عواصم مصر.. أبيدوس العرابة المدفونة ومقر حج المصريين القدماء (الحلقة الرابعة)

أخبار مصر

بوابة الفجر


تعد الحضارة المصرية من أقدم حضارات العالم، وعرفت الحياة المنظمة اجتماعيًا وسياسيًا مبكرًا للغاية، منذ ما يقرب من 6000 عام، وقد يزيد، ولا زالت الاكتشافات تُظهر لنا المبهر فيما يتعلق بالحياة التنظيمية في مصر، وتعتبر العاصمة علامة اكتمال ونمو النظام السياسي، وعبر سلسلة من الموضوعات يحدثنا الدكتور حسين عبدالبصير، مدير عام متحف آثار مكتبة الإسكندرية، في الحلقة الرابعة عن عاصمة من عواصم مصر وهي أبيدوس أحد أشهر العواصم الدينية في مصر.

عاصمة مصر الدينية
قال عبد البصير في تصريحات إلى الفجر، إن أبيدوس تُعد أهم البقع الدينية في مصر القديمة، فهي المركز الرئيسي لعبادة الإله أوزيريس، وأبيدوس هو الاسم اليوناني لتلك المنطقة التي عُرفت في مصر القديمة باسم "أبدجو"، وعرفت في المرحلة القبطية بـ "إبوت"، وتعرف الآن بـ "العرابة المدفونة" وقع بالقرب من البلينا، بمحافظة سوهاج.

أبيدوس في عصر الأسرات الأولى والثانية
وتابع عبد البصير ترجع أقدم آثار أبيدوس إلى حضارة نقادة الأولى "عصور ما قبل التاريخ"، وقد اتصلت أبيدوس قديمًا بنهر النيل عن طريق قناة مائية صغيرة. 

وفي بداية الأسرات المصرية، أصبحت أهم مكان للدفن في مصر، وملوك الأسرتين الأولى والثانية مقابرهم بها، ومعبد معبودها المعبود المحلي "خنتي إمنتيو" "إمام الغربيين" وهم الموتى، اصبح مركزًا دينيًا هامًا. 

عصر الأسرات الخامسة والسادسة
وأضاف عبد البصير، في تلك الفترة اتحد "خنتي إمنتيو" "إمام الغربيين"، مع أوزيريس، وأخذ الأخير كثير من صفات الأول، حتى أصبح أوزيريس مقدمًا عليه، وصار اسمه "أوزيريس خنتي إمنتيو". 

عصر الدولة الوسطى والحديثة
وتابع عبد البصير، في تلك الفترة، أصبحت أبيدوس المركز الديني الشعبي والرئيسي في مصر القديمة، وطغت شهرتها الدينية، وبدأ الملوك ببناء معابدهم الجنائزية بها، وفي العصر الدولة الحديثة، بنى ملوكها معابدهم الجنائزية الرائعة بها أيضًا مثل معبد الملك سيتي الأول ومعبد ابنه الملك رمسيس الثاني، وعلى الرغم من أن شهرة أبيدوس الدينية امتدت طوال عصور التاريخ المصري القديم إلى وقت دخول المسيحية، إلا أنها لم تكن في يوم ما ذات نفوذ سياسي ولم تصبح عاصمة سياسية لمصر القديمة. 

الإله أوزيريس سيد الأبدية في مصر القديمة
وعن الإله أوزيريس قال عبد البصير، إنه أهم وأشهر ورأس مجمع الآلهة المصرية القديمة، وظهرت عبادته منذ الأسرة الخامسة وذُكر اسمه في "متون الأهرام" الخاصة بالملك "ونيس" آخر ملوكها، وذُكر بمقابر أشرافها، واعتبره المصريون إلهًا خالصًا له القدرة على الخلق والإبداع والابتكار وتم تمثيله كرب للعالم الآخر وسيد للموتى ومن ثم الأبدية. 

