عبدالحفيظ سعد يكتب: آبى أحمد.. قنبلة نوبل الموقوتة فى منابع النيل

مقالات الرأي



تصعيده المثير وهروبه المستمر فى التوقيع على اتفاق تشغيل السد

فى أروقة العالم السفلى للمنظمات الدولية، لا ينقطع الحديث عن الطريقة التى حصلت بها اليمنية توكل كرمان على جائزة نوبل للسلام فى 2011، فالسيدة التى لا تحمل أى تاريخ سياسى أو إسهامات فى العمل العام، أو حتى قدرات مهنية، سوى عملها فى قناة الجزيرة القطرية، ومشاركتها فى الثورة ضد الرئيس اليمنى على عبدالله صالح مثل ملايين اليمنيين، حصلت على لقب سيدة السلام، مما يضع علامات استفهام وريبة على منحها الجائزة الرفيعة والتى لا تمنح إلا لأنشطة الحاصل عليها فى دعم السلام، طبقا للبروتوكول الخاص بها.

لذلك يدور الحديث فى الأروقة الدولية أن الطريقة التى حصلت بها كرمان على الجائزة الدولية لا تختلف كثيراً عن الطريقة التى حصلت بها دولة قطر على تنظيم كأس العالم فى 2022، والتى فجرت فضيحة فساد كبرى، لاحقت الاتحاد الدولى للعبة (فيفا)، والذى وجهت اتهامات لجميع أعضاءه فى اللجنة التنفيذية بالحصول على رشاوى لمنح التنظيم لقطر، والذى لا يؤهلها تاريخها الكروى أو السكانى أو حتى مساحة الدولة فى الحصول على حق تنظيم الحدث الكروى الأهم فى العالم.

ومن فساد الفيفا فى منح قطر حق تنظيم كأس العلم، ومنح لجنة نوبل فى عاصمة النرويج أوسلو توكل كرمان جائزة نوبل للسلام، جاء بعدها بتسع سنوات منح رئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد على، وذلك بعد أقل من عامين من صعوده لمنصب رئيس الوزراء.

تتويج أبى أحمد بالجائزة، وفقا لحيثيات اللجنة، بناء على دوره فى حل النزاعات والصراعات، خاصة توقيعه اتفاقية السلام بين بلده وإريتريا بعد 20 عاماً من الحرب، وأيضا عمل على حل النزاعات العرقية فى بلاده، والتى تعانى من انقسامات عرقية مختلفة ومتناحرة ما بين الأمهرى والتيجرى أو الأورومو، والتى ينتسب إليها آبى أحمد من أب مسلم وأم مسيحية، فى حالة تشبه كثيرا الرئيس الأمريكى السابق باراك حسين أوباما، والذى احتفظ بديانة الأم، وهو نفس حال آبى أحمد، والذى ينتمى لطائفة بروتستانتية، مقرها فى أمريكا، وذلك عكس غالبية المسيحيين فى إثيوبيا المنتمين للأرثوذكسية.

1- رجل السلام المزيف

حمل خبر منح آبى أحمد لقب نوبل بشرة خير للمصريين، باعتبار أنه رجل سلام، بما يضمن أنه لن يتعدى على حقوق مصر التاريخية فى مياه النهر، والتى يعرفها العالم أجمع، خاصة أن أى تهديد يمس مياه النيل يهدد حياة ما يزيد على مائة مليون مصرى، كما يهدد حضارة ارتبطت بالنيل على مدار آلاف السنين.

لكن بعد أيام قليلة من إعلان خبر فوز آبى أحمد بجائزة نوبل، خرج رئيس الوزراء الإثيوبى بتصريح يخلع فيه رداء السلام إلى رداء الحرب الوعيد، عندما صرح فى البرلمان الإثيوبى بأن بلاده ستحشد مليون شخص للقتال حول سد النهضة، وأن بلاده مستعدة لحشد الملايين من أجل بناء السد المتنازع عليه مصر والسودان والذى يمثل بناء السد بالنسبة لهم مصير وجود سواء فى مخاطر انهياره أو منع تدفق المياه، مسالة حياة أو موت، على عكس إثيوبيا والتى يعد السد بالنسبة لها وسيلة تنمية لتوليد الكهرباء.

