تحالف الإخوان والصهاينة ضد أم كلثوم

العدد الأسبوعي

بوابة الفجر


يهودى مصرى وطنى وقع فى خطأ فادح عن بداية ثومة

المؤامرة شملت فن ودين وشرف كوكب الشرق

رمى المعلومات فى كتب يهود عرب

كان الرئيس الراحل يقف فى المؤتمر الصحفى بوجه ممتقع شاحبا وكأنه تمثال، لم يستطع حتى الرد على ضيفه مناحم بيجين وهو يكذب بكل وقاحة ويقول لصحافة العالم إن أجداده بنوا الأهرامات.كان المؤتمر فى فندق مينا هاوس على بُعد خطوات من الأهرامات، ترك السادات رئيس الوزراء الإسرائيلى يدعى من قلب مصر أكذوبة.أكذوبة حاولت إسرائيل زرعها بأنهم بنوا الأهرامات؟ لم ولن تكتفى بسرقة الأرض بل حاولوا دوما سرقة التاريخ.الأهرامات وهرم الغناء العربى أم كلثوم، كل فترة تظهر أكاذيب جديدة تربط سيدة الغناء العربى أم كلثوم باليهود، بداية انطلاقها العربى، بل وصلت البجاحة إلى ادعاء زواج سرى بين أم كلثوم وملحن يهودى.

حتى لقبها ادعوا أنه يهودى..لا شىء يمكن أن يوقف محاولتهم لسرقة تاريخ درة الغناء العربى.

المثير أن هذه الرغبة تلاقت مع رغبة قوى أخرى لا تقل ضراوة ودناءة عنها. رغبة مدعى الإسلام من الإخوان إلى السلفية المصرية والإقليمية لتشويه أم كلثوم رمز الفن الراقى. مع أم كلثوم يصعب تمرير أن الفن حرام، لابد لكى تسهل المهمة عليهم أن تصبح أم كلثوم نفسها حرام. فكل ربط أو بالأحرى ادعاء بوجود نسبة من اليهودية فى مشروع أم كلثوم يقرب المتأسمين من هدفهم.

أم كلثوم ليست رمزا للفن الراقى فقط، ولكنها رمز للعروبة وللنضال ضد الاحتلال الإسرائيلى للأراضى العربية، هى سفير الفن العربى للعالم لجمع التبرعات للمجهود الحربى فى كل من أزمتى العدوان الثلاثى وهزيمة يونيو. إنها الصوت الذى غطى على صوت هزيمة يونيو من قلب باريس، وفى عز الدعاية اليهودية والإسرائيلية بعد حرب 67.

إذن الهدف للنيل من أم كلثوم مزدوج إنها رمز وإنجاز مصرى يجب سرقته، ونموذج للنضال يجب أن ينتهى.كانت أم كلثوم على قائمة الاغتيالات الإسرائيلية لدورها الفعال فى تطويع الغناء للهدف الوطنى.

1- الطيب والشرير

قبل ظهور الصهيونية والتى نجحت بالوصول لوعد بلفور بإنشاء وطن لليهود فى فلسطين، قبل ذلك الانتصار للصهيونية لم يكن المصريون يفرقون بين اليهودى والمسلم والقبطى، وكان اليهود منتشرين فى الفن والتجارة، منهم الفقراء فى حارة اليهود والأحياء الشعبية، ومنهم الأثرياء الذين يعيشون حياة الترف على النمط الغربى مع أثرياء المسلمين والأقباط، ولذلك لم يتوقف أحد أن هناك ممثلات وملحنين ومتعهدى حفلات وأصحاب شركات اسطوانات من اليهود، ولذلك لم ينشغل أحد فى ذلك الوقت بمعرفة ماذا قدم اليهود لأم كلثوم، وبالمثل لم يتحدث أحد عن دور للأقباط فى صعود أم كلثوم أو غيرها من النجمات.

وحتى بعد قيام الصهيونية العالمية وبعد وعد بلفور ظل هناك نوعان من اليهود، يهودى طيب لا يؤمن بالصهيونية ولا يوافق على اغتصاب أرض الآخرين، وهؤلاء موجودون حتى الآن، وهناك يهود آمنوا بالصهيونية وبالدولة الإسرائيلية، ومن المثير أن بعض اليهود الطيبين ساهموا دون قصد فى تحقيق أهداف إسرائيل فى تشويه أم كلثوم وتحقيق الهدف الإسرائيلى بأن أم كلثوم صناعة يهودية، وأن اليهود أصحاب الفضل الأول فى تقديم أم كلثوم للفن.البعض فعل ذلك بقصد أن اليهود لم يكونوا مضطهدين فى مصر أو فى الدول العربية الأخرى، والبعض فعل ذلك فى إطار تأريخ أو تأصيل للفن أو التلحين العربى، ولذلك لا تستغرب إذا وجدت بعضاً من هذا النوع من المعلومات المغلوطة فى كتب مؤرخين للفن من يهود المغرب بقصد أو من خلال الاعتماد على مصادر غير دقيقة، ولا تندهش أيضا لو وجدت أن الإخوان يكررون هذه الشائعات لتشويه أم كلثوم فالهدف واحد، والكذب مبرر من أجل خدمة الهدف، ففى الوقت الذى وقع فيه بعض اليهود العرب الطيبين فى خطيئة تحقيق الهدف الإسرائيلى، فإن الإخوان والسلفيين فعلوا ذلك عن سبق إصرار وترصد جيلاً بعد جيل.