وأضاف برغم من اعتقادهم أن كل المعبودات عرضة للموتى فيما عدا أوزيريس، فقد تعرض أوزيريس لمحاولة غدر وخيانة من قبل أخيه الشرير "ست" الذي قتله ووزع أجزاء جسده عبر الأرض المصرية، ونجحت أخته وزوجته الوفية إيزيس في تجميع أجزاء جسده وإعادته للحياة مرة أخرى، وفقًا للأسطورة الأوزيرية.
مكان عبادة أوزويريس
وعن مكان عبادته قال عبد البصير، إذا حاولنا تحديد مكان عبادة أوزير الأول، يصعب علينا ذلك، لكنه ارتبط بهليوبوليس (عين شمس حاليًا) وجاء ذكره في "متون الأهرام" مع إيزيس وست ونفتيس كواحد من أبناء الرب "جب" (رب الأرض) والربة " نوت " (ربة السماء) وكواحد من الآلهة التسعة (التاسوع) العظيم الخاصة بمدينة عين شمس. 

وأضاف تشير النقوش في هليوبوليس إلى أن أوزيريس تم تصويره مع بقية أفراد التاسوع المقدس، وأهم ارتبط بهما هما أبيدوس وأبو صير، وفي الأخيرة، اتحد مع معبودها القديم وأخذ كثيرًا من صفاته، وفي أبيدوس، اتحد مع معبودها القديم "خنتي إمنتيو "، واتحد كذلك مع ملوك الموتى، وأصبح سيدًا للغرب، وحاكمًا لعالم الموتى، وإمامًا للغربيين أي الموتي الذين كان يتم دفنهم غربي النيل. 

وتم تصوير الإله في هيئة آدمية له شعر مستعار ولحية يخصان المعبودات، وصُور على شكل مومياء ذات أرجل ملتصقة ببعضها إشارة إلى طبيعة الإله الجنائزية وارتباطه بعالم الموتى، وظهر في عصر الدولة الوسطى بالتاج الأبيض فوق رأسه إشارة إلى أصله الصعيدي، وارتدى كذلك فوق رأسة تاج يُعرف بـ "الآتف"، وارتبط الرب أوزيريس بالزراعة والبعث والاخضرار والهناء وإعادة إخصاب التربة المصرية، وكان له الدور الأعظم في محكمة الموتى في العالم الآخر، واتحد مع عدد مع المعبودات الأخرى المهمة في مصر القديمة. 

الحج إلى أبيدوس
وعن الحج إلى أبيدوس قال عبد البصير، بداية من النصف الثاني من الأسرة الثانية عشرة على الأقل، بدأ الحجاج يتوافدون على أبيدوس من جميع أنحاء مصر القديمة كي يشهدوا الاحتفال السنوي بمعبودهم الأكبر أوزيريس. 

وتروي لنا لوحة " إيخرنفرت" أحد كبار الموظفين في عهد الملك سنوسرت الثالث تفاصيل هذا الاحتفال كاملًا وهي محفوظة بمتحف برلين، ومع نهاية الأسرة الثانية عشرة وبداية الأسرة الثالثة عشرة، زادت مساحة الجبانة بشكل كبير وامتدت حوالي "1.5 كم" إلى الجنوب الغربي من قرية كوم السلطان الحالية. 

وتابع، أصبحت أبيدوس المركز الرئيسي لعبادة الرب أوزيريس، وأخذت عملية الحج أثناء الحياة والموت تزداد بشكل كبير، ورغب كثير من المصريين دفنهم بأبيدوس جوار معبودهم الأكبر أوزيريس، سيد الأبدية والعالم الآخر حتى ينعموا برفقته في العالم الآخر أو على الأقل كانوا يتركون أشياءهم التذكارية في هذا المكان المقدس بين معبد أوزيريس ومقبرته. 

وختم عبد البصير كلماته قائلًا، هكذا تطور مقام أوزيريس من مكان بسيط لا يحتوي إلا على لوحات نذرية بسيطة إلى مزار كبير رمزي لا ينقصه سوى وجود مومياء المعبود أوزيريس، وتم إقامة الآثار واللوحات النذرية حول ضريح معبود المصريين الأكبر المعبود أوزيريس أثناء زيارتهم السنوية لأبيدوس كي يشهدوا أو يشاركوا في الاحتفال ببعث وقيام أوزيريس بعد أن يتركوا آثارهم فوق مقبرة الملك "جر" التي اعتبرت مقبرة أوزيريس التي تم دفنه بها. 

للاطلاع على الحلقات الثلاث السابقة من عواصم مصر عبر اللينكات التالية 
الحلقة الأولى (إنب حدج): اضغط هنا
الحلقة الثانية (صان الحجر): اضغط هنا
الحلقة الثالثة (الإسكندرية): اضغط هنا