زين العابدين خيري يكتب: عفريت حسن حسني أكبر من المصباح

مقالات الرأي

زين العابدين خيري
زين العابدين خيري


كثيرون في تاريخ مصر امتلكوا ناصية التمثيل؛ فقدموا كل أنواع الأدوار بحرفية شديدة، ولم يستطع أحد أن يحبس موهبتهم في مصباح بعينه، تراجيديا كان أو كوميديا، شريرا كان أو طيبا، بل حطموا كل المصابيح مطلقين العنان لعفاريتهم ليتجولوا كيفما شاءوا بين المصابيح السحرية المختلفة أنواعها، ومن هؤلاء الذين أغوتهم مصابيح التمثيل كلها فحام حولها باحترافية دون أن يحترق منها، واحترفها حتى صار أحد ملوك الجان بها، الممثل القدير حسن حسني.

لفت حسن حسني الأنظار إليه بصفة عامة ولفت نظري شخصيا بصفة خاصة وأنا بعد طفل صغير من خلال دوره في المسلسل الشهير "أبنائي الأعزاء شكرا" (1979)، ولكن كان ذلك بطريقة سلبية جدا، حيث أوقعني في كراهيته من المشهد الأول له وهو يمارس ألاعيبه الشريرة ضد بطل المسلسل الطيب جدا "بابا عبده" أو الممثل الكبير عبد المنعم مدبولي، حيث كان يقوم بدور فتحي سكرتير الشركة الفاسد المرتشي المنوط به إثبات أن هذا الموظف القديم عفا عليه الزمن ويجب إنهاء مشواره الوظيفي فورا.

ولكن هل كان مسلسل "أبنائي الأعزاء شكرا" هو البداية فعلا بالنسبة لحسن حسني؟ الحقيقة أن الممثل القدير المولود في حي القلعة (15 أكتوبر 1931) لأب مقاول وأم وافتها المنية وهو في السادسة من عمره، كان قد عرف المعاناة لسنين طويلة في مجال التمثيل الذي عشقه منذ طفولته قبل ظهوره في هذا المسلسل، ولكنه لن يتم تعويضه عن هذه المعاناة إلا بعد سنوات طويلة سيمر خلالها بالكثير من المحطات المهمة، حتى يتغير حظه أخيرا بعد أن يتجاوز الستين من عمره ليصبح ابن الحلمية الجديدة "فاسوخة" السينما أو "أيقونة الحظ" والعنصر المشترك الأكبر في أفلام السينما الناجحة منذ تسعينات القرن العشرين.

البداية المفاجئة
أثناء بحثي في مشوار العم حسن حسني فوجئت بأن ظهوره الأول على شاشة السينما كان في العام 1963 بعد 7 سنوات فقط من حصوله على شهادة التوجيهية، وبعد قليل من التحاقه بفرقة المسرح العسكري التي كانت تابعة للجيش والتي زامله فيها الممثل القدير الراحل حسن عابدين، وقبلها كان حسن حسني قد عرف التألق تلميذا في العديد من الأدوار التي قدمها مع المسرح المدرسي، وكان أبرزها دور "أنطونيو" الذي حصل من خلاله على كأس التفوق بمدرسة الخديوية، وهو الذي اعتاد الحصول على ميداليات التقدير من وزارة التربية والتعليم، قبل أن يلفت نظر الفنان القدير حسين رياض لموهبته أثناء مشاركته في إحدى لجان التقييم الخاصة بمسابقات التمثيل في المدارس، وفي تلك اللحظة فقط أدرك الطالب حسن حسني أنه لن يكون أي شيء آخر إلا ممثلا محترفا.

في العام 1963 وبعد قليل من التحاقه بفرقة المسرح العسكري اختار المخرج الكبير هنري بركات حسن حسني كواحد من الوجوه الجديدة التي أخذت فرصتها الأولى في فيلم "الباب المفتوح"، صحيح أن الدور الذي حصل عليه حسن حسني لم يكن إلا ثوان قليلة على الشاشة كأحد الفدائيين المعتقلين من زملاء اثنين من أبطال الفيلم وهم صالح سليم ومحمود الحديني، ولكنها تظل مشاركة مهمة باعتبارها الأولى على شاشة السينما التي سيكون حسن حسني وبعدها بسنوات طويلة أحد أبرز نجومها، بما يزيد على 165 فيلما، تجعله من بين أغزر ممثلي مصر إنتاجا سينمائيا.

مشاركات حسن حسني السينمائية ستستمر قليلة جدا لسنوات ولمشاهد محدودة في أفلام قليلة مثل "لا وقت للحب" (1963)، والنصف الآخر (1967)، حتى يزيد عدد هذه المشاهد وتتحول إلى أدوار صغيرة كدور رئيس العمال في فيلم "حب وكبرياء" مع المخرج الكبير حسن الإمام، والأبطال محمود ياسين ونجلاء فتحي وشهيرة، ثم دور جارسون المقهى في فيلم "الكرنك" للمخرج علي بدرخان مع سعاد حسني ونور الشريف وكمال الشناوي وبقية أبطال الفيلم.

