"مبادرة من رحم العزل".. رحلة ممرضة مع كورونا من التعافي لإنقاذ المصابين بسيارات "البلازما"

تقارير وحوارات

رسوم: عمرو عبدالعاطي
رسوم: عمرو عبدالعاطي


اِغتنمَت إفراج بكري، فترة الإجازة من عملها بإحدى المستشفيات الحكومية ببني سويف، بعد تعافيها من فيروس كورونا المُستجد (كوفيد-19)، للبحث عن مكان للتبرع ببلازما الدم؛ لعلاج الحالات الحرجة، ولكن مُنِيَت جهودُها بالفشل، فاغتمَّت، لاسيما مع تزايد أعداد المُصابين، ولكنها اِستعانَت بزملائها في العمل للمساعدة، بعدما طرَأت عليها فِكرة مُماثلة لسحب عينات الدم في السيارات بجميع المحافظات "طالما مفيش إمكانية هنا والسيارات موجودة ممكن يتم التجهيز فيها والنقل يكون في المستشفى.. وفعلا بدأنا نناشد المسؤولين.. وننشط حملاتنا ونوعي المتعافين بأن المريض ليه حق الشفاء وأننا بنكمل بعض.. في اللي استجاب ومنهم اللي خاف وكنا في أول الصفوف ممرضات وأطباء مش ممانعه"، بنسبة تقديرية تصل إلى خمسين في المائة.






عهَنت صاحبة الـ(33 ربيعًا)، في فكرتها، خاصة بعدما رفضت أسرتها سفرها إلى إحدى المراكز المخصصة لنقل البلازما بالقاهرة "عانوا معايا كتير في رحلة مرضي.. 50 يوم ما شفتش أهلي ولا ولادي.. ولسه بدفع الضريبة بعد ما المجتمع رفضني وسطيه وبقيت بدارى منهم وأخبي أن بشتغل في مستشفى الصدر"، وبرغم ذلك اِستعجلت العودة لعملها، في أعقاب شهر بعد عزلها أسبوعين بالمنزل، رغبة لعائلاتها، التي عزَمت على عدم رجوعها، وإمداد إجازتها لشهر آخر، لتواجه رحلة جديدة من المصاعب، لينتشلها رفض إدارة المستشفى "فرحت حقيقي.. رسالتي ومش هتراجع عنها"، ترددها مطمطة في كلامها، وكأن قلبها مثقلاً بكل هموم المرضى.






يتلبّس الخوف من أول ممرضة، أصيبت في صفوف فريق التمريض، بفيروس كورونا بالمحافظة التي لقبت بـ"لؤلؤة الصعيد"، يوميًا مع عودتها إلى منزلها- من أن تعرض أسرتها للخطر برغم الإجراءات الوقائية التي تتبعها-، لصعوبة توفير سكن خاص بطاقم التمريض، عقب زيادة أعداد الحالات المُصابة "زيادة الأعداد جعلت السكن لعزل المرضى"، غضَّ صوتها، وتنغمت بكلام خفي "المستشفى هتعمل ايه.. لازم توفر مكان أمن للمريض.. واحنا هنتحمل وناخد بالنا.. ولازم نشيل بعض علشان نعدي بسلام من الأزمة"، مُناشدة المواطنين باتخاذ الإجراءات الوقائية، والحرص على التباعد الإجتماعي. لا يجِف لها ريق في النصح والارشاد "خايفين عليكم والمستشفيات اتملت".






حظِيت الممرضة، التي تطوعت للعمل في آخر شهر مارس المُنصرم، بعد إصابتها بأسبوعين من بدء عملها، برعاية صحية كبيرة، معللة ذلك بأن أعداد الإصابات كانت بسيطة مُقارنة بالوقت الحالي، "للأسف الاعداد بتزيد وده أثر على علاج الجميع بما فيهم الطقم الطبي". اِشتد حنقها مستذكرة رحلة علاجها في مستشفي العزل بمدينة ملوي التابعة لمحافظة المنيا، والتي استمرت 17 يومًا، ما برحت ترى هذه الأيام الثقيلة، وتتوقها لأولادها "الاهم لاقيت اللي يعالجني وما هربش مني"، وتحدثت دون مُواربة، عن عزلها عشرة أيام في المستشفى المجهزة بجميع الأجهزة والأدوية لاستقبال المُصابين "نقلت الساعة 2 بالليل بعد ما بلغني مدير المستشفى الدكتور إبرام ماجد، أني مصابة بعد طبعا محاولات من التمهيد والتأهيل النفسي لأن كنت أنا والمشرفة بتاعتي أول الناس وكان شىء جديد علينا.. وتعاملت مع الموقف برحب".






وخلال انعطافها إلى المستشفى، قابلت بعض الحالات المتعافين، التي كانت تشرف على علاجهم، عند بوابة المستشفى "اتفاجأوا بوجودي بس دعولي وكانوا دعم ليه رغم تباعد المسافة، بس حاسيت بقيمة تطوعي"، ما بَهت وهجها وعادت إلى حديثها، وانطلق لسانها "اللي سهل عليه 10 أيام العزل بالمستشفى الممرضين.. مش بس على المستوى الصحي ولكن الإنساني.. في منهم ادوني أرقام أهاليهم بره علشان لو احتاجت فلوس أو أي حاجة"، صمتت لبرهةٍ، ثم استكملت حديثها، موضحة أن هذه الأيام كانت الأصعب ومرت بسلام، ثم انتقلت لرحلة عزل أخرى امتدت لأسبوع في المدينة الجامعية بالمحافظة-وفق البروتوكول العلاجي الذى أعدته اللجنة العلمية بوزارة الصحة والسكان، بتحويل الحالات تحويل الحالات المستقرة إلى المدن الجامعية-، "أزمتها كانت الحمامات المشتركة".






ثلاثة أشهر، وسبعة عشر يومًا، ظلت الأم بعيدة عن أطفالها، فقط تتواصل معاهم هاتفيًا، ولكن "بنتي الكبيرة كان مختلط عليها الأمر وعايشة في رعب لما عرفت من الناس.. وبدأت اطمنها وأفهمها اني بالمجال.. حتى وصلت أنها بقت هي اللي تدعمني وتطمن إخواتها اللي في الحضانة"، لتنهي رحلتها برحلة عزل أخرى في منزل والدها المتوفي، والمكوث داخل غرفة لمدة أسبوعين، كانت تتلقى خلالهم احتياجتها من قبل زوجة شقيقها-الذي يسكن في الطابق العلوي-، "كانت بتحطلي الأكل في الصالة في أطباق فوم.. ومعايا علاجي"، وبعد الاطمئنان على حالتها وسلبية التحليل، عاشت الممرضة رحلة عذاب المجتمع، كما أطلقت عليها، أوْصلتها لحالة نفسية سيئة، تغلبت عليها بمواصلة رسالتها" الكورونا فادتني أكتر ما ضرتني.. كفاية أن المجال الطبي رجعت له قيمته".