2- اليهودى المصرى

من اليهود الطيبين اليهودى المصرى الوطنى يوسف درويش، يوسف تاريخ طويل من الوطنية، رفض يوسف الصهيونية والعيش فى بلد غير بلده مصر، بالفعل مات يوسف على أرض مصر ضمن عدد قليل من اليهود المصريين الذين رفضوا مغادرة بلدهم، ولكن يوسف درويش لم يكتف بالرفض، ولكنه كان من أوائل وأهم المناهضين للفكرة الصهيونية، قاد يوسف درويش مظاهرات ووزع منشورات، ومن المؤسف أن معظم الشباب بل المصريين لا يعرفون عن هذا الوطنى الجليل سوى أنه جد الممثلة (بسمة)، فقد تزوجت ابنته نولا درويش من مصرى مسلم وأنجبا بسمة، ولا يمكن أن أوفى يوسف درويش حقه فى كلمات قليلة أو حتى مقال واحد، قبل وفاته بسنوات قام يوسف درويش بترجمة كتاب (تاريخ يهود النيل) لمؤلفه جاك حاسون، وكان من البديهى أن يكتب يوسف درويش مقدمة للكتاب، وكانت المقدمة وطنية كصاحبها، وتمتلئ بروح التسامح ورفض التفرقة على أساس دينى.بالعموم لم تختلف المقدمة بكلماتها ومعانيها عن كل ما آمن به الرجل المصرى الوطنى من قيم.

ولكن هذا اليهودى الوطنى وقع فى خطأ كبير، خطأ يخدم مع شديد الأسف الأهداف الصهيونية فى ادعائها ضد أم كلثوم. فى المقدمة قال يوسف درويش إن أول من اكتشف أم كلثوم هى العائلة اليهودية (ليتو باروخ)، ويكمل درويش أن أم كلثوم كانت تعمل فى طفولتها فى أراضى عزبة العائلة، وسمعها أحد أفرادها وهى تغنى بصوتها الجميل، فجاءوا بها إلى القاهرة وقدموها إلى شركة إديون لتسجيل وبيع الاسطوانات.

3- الحقيقة والأكذوبة

وانتهت الفقرة أو بالأحرى الطعنة فى كلام يوسف درويش، وفيما بعد ستكبر الأكذوبة وتتحول فى صفحات مجهولة على وسائل التواصل الاجتماعى أن هذه العائلة كانت تنفق على أم كلثوم وتشترى لها الفساتين. المثير أن ما قاله اليهودى الوطنى درويش لم يلفت نظر من قرأوا الكتاب أو بالأحرى المقدمة.لم يبد أحد اندهاشه من هذه المعلومات المكذوبة تماما، ففى كل كتب السيرة الذاتية لأم كلثوم بما فى ذلك المذكرات التى نشرتها أم كلثوم فى حياتها بالصحف المصرية لا يوجد أى وجود أو إشارة لدور أو معرفة بين أم كلثوم وهذه العائلة. من أجل تحقيق هذه المعلومة راجعت كل الكتب الخاصة بأم كلثوم.كتاب الكاتب الكبير الراحل محمود عوض (أم كلثوم التى لا يعرفها أحد) والتى تناول حوارات بين المؤلف وثومة، وتناول الكتاب بدايات أم كلثوم. كتاب السيرة الذاتية للدكتورة رتيبة الحنفى، كتابات المؤرخ كمال النجمى عن أم كلثوم. مذكرات ثومة التى قدمها ابن شقيقتها للكاتب صلاح منتصر. كل هذه الكتب والروايات تتفق على رواية وحيدة وحقيقة. أم كلثوم كانت تنشد مع والدها وأخوها فى القرى والمدن المجاورة، حتى التقت الأسرة بالشيخ أبو العلا وسمعها الرجل، فنصح والداها بالذهاب إلى القاهرة، وهو أول من ساعد أم كلثوم وأخذ بيدها فى القاهرة.

مرة ثالثة وعاشرة لست ضد اليهود الطيبين، ولكل اليهود من النوع الثانى أم كلثوم لن يقدمها يهودى. هذه هى الحقيقة التاريخية.

والحلقة المقبلة أسرار جديدة وتورط الإخوان فى الدعاية الصهيونية.