محمد مسعود يكتب: من وزيرة الصحة للأطباء المستقيلين إلى شعب تهاون بالفيروس وعيكم مشكور

مقالات الرأي




الإخوان حاولوا إشعال الفتنة بين الوزيرة والأطباء.. والرئيس يتدخل فى اللحظات الحرجة لحل الأزمة 

المصريون تعاملوا مع الوباء بمنتهى الاستخفاف.. وشبح «التجربة الإيطالية» يلوح فى الأفق 

مدبولى يدير ملف كورونا بهدوء وحكمة.. والطبيب كالجندى إذا انسحب من المعركة فهو خائن 

مصر لن تنسى وقفة «جيشها الأبيض».. والتاريخ سيفضح جميع المتآمرين

منذ وقت ليس بعيدا، أطلقنا على أطباء مصر «الجيش الأبيض»، كونهم يخوضون حربا شرسة ضد فيروس كورونا، الذى ضرب العالم فى سويداء قلبه، وباتت كل الدول تعانى من تفشى الوباء وسقوط الضحايا بالمئات يوميا. وأمام هذا المارد القوى، وقف أطباء مصر - فى بسالة لم تكن غريبة أبدا على المصريين - صفا واحدا، وصنعوا ما هو أشبه بحائط الصد الذى يمنع المرور، ويواجه المخاطر بمفرده.

فى ذلك الوقت كانت الأعداد بسيطة لم نكن تخطينا الألف حالة، وهو ما قابله المصريون بالاستخفاف الشديد بالفيروس الذى هز العالم وأبكى الشعوب.

وصمد الأطباء أمام الزيادة المفزعة فى عدد الحالات التى وصلت إلى 18 ألف حالة وقت كتابة هذه السطور، وسخّرت الدولة كل إمكانياتها لمواجهة المخاطر المحتملة، بمستشفيات العزل، والإجراءات الاحترازية، وحظر التجوال، وأدار الدكتور مصطفى مدبولى الملف بهدوء وحكمة واقتدار.

لكن.. الأعداد الكبيرة، ووعى المصريين الذى راهنت عليه الحكومة، خذلاها تماما، وأثقل الوعى الزائف الملف لدرجة أن وزيرة الصحة تاهت فى أزمتها مع الأطباء، ولولا تدخل الرئيس عبد الفتاح السيسى بإجراءات عاجلة، ما كانت الأزمة ستحل.

الدكتورة هالة زايد وزيرة الصحة، ورغم الإشادات الكبيرة التى حصلت عليها فى بداية الفيروس، ووصفها بالفدائية عندما سافرت إلى الصين ثم إلى إيطاليا فى عز تفشى الفيروس، لكنها أدارت أزمتها مع الأطباء بشكل خاطئ تماما.

الأزمة التى بدأت بوفاة أربعة أطباء، منهم وليد يحيى الذى توفى فى عمر الـ32 عاما، توفى لعدم وجود رعاية مركزة وجهاز تنفس صناعى، وأشعل الإخوان الأزمة بعدما دخلت الفنانة رجاء الجداوى مستشفى للعزل وتوفير رعاية لها إن احتاجت، وتابعت وزيرة الصحة شخصيا حالتها، وهنا لعبت الأصابع الخفية لدق الأسفين بين وزيرة الصحة والأطباء الذى أعلن بعضا منهم استقالته.

والمؤكد أن من استقال لا يسعنا إلا تشبيهه بالجندى الذى ترك سلاحه فارا من المعركة فى وقت الحرب، فمصر انتصرت على إسرائيل سنة 1973 رغم تفاوت الأسلحة المتقدمة التى كانت تمتلكها تل أبيب، لم نسمع عن جندى فر من المعركة لأن أسلحته قديمة، ولم نسمع عن من تأفف من قرار الحرب لتفاوت المستوى العسكرى وقتذاك، بل جميعهم أصروا على الحرب والتضحية بأعمارهم لتنجو مصر من ذل الهزيمة، والتخلص من عارها نهائيا.

