د. أحمد أبو رحيل يكتب: "نواب البرلمان" قراءة في مكنون الشخصية

ركن القراء

بوابة الفجر


نظراً لأهمية مجلس النواب فى رسم سياسات حياتنا وانشغال الرأى العام به خاصة ونحن على أعتاب إطلاق صفارة إنطلاق المارثون الانتخابى لأعضاء مجلس النواب المصرى لاختيار الشعب من يمثله فى المجلس الموقر، ونظراً لأهمية هذا  الشخص والدور الذى فوضناه للقيام به؛ نحاول أن نلقى الضوء على شخصية الزعماء باعتبار أن هؤلاء النواب ممن يقعوا تحت طائلة أصحاب الزعامة، والحقيقة أنا كنت متردداً بل معارضاً لفكرة أن يكون عضو مجلس النواب من الزعماء؛ خاصة ونحن نرى كثرة المتطلعين إلى هذا المنصب الشعبوى.

 وفى الواقع كثرة المتطلعين هذه ليست عيباً ولا تدعو إلى السخرية فهو حراك سياسى قد يكون نابع من وعى سياسى، وأن الترشح هو حق أصيل لكل مواطن كامل الأهلية ومتوفرة به الشروط التى وضعتها الدولة، ولكن بعد مراجعات ومطالعات فكرية وشواهد واقعية وخاصة فى الدول الراقية المتقدمة التى تحترم فيها الدولة الشعب ويقدر الشعب فيها مجهود الدولة وينتقده بسلاسة مع توفير الحل المشروع والمشفوع بالنقد؛ أدركت بعدها أن عضو مجلس النواب لايقل عن تسميته باسم زعيم، أو لكى أكون دقيقاً هو النواة أواللبنة الأولى للزعيم، فهو محل احترام وتقدير واهتمام من جانب أقرانه وإخوانه وأقاربه وجميع أعضاء دائرته، حيث تقع على عاتقه مسئولية الدفاع عن حقوق منتخبيه وأن يسيس السياسات ويشرع  القوانين لكى تخدمهم على المدى الزمنى الطويل، كما يقوم بمهمة مراقبة الدولة فى كيفية القيام بواجباتها تجاه الشعب طبقا للدستور المبرم بين الدولة والشعب.

وهذه المقالة لا تعلق على كثرة المتطلعين إلى الترشح من عدمه وإنما تتطرق إلى التعرف على شخصية الزعيم أو النائب ومعرفة كيف يفكر وكيف يتصرف، فنحن هنا بحاجة إلى التعرف على هذه الأشياء كى تساعدنا فى اختيار خير من يمثلنا تحت هذه القبة العظيمة فى الفعل ورد الفعل، فهى التى تشرع القوانين وتسن اللوائح وتنظم سير الحياة العامة فى البلد وتعظم من جهود البعض وتقلل من جهود الـآخر وتشكل حكومة وتقيل حكومة آخرى كل هذا وأكثر يمكن أن تفعله قبة البرلمان الذى نحن نختار أعضائها بناءاً على العصبية والقبلية والنسب والحسب والعلاقات والمجاملات وغيرها من الأسباب التى تبتعد كل البعد عن المصلحة العامة لوطننا الحبيب مصر، وهذا كان جلياً بوضوح فى انتخابات 2015م التى تقترب مدتها على الانتهاء.

وقبل أن نتطرق إلى التعرف على معالم الشخصية يجب أن نشير إلى أن مشكلة المشاكل فى مجتمعاتنا إننا نعيش فى مجتمع  يعانى من الإزدواجية؛ فهو يريد زعيماً ولكنه لايملك فى نفسيته نزعة التقدير اللازمة لظهور الزعماء، فكبير العائلة مثلاً لايحب أن يكون هناك كبير غيره ولا يحب أن يتطلع أحد إلى هذه الكبارة، وكذلك عميد الكلية لايحب أن يكون أحد من الوكلاء متميز، وعلى نفس المنوال رئيس الجامعة لايحب العمداء النشطاء، وبنفس الكيفية  لايحب أحد من المديرين أن يكون أحد الموظفين المرؤسين من خلاله أن تظهر عليهم أى علامة من علامات الزعامة، كل هذا طبعاً هو غير معلن بل يتظاهروا بالعكس، ولكن نحن نتكلم عن حقيقة النفس البشرية، فالجميع يحبونك إلا عندما تصبح منافساً لهم.

