين سرى مديرًا لسلاح الحدود بدلًا منه وعين محمد نجيب مديرًا لسلاح المشاة؛ ويرجع موقف الملك هذا من محمد نجيب لتصديه لمحاولاته للاستيلاء على أراضي الدولة لإقامة القصور عليها.

كما أصر بالتحقيق في مخالفات حسين سري رجل القصر الذي اتهم بجرائم الرشوة ونهب أموال البدو وبيع مخلفات الحرب العالمية الثانية؛ علا نجم محمد نجيب وزادت شهرته بعد هذه الواقعة وتعاطف معه الضباط الأحرار ؛ففي نفس العام رشح نفسه ضد حسين سرى مدير سلاح الحدود ورجل الملك في انتخابات رئاسة نادى ضباط القوات المسلحة وضمت قائمة نجيب عددا من الضباط الأحرار ؛فأنتخب نجيب بأغلبية الاصوات.

وبسبب دوره في حرب فلسطين أصبح نجيب موضع أعجاب واحترام الضباط الشباب بما فيهم الضباط الأحرار وكان تنظيم الضباط سريا؛ وكانت الحركة في حاجة إلى ان يرأسها أحد الضباط الكبار ؛حيث انهم من اصحاب الرتب الصغيرة؛ فأبلغ عبد الحكيم عامر؛ جمال عبد الناصر "لقد عثرت في اللواء نجيب على كنز عظيم" وكان عبدالحكيم عامر أركان حرب اللواء الذي كان محمد نجيب يقوده.

دعاه جمال عبد الناصر إلى تنظيم الضباط الأحرار؛ ووافق على ذلك ويؤكد زكريا محى الدين ان محمد نجيب انضم للحركة قبل قيام الثورة بسته أشهر.

أراد الضباط الأحرار انتهاز فرصة حريق القاهرة 26 يناير 1952م حيث تنتشر القوات المسلحة في شوارع القاهرة ولكن نجيب حذرهم من العواقب الوخيمة لأى تحرك ؛ قد تدفع بريطانيا للتدخل لحمايه الأمن وحمايه أرواح الأجانب.

تسرب أمر التنظيم إلى الملك؛ قابل نجيب الدكتور محمد هاشم وزير الداخلية وعرض عليه منصب وزير الحربية ولكن نجيب فضل البقاء بالجيش وازاء هذا الموقف والمصير الذي ينتظر الضباط الأحرار طلب محمد نجيب من جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر ضرورة التحرك؛ واتفق معهما ان تكون ساعة الصفر 21 أو22 يوليو 1952م.

في هذا الوقت اتصل اللواء علي نجيب – شقيق محمد نجيب "وكان يشغل منصب قائد حامية القاهرة "حكمدار العاصمة"، وأخطره بوجود مؤتمر لرئيس الاركان حسين فريد في الساعة العاشرة مساء22 يوليو في مقر القيادة في كوبرى القبة؛ فأبلغ ذلك لجمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر، واقترح عليهما محاصرة مقر القيادة وسيكون أول الحاضرين هناك؛ فطلب منه جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر البقاء في المنزل بجوار التليفون حتى يتم الاستيلاء عليها، ولولا هذه المعلومة الهامة وهذا الاقتراح لما نجحت الثورة. 

في 23 يوليو عام 1952م أعلن اول بيان للثورة؛ باسم اللواء محمد نجيب القائد العام للقوات المسلحة وساعد في نجاح الثورة نصيحة الولايات المتحدة لبريطانيا بعدم التدخل العسكري ضد حركة الجيش، ورقاه الملك فاروق في 23 يوليو 1952م إلى رتبه الفريق مع منحه مرتب وزير؛ ولكن محمد نجيب أعلن في 26 يوليو عن تنازله عن ذلك وظل برتبة اللواء.

وجاءت محاولة اغتيال جمال عبد النصر بميدان المنشية بالإسكندرية في 26 اكتوبر 1954م على يد أحد أعضاء الإخوان المسلمين؛ واتهام نجيب بأن له صله بهذه الجماعة لذلك قرر مجلس قيادة الثورة في 14 نوفمبر 1954م إعفاء اللواء نجيب من منصبه ثم صدر قرار بتحديد إقامته خارج القاهرة وحرمانه من حقوقه السياسية لمدة عشر سنوات؛ وظل نجيب محدد الإقامة في استراحة السيدة زينب الوكيل (زوجة النحاس باشا) بالمرج لمددة 17 عامًا تحت الإقامة الجبرية حتى أفرج عنه الرئيس السادات عام 1971م عندما جاء للحكم.

وألف نجيب كتابين الأول "كلمتي للتاريخ عام 1975م" والآخر "كنت رئيسًا لمصر عام 1984م"، وبهما الكثير عن تلك الحقبة التاريخية الهامة من تاريخ مصر وتوفي نجيب في اغسطس عام 1984م عن عمر يناهز 84 عامًا وأقيمت له جنازة عسكرية كأول رئيس لجمهورية مصر العربية.

الدكتور ولاء الدين بدوي مدير عام قصر المنيل