د.نصار عبدالله يكتب: أمريكا: منبع الأوبئة!

مقالات الرأي




الولايات المتحدة الأمريكية هى حاليا الدولة الأولى فى العالم من حيث معدلات الإصابة والوفاة بوباء كوفيد 19(كورونا)، حيث أصيب بهذا الداء حتى كتابة هذه السطور نحو مليونين وستمائة ألف أمريكى، هلك منهم حتى الآن ما يقرب من مائة وثلاثين ألفا، ومازالت الأرقام فى تزايد لا ينقطع يذكرنا بالجائحة التى اجتاحت العالم عام 1918 والتى عرفت حينها بالأنفلونزا الإسبانية رغم أنها كانت أيضا أمريكية المنشأ، لكن الولايات المتحدة تكتمت عليها حينذاك، كما تكتمت عليها الدول الأوروبية التى انتقل إليها الوباء وراح يحصد الملايين من أبنائها إلى أن قامت الصحف الإسبانية بكشف الحقيقة للعالم بأكمله، فإذا ماتساءل سائل: ولماذا الصحف الإسبانية بالذات؟، فإن الجواب هو أن «إسبانيا» لم تشارك فى الحرب العالمية الأولى، ومن ثم فإن صحافتها لم تكن واقعة تحت وطأة الرقابة التى كانت تعانى منها صحافة الدول المشاركة فى الحرب والتى فقدت نتيجة الأنفلونزا أعدادا تفوق بكثير أعداد قتلاها فى الحرب، وبرغم أنه لا توجد إحصائية موثقة لعدد ضحايا الأنفلونزا الإسبانية إلا أن أدنى التقديرات تشير إلى أن العدد قد بلغ ثلاثين مليون ضحية، فى حين ترتفع تقديرات أخرى لعدد الوفيات لكى تصل بها إلى مائة مليون إنسان، السؤال الآن لماذا كانت أمريكا منبعا للأوبئة الكبرى فى العالم، فربما كانت الإجابة متمثلة فى ارتفاع نسبة التلوث البيئى الناتج عن توسع النشاط الصناعى دون اهتمام بالتخلص من النواتج الضارة بطريقة آمنة توفيرا للنفقات وهو المسلك الذى تتسم به دائما الرأسمالية المتوحشة التى تسعى إلى تحقيق أكبر قدر ممكن من الأرباح دون النظر إلى أى اعتبار آخر ولعل رفض الولايات المتحدة التوقيع على معاهدة كيوتو التى وقعت عليها 183دولة من دول العالم فى فبراير 2009، لعل هذا الرفض هو أبلغ دليل على المسلك الأمريكى المستخف بمصالح البشر (بما فى ذلك الأمريكيين أنفسهم) لصالح قلة قليلة من رجال الأعمال الذين لا يعنيهم سوى جمع المال بأكبر قدر وبأقصى سرعة حتى لو هلك البشر جميعا فيما بعد بما فى ذلك هم أنفسهم، ولعل انسحاب الرئيس الأمريكى الحالى دونالد ترمب فى عام 2017 من اتفاقية باريس للمناخ دليل آخر على هذا المسلك للرأسمالية الأمريكية المتوحشة التى يمثلها دونالد ترامب نفسه خير تمثيل!!، ومن ناحية أخرى فإن البعض ينظرون إلى ارتفاع معدلات الإصابة والوفيات فى أمريكا من منظور أخلاقى أودينى، فهم يرون فى هذا عقابا إلهيا على الجرائم التى ارتكبتها أمريكا فى حق كثير من الشعوب وأولها السكان الأصليون للقارة الأمريكية الذين كانوا يعرفون بالهنود الحمر نتيجة للونهم المائل قليلا إلى الحمرة والذين تعرضوا لأبشع المذابح على أيدى المستوطنين الأوروبيين، حيث جرت فى حقهم جريمة إبادة عرقية ممنهجة استخدمت فيها أبشع الوسائل والأساليب، ولعل أكثر هذه الأساليب خيسة هو استخدام جراثيم الأمراض المعدية الفتاكة لإصابة هؤلاء المسالمين العزل بالأمراض المميتة، فحينما كان يستعر القتال غير المتكافئ بين المستوطنين الأوروبين المزودين بأحدث الأسلحة وبين السكان الأصليين الذين لا يملكون غير القوس والسهام، كان المستوطنون يعلنون أنهم يرغبون فى الصلح وفى عقد معاهدة سلام، وكان الهنود الحمر يرحبون بهذه المعاهدات التى كانت تنطوى دائما على تعهد من جانبهم لإخلاء جانب من أراضيهم للمستوطين لكى يعيش الجميع فى سلام، وتأكيدا (للنوايا الطيبة) للمستوطنين الأوروبيين كانوا يقومون بإهداء الهنود عددا كبيرا من المعاطف الملوثة بجراثيم الأمراض المميتة التى يترتب عليها أن يفقد أصحاب الأرض الأصليين من الأرواح بفعل تلك الأمراض أكثر مما فقدوه بفعل البارود والبنادق، دون أن يدور بخلدهم أن السبب هو جنوحهم للسلم وقبولهم للهدية.. بل إنهم دائما كانوا يلتزمون بما تعهدوا به للمستوطنين الذين كانوا من جانبهم لا يلتزمون بما تعهدوا به، فبعد أن يثبتون أقدامهم فى الأراضى التى حصلوا عليها بمقتضى المعاهدة، كانوا ينقضونها ويطالبون الهنود بمزيد من الأراضى، فإذا لم يستجيبوا عاد المستوطنون إلى ممارسة جرائمهم ومن ورائهم دولهم تحميهم، إلى حد أن بريطانيا رصدت مكافأة قدرها مائة جنيه لكل من يقدم رأس هندى وعندما كثرت الرؤوس وصعب حملها اكتفت الحكومة بأن يسلخ (الصياد) جلد الرأس ويقدمه للمسئولين للحصول على المكافأة.