فالمجتمع المزدوج ياسادة يقل فيه ظهور الزعماء والنبلاء فى الغالب، فكل زعيم يظهر فى هذا المجتمع المزدوج  يقابله الناس بالجدل والشغب والانتقاد؛ ويجب أن نعرف أن الزعيم لايعتمد فى زعامته على مواهبه فقط إنما يعتمد أيضاً على  تقدير الناس له وتشجيعهم إياه، وبالتالى فالزعيم فى المجتمع المزدوج لايجد تشجيعاً وتقديراً له إلا بمقدار ضئيل، فالزعيم يخلق الأمة وهى تخلقه فى الوقت ذاته، فالأمة لاتستطيع أن تخلق من شخص تافه زعيماً ولكن قد تخلق نائباً بالمفهوم المتعارف عليه فى مجتمعاتنا المزدوجة التى نحن نعيش فيها الآن، وكذلك لايستطيع الشخص الموهوب أن يكون زعيماً فى أمه لاتقدره، إن السبب والنتيجة هنا يتفاعلان تفاعلاً متسلسلاً على حد تعبير علماء الذرة، ولكن فى نظام القوائم أصبح لاهناك تفاعل ولاهناك سبب ولا هناك نتيجة  فما تأتى به القائمة التى يصارع الجميع عليها فهو محصن نتيجة نجاحه فى البرلمان.

ولكى أؤكد لكم على صحة كلامى بإزدواجية المجتمع  فنحن نحب من لانحترمه ولا نهابه ونحترم ونهاب من لانحبه، فكثيراً مانجد الناس هنا يحبون إنساناً ولكنهم لايقدرونه ولا يحترمونه  فهم يسخرون منه وقد يرمونه بالسفساف من القول احتقاراً له، ولكن فى المجتمعات الراقيه هناك صلة وثيقة بين حب الفرد واحترامه فإذا أحبوا شخص وقروه،  ولكن فى مجتمعاتنا العكس بالعكس صحيح كما أشارنا مسبقا،ً وقد يرجع هذا  كما أشار المفكر "على الوردى" إلى الإزدواج الذى تغلغل فى تكوين شخصيتنا العربية؛ فنحن فى أفعالنا بدو نحتقر الضعيف ونحترم الجلاوزة الأقوياء، أما فى أفكارنا فنحن أفلاطنيون ننشد المثل العليا.

أما فى حديثنا عن شخصية الزعيم أو النائب الذى نريده أن يكون زعيمًا، فالزعيم المخلص لا يختلف في تكوين شخصيته عن المجرم الدنيء، فكلاهما من طبيعة واحدة هي طبيعة البشر؛ فالإنسان بطبيعته أناني يحب ذاته ويسعى في سبيل إعلاء شأنها، لا فرق في ذلك بين الصالح من الناس والفاسد منهم، فالمصلحة الخاصة هي هدف الجميع، أما المصلحة العامة فتأتي عرضاً.

فالصالح من الناس هو ذلك الشخص الذي ساعده الحظ أن يجد له عملاً يتلذذ به وينتفع الناس به في آن واحد فهو يسعى وراء مصلحته ولكن مصلحته لحسن الحظ مطابقة للمصلحة العامة إلى حد بعيد فالزعيم يهدف لإعلاء ذاته والحصول على المكانة الاجتماعية، فهو يخدم الأمة ويذوب فيها، وينال بذلك شهرة ومكانة، إنه سعيد إذن لكونه قد برع في عمل ينفعه وينفع الأمة معاً، فهو لا يجد تناقضاً بين مصلحته ومصلحة الناس، ولیس هذا هو شأن الزعيم وحده، إنه شان كل مواطن صالح يقوم بعمل يخدم به نفسه ويخدم به الغير في آن واحد، فكل بارع في فن أو علم أوصناعة هو من هذا الطراز، فالمخترع الذي يسهر الليالي في سبيل الوصول إلى اختراع جديد، إنما هو يسعى في سبيل شيء ينفعه وينفع الناس، وكذلك هو شأن الكاتب والفنان والتاجر والباحث والهندسي والطبيب والمعلم وغيرهم، كل واحد منهم يرید بعمله نفع نفسه ولكن المجتمع ينتفع من عمله أيضاً بمقدار کبير أو صغير، والمجتمع الناجح هو الذي يكثر فيه أمثال هؤلاء الأفراد الذين يزيدون بأعمالهم المتنوعة ثروته ورفاهيته وكرامته، أما المجتمع الفاسد فهو الذي لا يستطيع أن يوفق بین مصلحته ومصلحة الكثيرين من أبنائه وبذا يكثر فيه المجرمون والمجانين وأولوا اللؤم و يشتد فيه الاعتداء والحسد.

