جدل بين المسيحيين حول «الاعتراف عن بعد».. رجال الدين يتمسكون بالطريقة التقليدية والأقباط متمسكون بالاعتراف «أون لاين»

العدد الأسبوعي

بوابة الفجر


اضطرت الكنيسة القبطية مع زيادة انتشار فيروس كورونا إلى إلغاء القداسات، ومع طول فترة الحظر سمحت للشعب ولأول مرة بممارسة سر الاعتراف عبر الهواتف ووسائل التواصل الاجتماعي، فى خطوة لتقليل الأعباء على المواطنين خاصة فى ظل سعى الكنيسة لتطبيق قواعد التباعد الاجتماعي، ويعد هذا الاتجاه الأول من نوعه، رغم مطالبة عدد كبير من الأقباط لسنوات طويلة بتطبيقه، إلا أن هذه المطالبة دائما ماكانت تقابل بالرفض من قبل رجال الكنيسة. ورغم الآراء المحافظة التى رفضت هذه الممارسات إلا أن إلحاح الأقباط والحاجة للمساندة الدينية فى هذه الظروف الاستثنائية فرضت نفسها. وكان الراحل البابا شنودة الثالث فى إحدى عظات كان قد أطلق دعاباته المعتادة حينما سئل عن الاعتراف عبر الهاتف وأجاب «الكاهن هيقول للمعترف يحط السماعة على راسه عشان يصليله كبديل عن وضع اليد»، فى إشارة إلى رفضه تطبيق سر الاعتراف عن بعد، لكن ورغم تطبيقه إلا أن حالة الانقسام بين مؤيد ومعارض لاتزال مثارة حول سر الاعتراف.

1- اعترافات منزلية

القمص يوسف الحومى أستاذ تاريخ الطقوس بمعهد الألحان بالزقازيق، قال لنا إن الهدف الأساسى لسر الاعتراف، إقرار المعترف بالخطأ، ومن ثم يقوم الكاهن بوضع يده لمنحه البركة وقراءة الصلوات ثم «النفخ» فى وجهه، هذه هى الممارسة السليمة، ولكن باعتبارنا أمام ظرف طارئ ومحاولة منا كرجال دين التخفيف عن الناس يمكننا قبول الاعتراف عبر الهاتف أو «أون لاين».

وأضاف: لا ننسى أن فى حياة القديس يوحنا القصير ذهب لينفذ فتاة كانت تعيش تخدم الله ولكنها سلكت فى طريق الخطية وحينما أخرجها من المكان وسار بها فى طريق العودة ماتت وظل القديس يبكى حتى ظهر له ملاك يبشره بأن توبتها قبلت بمجرد خروجها من مكان الشر. وهذا يعنى أن الندم على الخطية يغفرها.

وأضاف: عن نفسى مازلت أستقبل الشعب فى بيتى لمنحهم سر الاعتراف بشكل كامل مع اتخاذ جميع الاحتياطات والتأمين من ارتداء «الكمامة والجوانتى» واستخدام المطهرات والحفاظ على المسافة الآمنة. بالإضافة إلى عدم التقبيل لا لليد أو الصليب. وأكتفى بالتواصل عبر الهاتف لحل بعض المشاكل الأسرية مثلاً أو متابعة أبنائى من الأقباط والاطمئنان عليهم خاصة المرضى منهم وإن تبين أنه مصاب بكورونا نحاول مساعدته عبر الأطباء لتوفير الأدوية أو سرير بمستشفى. ويؤكد الحومى رغم الأزمة لكن سر الاعتراف له طقسه الذى نحاول ألا يتأثر مع الوقت بالتكنولوجيا الحديثة حتى لايفقد قيمته أو قدسيته، ونسمح فقط أن يستخدم الهاتف فى الأمور العاجلة.

وقال زكريا بشير من إحدى كنائس حلوان إنه لم يمارس سر الاعتراف منذ فترة طويلة وليس مرتبطاً بأزمة كورونا، ولكن مع بداية انتشار العدوى اتخذت قراراً ألا أضطر للاعتراف عن بعد كما فعل البعض لأننى مؤمن أن الطقس يجب أن يتم وجها لوجه ويلزمه فى الختام أن يصلى الكاهن للمعترف وهذا لن يتم عبر الهاتف مثلاً. ولا أعتقد أن الأمر بهذا الإلحاح حتى أضطر لممارسة بطريقة منقوصة.