التألق
جاءت بعد ذلك فترة الثمانينات لتشهد البداية الحقيقية لحسن حسني بأدوار أكثر تميزا وخصوصا مع مخرجي موجة الواقعية الجديدة في السينما، بدأت بفيلم "سواق الأتوبيس" (1982) مع المخرج عاطف الطيب والأبطال نور الشريف وميرفت أمين وعماد حمدي، ثم تلاه أربعة أفلام أخرى مع عاطف الطيب قدم فيها أدوارا متنوعة وكلها مهمة جدا وهي: "البريء" (1986)، "البدرون" (1987)، "الهروب" (1991) و"دماء على الأسفلت" (1992)، وفي تلك الفترة قدم أيضا فيلم "زوجة رجل مهم" (1987) مع محمد خان، الذي سيقدم معه بعد ذلك واحدا من أبرز أدواره في تلك المرحلة وهو دور عبد العظيم القرنفلي في فيلم "فارس المدينة" (1993)، وهو الدور الذي فاز عنه حسن بجائزة أحسن ممثل في مهرجان الإسكندرية السينمائي، وأحسن ممثل في المهرجان القومي للسينما في العام نفسه 1993، ليتم التعامل أخيرا مع موهبة حسن حسني بما يليق بها وإن كان ذلك بعد أن تخطى الستين من عمره.

بعد عامين تقريبا من تألق حسن حسني في "فارس المدينة"، كان على موعد جديد من التألق في دور "ركبة" في فيلم "سارق الفرح" (1995) للمخرج داود عبد السيد، وهو مخرج آخر من فرسان الواقعية الجديدة، وهو الدور الذي فاز عنه حسني بخمسة جوائز تمثيل تقديرا لأدائه المبهر فيه.

تميمة الحظ
في تلك الفترة من بداية التسعينات كان متوسط عدد الأفلام التي يشارك فيها حسن حسني 4 أفلام سنويا، حيث شارك بالتحديد في 36 فيلما في تسع سنوات بداية من العام 1991 وحتى العام 1999 وهو العام الذي شارك فيه في بطولة فيلم "عبود على الحدود" مع المخرج شريف عرفة، كأول فيلم له مع مجموعة الممثلين الكوميديين التي أُطلق عليها لقب "المضحكون الجدد" وضمت الراحل علاء ولي الدين مع محمد هنيدي وأشرف عبد الباقي وهاني رمزي، ولحق بهم محمد سعد وأحمد حلمي. لذا ليس حقيقيا أن مشاركته في أفلام هؤلاء النجوم كانت السبب في تحقيقه فترة انتشار متأخرة بعد الستين، وإنما كان السبب الحقيقي في انتشاره سينمائيا في تلك الفترة هي نجاحه مع مجموعة مخرجي الواقعية الجديدة وخصوصا مع عاطف الطيب ومحمد خان وداود عبد السيد منذ الثمانينات واستمرار ذلك في التسعينات، ولكن مرحلة المضحكين الجدد تسببت في ارتفاع عدد الأفلام التي يشارك فيها حسن حسني بنسبة 50% تقريبا ليصل عدد أفلامه مع نهاية السنوات العشر الأولى من الألفية الجديدة إلى حوالي 60 فيلما، أي أن متوسط عدد أفلامه زاد إلى حوالي 6 أفلام في السنة، ولو قارناه برقم 4 أفلام في السنة فلن يكون الفارق كبيرا، ولكن الفارق الحقيقي كان في نوعية الأدوار التي صار يقدمها؛ فقد أصبحت كوميدية بالضرورة في أغلبها لتتناسب مع نوعية الأفلام التي صارت تحتكره وأغلبها كوميدي، على العكس من أفلام الفترة السابقة التي كانت تتنوع بشكل كبير بين كافة أنواع الأدوار، وربما زادت مساحة الأدوار التي أصبح يقدمها مع المضحكين الجدد ولكن في مقابل قلة جودتها بالمقارنة مع أدوار المرحلة السابقة التي كانت قد وصلت إلى قمة نضجها في أفلام مثل "فارس المدينة" و"دماء على الأسفلت و"سارق الفرح".

أما الملحوظة الأهم في أفلام مرحلة المضحكين الجدد فهي أنهم اعتبروا وجود حسن حسني في أفلامهم بمثابة تميمة حظ أو "فاسوخة" تلك الأفلام حيث كانوا يتفاءلون بوجوده لضمان نجاح أفلامهم.

ومن وقتها استمر التفاؤل بوجود حسن حسني في أغلب الأفلام الكوميدية التي تصدر حتى عامنا الحالي 2018، ومع نجوم غير المضحكين الجدد الذين ظهر من هم أجدد منهم، بداية من كريم عبد العزيز وأحمد رزق وسامح حسين وحمادة هلال وأحمد عيد مرورا برامز جلال ومي عز الدين وأحمد مكي وصولا إلى محمد إمام الذي شاركه حسني بطولة فيلميه "كابتن مصر" و"جحيم في الهند".