عبدالحفيظ سعد يكتب: مزرعة الإرهابيين.. ذراع تركيا لتهديد دول البحر المتوسط

مقالات الرأي



الأمم المتحدة مطالبة بإلزام أنقرة بالكشف عن 15 ألف إرهابى فى ليبيا

كل دول العالم تُقاس قوتها العسكرية بما تملك من إمكانياتها لجيوشها من ناحية العتاد العسكرى والتسليح أو عدد الأفراد، أو حتى طبقا لإمكانياتها السياسية والاقتصادية وعلاقاتها السياسية، أو حتى موقعها الجغرافى، لكن الجديد ما تلعب به تركيا حاليا، والتى تعد جزءا من قوتها ما تملكه من إرهابيين حولتهم إلى مرتزقة يحاربون وينفذون العمليات لصالحها.

منذ فترة تزيد على ثمانى سنوات، حشدت تركيا العناصر الإرهابية فى منطقة شمال سوريا، بعد أن سهلت عبورهم من حدودها للداخل السورى، منذ تفجر الأحداث فى سوريا فى 2011، وظهر عقب ذلك أن العناصر الإرهابية الذين حشدتهم تركيا عبر أجهزة مخابراتها فى سوريا، كانت تستخدمهم فى حروبها سواء الموجهة ضد النظام السورى أو أعدائها التقليديين من الأكراد، لكن بمجرد فشل التخطيط التركى للسيطرة على الشمال السورى بواسطة هؤلاء المرتزقة نتيجة التدخل الروسى هناك، بالإضافة لإنهاء سيطرة تنظيم داعش الإرهابى على الأرض، تمسكت تركيا بالحفاظ على هؤلاء الإرهابيين، لتستخدمهم كورقة مرتزقة فى مناطق أخرى.

ولعبت تركيا بورقة المتناقضات والصراعات الدولية على سوريا، بخاصة المنافسة التقليدية بين أمريكا وروسيا بشأن سوريا. واحتفظت لهؤلاء الإرهابيين بمأوى عقب سقوط تنظيم داعش الإرهابى فى شمال سوريا، وذلك فى منطقة إدلب بشمال سوريا، عبر اتفاق سوتشى الموقع بينها وبين روسيا، وبمقتضى هذا الاتفاق أقام هؤلاء الإرهابيون بقيادة جبهة النصرة منطقة لهم فى إدلب والحدود السورية التركية لتتحول إلى مأوى للعناصر الإرهابية سواء من فلول داعش أو العناصر الأجنبية الإرهابية والتى كانت تقاتل فى سوريا.

الغريب أنه رغم تصنيف جبهة النصرة، تنظيما إرهابيا، يتبع تنظيم القاعدة، ووضع اسمه وقائده أبو محمد الجولانى على لوائح الإرهاب الدولية، لكن نتيجة الصراعات الدولية والمطامع فى سوريا سواء بين أمريكا وروسيا من جهة وروسيا وأوروبا من جهة أخرى، تغاضى العالم كله عن إيواء وحماية تركيا للمرتزقة الإرهابيين فى سوريا.

1- حروب مرتزقة الإرهاب

لكن تركيا لم تكتف بإيواء التنظيمات الإرهابية فى سوريا، مستغلة الصراعات الدولية، لكنها عمدت إلى إنشاء مزرعة أخرى لهؤلاء الإرهابيين فى ليبيا، وذلك لاستخدامهم فى البداية كدعم لميليشيات حكومة الوفاق والتى تسيطر على العاصمة طرابلس، واستغلت تركيا الاتفاق الأممى، فى منح حكومة السراج الشرعية السياسية فى ليبيا بناء على اتفاق الصخيرات، والذى تولى بمقتضاه فائز السراج رئاسة الحكومة.

وبناء على الاتفاق الأممى وبعد توقيعها اتفاق أمنى مع حكومة الميليشيات، نقلت تركيا إلى ليبيا ما يزيد على 15 ألف من الإرهابيين من سوريا إلى ليبيا، ليقاتلوا بجانب ميليشيات حكومة الوفاق والتى يغلب على مكوناتها عناصر إرهابية مصنفة على قوائم الإرهاب الدولى مثل صلاح بادى، وقائد الجماعة الإرهابية المقاتلة عبدالحكيم بلحاج، ونائبه خالد الشريف، والذى تسعى تركيا حاليا لفرضه كرئيس مخابرات لحكومة ميليشيات الوفاق على الرغم من وجود اسمه على قوائم الإرهاب وتصنيفه كأحد العناصر الموالية لتنظيم القاعدة.

ونجد أن الأهداف التركية من إقامة مزرعة للإرهابيين فى ليبيا تتعدى فكرة دعمها لميليشيات الوفاق، بل إنها تسعى من خلالها لعدة أهداف منها، العمل على إبعاد هؤلاء الإرهابيين بالقرب من حدودها فى الشمال السورى حتى لا تجد نفسها فى مشكلة لصعوبة ترويضهم وطردهم إذا أبرمت اتفاقا مع روسيا بشأن سوريا، ووقتها يتعين عليها أن تتولى تصفية العناصر الإرهابية التى صنعتها خاصة من المقاتلين الأجانب والذين اعتادوا حياة القتل وغالبيتهم مطلوبين كإرهابيين فى بلادهم، ولذلك تخشى تركيا أن يتحول هؤلاء الإرهابيين ضدها، ولذلك يعد إرسال المقاتلين إلى ليبيا فرصة لإبعادهم عن حدودها مع سوريا، حتى لا يشكلوا خطرا عليها فى المستقبل.

2- ابتزاز أوروبا

ويبرز هنا سبب آخر فى قيام تركيا بإقامة مزرعة للإرهابيين فى ليبيا، فى أنها تسعى لاستخدام هؤلاء الإرهابيين فى تهديد أمن دول البحر المتوسط، سواء جيران ليبيا المباشرين مثل مصر وتونس والجزائر أو دول وسط إفريقيا، أو بشكل مباشر للدول الأوروبية المطلة على المتوسط والتى تعد سواحل ليبيا قريبة منها جدا، وهو سبب أن ليبيا تعد من أكثر المناطق التى يتم عبرها الهجرة الشرعية للسواحل الأوروبية.

ولا تعد النقطة الأخيرة جديدة على تركيا فى ابتزاز دول أوروبا بالتهديدات الأمنية والإرهاب، فسبق أن هدد الرئيس التركى رجب أردوغان، أوروبا فى عدة مرات بأنه سيفتح الحدود معها لنقل المهاجرين، مما يشكل خطرا أمنيا على دول أوروبا، ولذلك يمكن أن يستخدم هذا التهديد مرة ثانية ضد أوروبا، واستغلال قربها من سواحل ليبيا.

ولذلك تمثل عملية إقامة مزرعة إرهابية فى ليبيا، خطرا على كل دول ساحل المتوسط، وورقة قد تستخدمها تركيا فى المستقبل، خاصة أن هذه العناصر احترفت عملية القتل والإرهاب، كما أن قادتهم يحملون جنسيات الدول المجاورة لتركيا سواء مصرية أو تونسية أو جزائرية، وحتى أوروبية، كانت تقاتل فى سوريا.. مما يعنى السكوت عن وجود العناصر الإرهابية، خطرا ضد دول المنطقة، وبات مطالبا من الأمم المتحدة ، والتى استغلت تركيا حجة اتفاق الصخيرات لتجلب هذه العناصر، وتحولهم لمرتزقة إرهابيين، بتواطؤ من الأمم المتحدة..!