وأظهر التصريح الوجه الآخر لآبى أحمد، والذى استخدم لغة تصعيد وسط الحرص المصرى والسودانى، بأن حل الخلافات حول سد النهضة لن يتم إلا عبر المفاوضات، والعمل على الحفاظ مصالح كل دولة.

2- تصدير الأزمات

لكن يبدو أن آبى أحمد، عمد من تصريحه التصعيدى تجاه مصر، بالعمل على دغدغة مشاعر الإثيوبيين، برفع لغة الحرب، بدلا من السلام، وذلك حتى يلعب على عواطف الإثيوبيين ليحل خلافاته الداخلية مع المعارضة فى إثيوبيا، خاصة أنه فى تلك الأيام كانت المعارضة الإثيوبية تصعّد ضد آبى أحمد، وذلك بعد محاولته اعتقال أحد الصحفيين المعارضين الإثيوبيين وهو جوهر محمد بعد عودته من المنفى، كما تصاعدت خلافات أخرى من عدة قبائل إثيوبية، نتيجة تعرضها لمضايقات من قبل سلطة آبى أحمد والذى بدأ يغير من طريقة معاملته معها.

لكن مع اشتداد المعارضة، يبدو أنه لجأ إلى عملية التصعيد الخارجى، تجاه مصر بتصريح أثار حيرة العالم، بالتلويح بالحرب، وهو أمر مستغرب خاصة أنه صادر من رجل حصل للتو على جائزة نوبل للسلام، بالإضافة إلى أن مصر والسودان لم يستخدمان لغة التهديد أو الحرب، ومن استخدم هذه اللغة النظام الإخوانى السابق، والذى أسقطه المصريون فى 30 يونيو 2013.

ومع تصاعد الغضب العالمى والرد الفعل المصرى على تصريح آبى أحمد تراجع عن تصريحه، خاصة مع إعلان البيت الأبيض الأمريكى، دخوله كوسيط بين مصر والسودان وإثيوبيا، ولكن مع تقدم المفاوضات والتى شارك فيها البنك الدولى، وطرح واشنطن ورقة لاتفاق بين مصر والسودان وإثيوبيا، بعد مفاوضات وعدة جولات عقدت برعاية البيت الأبيض، عادت إثيوبيا مرة أخرى للعبة المماطلة وانسحبت قبل توقيع وثيقة اتفاق، والتى كانت تضمن لإثيوبيا حقها فى استغلال السد الكامل فى توليد الكهرباء، بل تضمن لها توليد 85 % من المستهدف من توليد الكهرباء حتى وقت الجفاف.

لكن عادت إثيوبيا بنفس السيناريو من المماطلة ومحاولة كسب الوقت بتهربها من التوقيع على وثيقة واشنطن المحايدة ليظهر أن هناك أغراضاً غير معلنة لا تكشف عنها أديس أبابا، ومحاولتها الانفراد فى تشغيل السد، حتى لو كان ذلك على حساب مصير مصر والسودان، سواء بالغرق أو الجفاف، وهو السيناريو الذى يحاول أن يلعب الرجل المدفوع بحالة غريبة من التصعيد، سواء بوصوله لرئاسة وزراء إثيوبيا أو منحه نوبل للسلام، لكن ربما لا يدرك أن معركة مياه النيل بالنسبة للمصريين، هى معركة الحياة أو الموت، فى قصة خلدها التاريخ، لن توقفها صناعة شخصيات فى أروقه ودهاليز وألاعيب المنظمات الدولية.. فالنيل لمصر قصة وجود شعب وحضارة.. وليس مجرد مصدر للتنمية.