ولو درسنا نفسية زعيم من الزعماء المشهورين لوجدناه منهمكاً فى خدمة الناس انهماكاً غريباً، وقد يحسب المغفلون أن هذا الانهماك المخلص هو سجية أصيلة في نفسية الزعيم مغروزة في كيانه الطبيعي، وفي الحقيقة أن الزعيم لم يكن يختلف في أول الأمر عن سائر الأفراد، فهو يبدأ مسيرته فرداً عادي يسعي وراء الرزق والمكانة الاجتماعية كما يسعی غيره وقد تبدر منه في يوم من الأيام حركة اجتماعية نافعة، إنها قد تبدر منه على سبيل الصدفة ، أو على سبيل آخر غير مقصود، ويشاء الحظ أن تثير هذه الحركة اعجاب الناس وتنال تقديرهم فيتشجع هو بهذا التقدير ويزداد عزماً وحماساً.

وكلما زاد الناس في تقديره زاد حماسة في اخلاصه وخدمته فالمسألة لا تعدو أن تكون تفاعلا بین عمل الفرد وتقدير المجتمع، ويزداد الفرد في اخلاصه ويزداد المجتمع في تقديره.. وهذا هو ما يعرف اليوم بالسببية الدورية؛ فالسبب الذي يخلق الزعيم ليس ناشئاً عن شخصية الزعيم وحدها ولا عن طبيعة المجتمع وحدها؛ إنه ينشأ بالأحرى نتيجة التراكم والتفاعل بين الفعل الذي يقوم به الزعيم وبین رد الفعل الذي يقوم به المجتمع إزاءه.

 إن الزعيم يضحي بنفسه ونفيسه في سبيل الخدمة العامة، وتراه يسهر الليل ويتحمل الاضطهاد وينال الأذى وهو غير مكترث بما ينال، كأنه مخلوق من طينة غير طينة البشر وقد يتصور الناظرون إليه أنه لا يشعر بذاته ولا يحب مصلحتها، والواقع أن ذاته الخاصة قد اندمجت في ذات المجتمع، فأصبح على توالي الأيام يشعر بالمصلحة العامة كانها مصلحته الخاصة، إنه لم ينس ذاته کما يتصور البعض، فهو محب لها ساع وراء إنمائها، لا يختلف في ذلك عن أي شخص آخر، ولكنه يمتاز مع ذلك بأن ذاته قد كبرت ونمت حتى أصبحت تشمل الناس جميعاً.

فالزعيم الذي يرى الناس يتهافتون عليه ويهيمون بحبه ويذوبون فيه يشعر بأنه قد اصبح رمزاً لحياة هؤلاء الناس فهو لا يحس بوجوده منفرداً، إذ يدخل الناس في صميم وجدانه ويصيرون جزءاً لا يتجزا من تكوين شخصيته.

 أما المجرم الذي يضر الناس بأفعاله فهو إنسان قد شاء سوء طالعه أن تكون مصلحته منافية للمصلحة العامة، إنه ينشأ أول الأمر کما ينشأ الزعيم فرداً عادياً يسعى وراء ذاته ويراعي مصلحتها ولكن ظروفه النفسية والاجتماعية قد تدفعه إلى القيام بعمل مضر ذات يوم فيرمقه الناس بعين الاحتقار؛ والناس کلما ازدادو في احتقاره ازداد هو إمعان في إفساده وإجرامه؛ فالسببية الدورية هنا  تعمل فى  تكوين شخصيته كما كانت تعمل فى تكوين شخصية الزعيم ،ولكن هذا ينزل والثانى يطلع وشتان بين الصعود والنزول فى نظر الناس.

وفى النهاية على أن أقول إننى فى هذه المقالة لا أذم ولا أمدح  وإنما أوضح مكنون الشخصية كى يمكننا فهم البشر وألقى الضوء على طبيعة المجتمع والأشخاص، وأؤكد على أن الكل يبحث عن مصلحته، فيجب علينا أن نسدل الستار على عقولنا ونشهد على قصورنا، كما إننى لا أرغب فى وضع مجموعة من المؤشرات كى تساعدنا على الاختيار وإنما أحث كل شخص أن  يرى هو؛ ويقرر وفق مايرى، فأنا لا أزودكم بالتعليم أو الثقافة كما قال "هيدجر" وإنما أحاول فقط أن أجعل التعليم يحدث بالفعل ويأخذ مجراه،واخيراً ادعوا الله أن يرزقنا شخص تكون مصلحته الخاصة لاتتناقض مع المصلحة العامة، حفظ الله مصر، حفظ الله الشعب.