عادل حمودة يكتب: تفتيش حرب فى ليبيا

مقالات الرأي



اتفاق أردوغان مع السراج سمح لتركيا بنقل 15 ألفا من الميليشيات المتطرفة من سوريا إلى ليبيا 

فرنسا لم تكن راضية عن استخدام أردوغان لورقة اللاجئين السوريين ليبتز ألمانيا ويحصل منها على ستة مليارات دولار سنويا

القوى المختلفة بدأت فى حشد أسلحتها انتظارا للحظة انفجار تحول الحرب بالوكالة إلى حرب مباشرة

أردوغان حاول تقليد السلاطين العثمانيين «سليمان الفاتح وسليمان القانونى وسليم الأول» بتغيير العقيدة التركية 

يتصور أن الهجوم مهما كانت تكلفته يتيح مكاسب مغرية فى النهاية

تفتيش حرب.. هكذا وصف الخبراء العسكريون فى العالم تفقد الرئيس الفرقة 21 المدرعة فى المنطقة المركزية الغربية على أرض قاعدة سيدى برانى.

وبجانب تلك الفرقة التى يحسب حسابها هناك سفن وغواصات بحرية وأسراب جوية ووحدات من القوات الخاصة والمخابرات الحربية والعامة.

لكن ما أكد الوصف إعلان الرئيس المباشر بأن تدخل مصر فى ليبيا بات شرعيا لحماية أمننا القومى.

بل أكثر من ذلك اعتبر خط سرت- الجفرة داخل ليبيا نفسها خطًا أحمر لن يسمح لقوات حكومة السراج المدعومة بالميليشيات التركية بالاقترب منه.

هناك يقع هلال النفط والغاز الليبى الذى يحلم أردوغان بالاستيلاء عليه بل إنه لم يفكر فى غزو ليبيا إلا بطمع فيه.

إن الاحتياطات الليبية تحتل المرتبة التاسعة بين العشرة الكبار فى إنتاج النفط بمعدلات تقدر بأكثر من 46 مليار برميل وتستمر 77 سنة.

ولا شك أن مثل هذه الأرقام أطارت عقل أردوغان الذى تعانى بلاده من عطش نفطى وجفاف فى الغاز وليس لها الحق فى التنقيب عنه فى شرق المتوسط.

لكن هناك سبباً استراتيجياً آخر أن سرت خط الدفاع الأول عن العاصمة طرابلس ومصدر التهديد المباشر لها.

ومن وجهة نظر فرنسا فإن سرت التى كانت تحتلها من قبل هى مفتاح السيطرة على الساحل الإفريقى ووسط إفريقيا حيث تمارس نفوذها القوى على 15 دولة هناك أبرزها الجزائر والسنغال ومالى والنيجر وتشاد وإريتريا وإثيوبيا.

وربما لذلك السبب انقلبت فرنسا على أردوغان وحرضت روسيا عليه بل كادت أن تحدث مواجهة بحرية بينها وبين تركيا حينما اعترضت سفينة فرنسية سفينة تركية تحمل أسلحة إلى ليبيا فى حماية فرقاطتين وأجبرتها على العودة.

والحقيقة أن فرنسا لم تكن راضية باستخدام أردوغان لورقة اللاجئين السوريين ليبتز ألمانيا ويحصل منها على ستة مليارات دولار سنويا وسرعان ما استيقظت على ما هو أسوأ من الابتزاز التركى.. احتلال ليبيا ومنعها من التواصل مع مستعمراتها القديمة.

حسب مراكز الدراسات الفرنسية والأمريكية فإن أردوغان غير من الاستراتيجية الدفاعية التركية المنكفئة على نفسها فى الداخل لمواجهة مشكلة الأكراد إلى الاستراتيجية الهجومية التوسعية فى الخارج.

إن أردوغان بذلك الانقلاب فى العقيدة التركية يقلد السلاطين العثمانيين (مثل سليمان الفاتح وسليمان القانونى وسليم الأول) متصورا أن الهجوم مهما كانت تكلفته فإنه يتيح مكاسب مغرية فى النهاية.

وحسب المصادر نفسها فإن أردوغان يسعى بالقوة المسلحة إلى إعادة تركيا إلى سابق وضعها القديم قبل انهياره فى الحرب العالمية الأولى مما دفعه إلى تبنى ما يسمى باستراتيجية الدولة الزرقاء التى تطالب تركيا من خلالها بحقوق مائية اقتصادية فى البحرين الأسود والمتوسط.

