طارق الشناوي يكتب: وُلِد ليرقص.. حارس ذاكرة مصر فى الحركة والإيقاع!

الفجر الفني

بوابة الفجر


فى مطلع الستينيات قررت الدولة تأميم كل أنشطة الحياة بقرار صارم لا يعرف هوادة، القبضة الحديدية تراخت قليلًا عند ذكر اسم (رضا)، تلك الفرقة التى تم إنشاؤها عام 59 وحققت لمصر فى غضون عامين مكانة عالمية، القرار لا رجعة فيه إلا أنهم أبقوا على اسم (رضا)، تجاوز الاسم فى إطاره الدلالى لقب العائلة ليصبح عنوانًا لفن الرقص الاستعراضى الشعبى لمصر فى كل دول العالم، مثل هذه الأمور لا تتم بدون ضوء أخضر من الرئيس شخصيًّا، من يجرؤ فى زمن ناصر على الاجتهاد، ويُبقى على فرقة تحمل اسمًا غير ناصر.

كنت على علاقة وطيدة بالمخرج والملحن ومصمم الرقصات الفنان الكبير على رضا، بينما محمود شقيق على الأصغر لديه دائرة أخرى محدودة، عرفت تاريخ فرقة رضا من خلال على وازددت إعجابًا بمحمود وأنا أستمع إلى ما يرويه عنه شقيقه الأكبر.

أخرج على من بطولة محمود وشاركته فريدة فهمى البطولة (أجازة نص السنة) و(غرام فى الكرنك) و(حرامى الورقة).

حكايتهما ليست مجرد شقيقين متحابين ولكنها تحمل فيضًا من الأبوة، على يعلِّم محمود الرقص، وعندما يستعينون به فى الأفلام، يصطحب معه محمود، يشارك ضمن المجموعة، يتزوج محمود من نديدة حسن فهمى ابنة أستاذ الهندسة، والتى صارت تحمل اسم خديجة لسهولة التداول، رغم أنها تعانى من روماتيزم فى القلب ولكنه الحب، ويقرر على أن يتزوج شقيقة نديدة الصغيرة ميلدا التى تصبح فريدة فهمى.

عائلة تحمل أفكارًا اجتماعية مختلفة أحدثت نقلة نوعية فى المفهوم الشرقى للراقصة الشعبية الفتاة الجامعية ابنة أستاذ الهندسة ترقص «شعبى»، على يخرج للفرقة، بينما محمود هو مصمم الراقصات والراقص الأول بالفرقة، التى صارت عنوانًا للبهجة فى مصر وواكبت الحياة سياسيًّا ووطنيًّا واجتماعيًّا، تغنى للإصلاح الزراعى (فدادين خمسة.. خمس فدادين) وتغنى فى نفس الوقت للعرقسوس وأيضًا لناصر.

ملحوظة امتلأ (النت) كالعادة بخطأ تناقلنه كل الصحف والمواقع وهو أن نعيمة عاكف كانت هى الراقصة الأولى وبعد رحيلها المفاجئ تمت الاستعانة بفريدة فهمى.

والحقيقة أن محمود اشترك بالرقص وتصميم بعض الرقصات لنعيمة عاكف فى عدد من أفلامها، كان يرى فيها وله كل الحق موهبة استثنائية فى أداء كل أنواع الرقص على عكس الراقصات الشرقيات، كان من المستحيل أن تترك نعيمة كل الأفلام والحفلات لتتفرغ للفرقة، رحلت نعيمة عام 66 بينما فرقة رضا بدأت 59، فريدة فهمى لم تكن هى البديلة ولكنها حاضرة منذ الوهلة الأولى، كما أن شقيقتها نديدة أو خديجة كانت تساهم فى إضفاء لمسة جمالية من خلال تصميمها الأزياء التى تعبر عن البيئة، وبالمناسبة رحلت نديدة قبل أن تنجب، كان من المستحيل طبيا أن تحمل، وتزوج محمود بعدها من فتاة يوغسلافية أنجب منها شيرين رضا، وهو خطأ آخر تردد على (النت) يؤكد أن شيرين ابنة نديدة.

عين محمود ترصد الحياة من خلال المعادل الموضوعى وهو الرقص، كل شعوب الدنيا لها رقصة تعبر عنها، فكان لا بد من تواجد معادل مصرى، واكتشف محمود، وهو يجوب المحافظات، أن مصر غنية جدا، هناك رقصة فى سينا وأخرى فى مرسى مطروح وثالثة النوبة ورابعة الإسكندرية وخامسة بور سعيد وهكذا، كل هذا الثراء فى الحركة وهو ما يواكبه أيضا ثراء مماثل فى الأنغام، وكان لا بد من تواجد مطرب، وقع اختيارهم فى البداية على كارم محمود ولكنه لم يكمل فجاء محمد العزبى، وكان الموسيقار على إسماعيل فى تلك المنظومة هو الأذن التى حفظت الفلكلور، أخذوا تلك الومضة السحرية من التراث وطوروها فى الحركة والنغمة، وأضافوا الكثير واحتفظوا بالروح واستعانوا بعدد من كبار شعراء الأغنية مثل مأمون الشناوى وحسين السيد ونبيلة قنديل (زوجة على إسماعيل).

التقيت آخر مرة بالأستاذ محمود رضا قبل نحو خمس سنوات، أثناء تكريمه فى مهرجان الأقصر للسينما الأوروبية برئاسة د. ماجدة واصف، كانت بصحبته الفنانة الكبيرة فريدة فهمى، قال لى: أنا سعيد بالتكريم. قلت له: أنت تستحق جائزة (النيل)، أرفع الجوائز المصرية، رد ضاحكًا (النيل حتة واحدة؟). قلت له: (نعم، يا أستاذ وده أقل القليل). وغادرنا محمود رضا قبل ساعات، ولم نقدم له أقل القليل!!