والمؤكد أن السطور السابقة، غير موجهة لجميع أطباء مصر، كوننا لم نزل نثق فيهم ثقة عمياء، فكل منهم يعمل وفقا لإيمانه بمهنته، وشرف القسم الذى أقسم به، لكننا نوجهها لمن فر من المعركة ونسى القسم والشرف الذى نود أن نذكره به: (أقسم بالله العظيم أن أراقب الله فى مهنتى، وأن أصون حياة الإنسان فى كافة أدوارها، فى كل الظروف والأحوال، باذلا وسعى فى إنقاذها من الموت والمرض والألم والقلق، وأن أحفظ للناس كرامتهم، وأستر عوراتهم، وأكتم سرهم، وأن أكون على الدوام من وسائل رحمة الله، باذلا رعايتى الطبية للقريب والبعيد، الصالح والطالح، والصديق والعدو، وأن أثابر على طلب العلم، وأسخره لنفع الإنسان لا لإذاه، وأن أوقر من علمنى، وأعلم من يصغرنى، وأكون أخا لكل زميل فى مهنة الطب فى نطاق البر والتقوى.

وأن تكون حياتى مصداق ايمانى فى سرى وعلانيتى، نقيا مما يشيننى أمام الله ورسوله والمؤمنين والله على ما أقول شهيد ).

المؤكد، أن مصر وشعبها لن ينسوا تضحيات جنودها البواسل من الأطباء «الجيش الأبيض»، والمؤكد أيضا أن الأيام كفيلة بكشف الأصابع الخفية التى أثارت الأطباء ودقت بين الوزيرة وبينهم الأسافين.

والحقيقة أن أزمة كتلك، لم تكن لتفوتها جماعة الإخوان والمرتزقة فى قطر وتركيا، خاصة بعد الصفعة الشديدة التى زلزلت الجماعة، وكانت عبارة عن عمل فنى بديع هو مسلسل «الاختيار» أنتجته شركة سينرجى.

حاولت جماعة الإخوان أن تستفيق من الصفعة التى أفقدتها توازنها مرة بظهور الكومبارس محمد على أراجوز الجماعة، ومرة عن طريق دق الأسافين وإشعال الفتنة وحث الأطباء على الاستقالة، حتى تنكشف خطوط مصر أمام المرض، لينهش فى أهلها، فالجماعة ليس لديها ولاء لمصر، بل ولاؤها الأول والأخير كان لمكتب الإرشاد، ولعل حديث المرشد السابق مهدى عاكف وتصريحه «طز فى مصر وأبو مصر» خير دليل على ذلك.

وحاولت الجماعة اللعوب، دق إسفين جديد بين الأطباء وبين الشعب المصرى، فمن ناحية يحثون الأطباء على الاستقالة، ومن ناحية أخرى تعمل لجانهم الإلكترونية على سباب الأطباء بأفظع الألفاظ وتصويرهم بالخونة الذين يرفضون المشاركة فى علاج شعبهم.

وزيرة الصحة لم تفطن لخطة الإخوان وألاعيبهم القذرة، لكن من فطن لها كان الرئيس عبد الفتاح السيسى الذى اتخذ على الفور قرارا بتخصيص 20% من مستشفيات العزل للأطباء المصابين، والتحقيق فى وفاة الطبيب.

كل هذه الأزمة سببها «وعى» أو قل عدم وعى المصريين، الذين لم يتورعوا فى النزول والتواجد فى الأماكن المزدحمة للغاية، وإقامة الأفراح، والمآتم، والتسوق من العتبة والموسكى وحتى ميدان الجامع فى مصر الجديدة، لم نتعامل مع الكارثة بحذر ولم نعط للفيروس وخطورته حق قدره.. وبات شبح التجربة الإيطالية يلوح فى الأفق.

فما يحدث فى مصر، حدث قبل أسابيع قليلة فى إيطاليا التى أبكت العالم، جراء الأعداد الكبيرة فى حالات الوفاة التى وصلت لنحو 33 ألف حالة، دفع الشعب الإيطالى ثمن الاستهتار من حياتهم، ونحن المصريين لم نع الدرس ووقعنا فى نفس الفخ الذى وقعت فيه إيطاليا.