2- الصلاة عبر المكبر

أما القس دانيال داوود كاهن كنيسة دير النغاميش بمركز دار السلام سوهاج، يرى أن أهمية سر الاعتراف وممارستها بشكل مستمر خاصة فى هذه الأزمة يدفع الكاهن لقبوله بهذه الطرق الحديثة وذلك لأننا أمام ظرف استثنائى والحاجة الأساسية هى التخفيف عن الشعب.

وأضاف: من المستحيل أن يتم السر عبر الهاتف بنفس الطريقة التى تتم وجها لوجه لأن الحالة الطبيعية يتم فيها تفاعل وتبادل للمشاعر بين الأب وابنه فى الاعتراف ويمكن أن أكتفى بالنظرة لتصله رسالتى ويمكن أن أستشعر من دموعه مثلاً شعوره بالندم والتفاعل من خلال المشاعر له أهمية كبيرة، مضيفاً قبلت بهذه الطريقة كحل مؤقت لأنه لا يوجد بديل آخر خلال هذه الفترة الدقيقة ولكن غالبا لا أقدم للمعترف نصائح أو توجيه وأكتفى بعبارة نستخدمها أثناء الاعتراف وهى «الله يحاللك» وهى مأخوذة من الآية القائلة لرجال الدين «وكل ما تحلونه فى الأرض يكون محلولاً فى السماء». ويمكن أن نصلى عبر الهاتف سوياً عن طريق أنه يفتح مكبر الصوت ويقف لتلاوة بعض الصلوات.

وترى «نانسى،ج» أن الهدف الأساسى هو الاعتراف ولايهم الطريقة ولا أجد فرقاً كبيراً فى ممارسته عبر الهاتف من الطريقة التقليدية، ورغم عدم شعور الكاهن بالحماس فى الاعتراف لهذه الطريقة فى البداية، ولكنى بدأت معه خطوة خطوة كانت باستشارته فى أمر عام يتعلق بدراستى ثم بدأت أناقشه فى أمور دينية وبالتالى اتجهت أن أقوله له أخطائى وهو يقدم لى النصيحة والإرشاد.

وأضافت: أدرك أن الأمر غريب على كل الأطراف ولكن أى أمر جديد سيكون غير محبب خاصة لرجال الكنيسة بينما نحن فى عصر التكنولوجيا ويجب أن نتعامل معها وقد فرضت ظرفية انتشار عدوى كورونا على الجميع أن يتعامل بشكل جديد. قد يكون فى نهاية الاعتراف وأثناء الصلاة أشعر بغياب الحالة الروحية التى تكون موجودة فى الكنيسة ولكن لدى أمل كبير بالعودة فى القريب.

3- مواقف وطرائف

أما القمص بولس القمص ميخائيل راعى كنيسة العذراء وماريوحنا بالقوصية أسيوط، يرى أن جلسة الاعتراف المباشرة تحقق الغرض منها أكثر من التى تتم عن بعد عبر الوسائل الحديثة، ويضيف لا أستطيع أن أرفض توبة أى مصل يأتى بها عبر الهاتف مثلاً وأضطر لسماعه خاصة مع طوال فترة الحظر ولكننى بشكل شخصى لا أفضل أن يحكى عن أخطائه هاتفياً وأحاول أن أوقفه بعبارة «روح الله يحاللك يابنى» خاصة أن هناك البعض من أبنائنا يحصل على سر التناول بالمنزل نظراً لكونه قعيداً مثلاً أو حياته مهددة بالخطر وفى هذه الحالة أرحب بالاعتراف هاتفياً حتى لا أثقل عليه ولكى أمنحه فرحة التناول.

وأكمل ميخائيل: ولكن فى المجمل وبشكل شخصى أنا أميل أن يقتصر الحديث بالهاتف عن تساؤل فى أمر ما أو استشارة. لأن الأب بحاجة أن يقدم الإرشاد لابنه ويهذب نفسه وجهاً لوجه وأشعر أن الله يقبل هذه الصلوات حينما تتم بوضع يد الكاهن على رأس المعترف أثناء الصلاة.

ويروى عاطف صبرى من القليوبية أن أحد كهنة الاعتراف نظراً لتقدمه فى السن عادة ما ينسى الأسماء خاصة الشباب ويتذكرنا بملامح الوجه وفى أثناء ماكنت أعترف عبر الهاتف بعد إلحاح منى فوجئت به يقول «معلش يابنى العروسة اللى كلمتك عنها اتخطبت» وهنا تماسكت من الضحك لأننى متزوج ولدى طفلة، ولكنى سرعان ما أدركت صعوبة أن يتذكرنى بهذه الطريقة.