ولتنفيذ تلك الاستراتيجية ضاعف أردوغان من قوة أسطوله البحرى وجهزه بزوارق صواريخ وحاملة مروحيات وست غواصات طراز تيسكنروب الألمانية.

لكنه لم يعبأ بتضرر الاقتصاد التركى بسبب زيادة موازنة الإنفاق العسكرى مع مخاوف من الأكراد الذين وصل عددهم إلى عشرة ملايين نسمة.

وفى الوقت نفسه يسعى أردوغان لتقوية نفوذه الدينى فى دولته التى لا تزال العلمانية فيها قوية من أجل أن يكون زعيما للسنة.

كل ذلك كان وراء اتجاهه ناحية ليبيا.

ولا شك أن اتفاق أردوغان مع السراج سمح لتركيا بنقل 15 ألفا من الميليشيات المتطرفة التى كانت تحارب فى سوريا وكلف خزينة بلاده ألفى دولار لكل واحد منهم شهريا مما ضاعف من المتاعب الاقتصادية التى تعانى منها.

والمؤكد أن مصر نالت الشرعية الليبية بعد زيارة عقيلة صالح رئيس مجلس النواب المنتخب مؤخرا إليها.

وعقيلة صالح ينتمى إلى أكبر قبيلة فى الشرق (قبيلة العبيدات) وهو مقبول من القبائل الأخرى ويتمتع باحترامها كما أنه قادر على التأثير فيها ومن جانبها أعلنت مساندتها له والحرب معه كما أنه هو الذى عين حفتر قائدا أعلى للقوات المسلحة.

وكان عقيلة صالح المتوقع أن يكون الرئيس القادم لليبيا متحمسا لمبادرة القاهرة بوقف إطلاق النار وتكوين حكومة وفاق جديدة ولكن أردوغان سارع بالرفض معلنا أنه لن يتفاوض ولن يوقف إطلاق النار إلا بعد أن يسيطر على سرت والجفرة.

بل إن أردوغان يريد السيطرة على قاعدة تمانهد فى الجفرة وقاعدة أخرى فى القطابية داخل حدود سرت.

وسبق أن حصل على قاعدة بحرية فى مصراتة وقاعدة فى الوطية (قاعدة عقبة بن نافع) جنوب غرب طرابلس.

والمؤكد أن حصوله على ما يريد من قواعد يسهل تواجده فى ليبيا بل ويزيد منه بتخزين الأسلحة والمعدات التى عليه نقلها من تركيا على بعد 2186 كيلومترا والتخوف من المواجهات البحرية يجبره على نقلها جوا بتكلفة عالية تزيد من نفقات الحرب.

وكانت تونس والجزائر قد رفضتا منحه تسهيلات بحرية أو جوية على أرضهما.

ويهدف أردوغان للسيطرة على شرق المتوسط ولكن ليست فى تلك المنطقة دولة واحدة ترحب به.

وبدأت القوى المختلفة فى حشد أسلحتها انتظارا للحظة انفجار الموقف لتتحول الحرب فى ليبيا إلى حرب مباشرة بعد أن كانت حربا بالوكالة.

وكثيرا ما كانت ليبيا مصدر ازعاج لمصر.

منها جاءت قوات المحور فى الحرب العالمية الثانية لتقابل قوات الحلفاء فى معركة العلمين.

وفى وجود القذافى وصل التوتر بينه وبين السادات إلى حد أن قوات ليبية أغارت على مواقع مصرية فى السلوم وكان على مصر رد العدوان ودخلت قواتها إلى المواقع التى انطلقت منها العمليات ودمرتها ثم عادت إلى قواعدها وتكررت المواجهات حتى آمن القذافى بفضيلة السكوت.

ولكن مصر رفضت مشاركة الولايات المتحدة فى ضرب ليبيا بالطائرات فى العملية العسكرية التى انطلقت تحت اسم الزهرة.

وطوال سنوات حكم مبارك عاملت مصر القذافى معاملة خاصة ونجحت فى تحييده وتهدئة انفعالاته لإبعاده عن مغامراته الطائشة.

ولكن بالتخلص من القذافى وفتح ليبيا أمام التنظيمات المسلحة وتدخل تركيا فى شأنها عادت مخاطر الأمن القومى تفرض نفسها على مصر.

وكان ما كان.