"مقال العتيبة".. جدية المفاوضات في زمن الشعارات

مقالات الرأي



إلى الذين تشدقوا دوما بالعبارات الرنانة "على القدس رايحين شهداء بالملايين"، ولم نراهم سوى حاملين السلاح في وجه أبناء أوطانهم في مصر وسوريا والعراق وليبيا، الذين أوسعونا حديثًا رنانًا عن "فتح بيت المقدس وتحريره"، حتى حولوا اسمه إلى اسم داميا أطلقوه على تنظيما إرهابيًا للنيل من الجيش المصري بمحافظة شمال سيناء، راغبين في احتلالها وإهدائها للإسرائيليين، هم الذين أيضًا أرادوا أن يعرقلوا كافة المفاوضات الدبلوماسية، التي اقتربنا في قطعها على 100 عام، من الشجب والإدانة، والاستنكار، في حل القضية الفلسطينية التي لم يعاني منها سوى شعب أوشك أن يفقد الإيمان بتصريحات الإسلاميين الرنانة، وتمسك بقدرة الله.

لا يقوى كبار أرجوزات الإعلام القابعين بفضائيات الخسة المأجورين، أن يمسون الجانب الإسرائيلي، أو يبحثون عن حل للقضية، ولا يجيدون سوى التحرك في إطار الهتافات العنجهية الرنانة، التي ينجر خلفها الملايين، والتي يفسدون من خلالها كل الجهود والتحركات العربية لحل الأزمة الفلسطينية، دون جدوى يتلاعبون بالألفاظ، ويقبعون في أذهان الصغار والكبار، بحكواتية السلام المزعوم، يخفوا حقيقة مثبتة، باتت أوضح من شروق الشمس، الملقية بنورها على أرض المنطقة العربية.

فتح إخوان الشيطان، وشنت لجانهم، حربًا شعواء على مقال يوسف العتيبة، سفير دولة الإمارات العربية بالولايات المتحدة الأمريكية، الذي وجه فيه تحذيرًا مباشرا للجانب الصهيوني، ووضع شروطًا علانية لعملية لإرجاء عملية السلام، أحدث ارتباكًا كبيرًا في صفوف الساسة والقادة الإسرائيليين والأمريكيين.

دق مقال العتيبة، جرس إنذار في أذان الإسرائيليين، ومن قبلهم الولايات المتحدة الأمريكية، بتحذير شديد اللهجة، من ضم الأراضي الفلسطينية، باعتبارها مهددة للسلام في الشرق الأوسط، في سابقة ديبلوماسية فريدة، بمنتهى التعقل في التناول وتفنيد الأسباب، دون تجاوز، أو مغالاة، أو تجميل حتى.

وقد يكون مقال يوسف العتيبة، برأيي هو أحد أهم أسباب مراجعة إسرائيل لكل خطواتها المقبلة، وهو ما تطرق إلى الحديث عنه محللون وسياسيون أمريكيون، مطالبين الجانب الإسرائيلي بأخذ موقف الإمارات بعين الاعتبار، والجدية، معتبرين التحذيرات الإماراتية هي الأقوى، التي لا يصح الاستهانة بها، خاصة في ظل تسخير كافة جهود الإمارات الديبلوماسية لخدمة القضية الفلسطينية، وإحلال سلام شامل بالشرق الأوسط.

ولذلك اتبعت الإمارات موقفًا جديدًا، بعد فشل الخطابات الشعبوية تجاه القضية الفلسطينية، التي عجزت عن إيجاد حلول  حاسمة، فاتجهت بديبلوماسيتها إلى مخاطبة الجمهور الإسرائيلي من قلب الولايات المتحدة الأمريكية، الداعم الأول لقرارات الكنيست، لتعلن موقفًا صريحًا برفض السياسيات، التي اعتبرتها لا تشكل سوى مزيدًا من التراجع، والتلاعب، بمستقبل الشعب الفلسطيني.

لم تقف دولة الإمارات مكتوفة الأيدي تجاه توسع نتنياهو في نطاق احتلال الأراضي الفلسطينية العربية، فعكفت على توظيف شبكة علاقتها الديبلوماسية في التفاوض مع المجالس الأممية، والمحافل الدولية، لتعطيل ووقف ذاك الاغتصاب العلني، بما لايضر بإحلال السلام في الشرق، لتسير في دربين، أولهما ضمان سلامة الشعب الفلسطيني ومستقبل دولته، وثانيهما إحلال السلام وتحجيم التوسع الاستطياني.

وتتمتع السياسة الإماراتية بفن الإمكان والمرونة، في التعامل مع رغبة إسرائيل بإقامة علاقات مع الدول العربية، بوضعها القضية الفلسطينة مربط الفرس، على كافة الطاولات، مشترطة ألا تتعارض العلاقات العربية الإسرائيلية مع مصالح الشعب الفلسطيني، وانتهاء سياسة الهيمنة الصهيونية، وإقرار حقوق الدولة الفلسطينية في ميثاق عالمي، يعترف بسيادتها وحدودها وحقوقها.
 
فدولة الإمارات - بلاد زايد الخير - كانت وستظل إلى أمد الدهر حريصة على استقرار وأمن المنطقة العربية، وتحويلها لنقطة ريادة عالمية، تتمتع بالقوى والنفوذ الاقتصادي والتجاري والسياسي في العالم، بسياسات التآخي والترابط، بكل بلدان المنطقة من مشارقها إلى مغاربها.

للتواصل مع الكاتب أرسل إيميل إلى [email protected]