بطرس دانيال يكتب: الصلاة دواءٌ لكل داء

مقالات الرأي




قال السيد المسيح لتلاميذه: «كلُّ شيءٍ تَطُلبونه وأنتم تُصَلُّون بإيمانٍ تنالونه» (متى 22:21). بالرغم من أن العالم يملك من القوة والمال والعلم؛ إلا أنه عاجزٌ أمام ڤيروس كورونا المستجد الذى أثبت ضعف الإنسان وهشاشته، لذلك يجب علينا أن نعلم جيداً أنه عندما يعجز الإنسان، فالله يبقى الملجأ الوحيد، لأن الله قادرٌ على كل شىء ولا يوجد أمامه مستحيل. كما يجب علينا أن نلجأ للصلاة والدعاء حتى ينجينا الله من هذا الوباء، وهذا ما قام به قداسة البابا فرنسيس عندما دعا شعوب العالم كلّ واحدٍ حسب إيمانه ومعتقداته إلى صلاةٍ مشتركة نرفعها لله القادر على كل شيء يوم الخميس الموافق 14 مايو، طالبين منه أن ينجّينا وينقذنا من هذا الوباء. فالصلاة لها قوة سحرية تفوق قوى العالم. وكما يقول أحد السياسيين الأسبان: «الذين يصلّون يعملون فى سبيل العالم أكثر من الذين يحاربون. وإذا كان العالم يتحوّل من سوءٍ إلى أسوأ، فالسبب الرئيسى أنه توجد معارك أكثر مما تُرفع صلوات». فالصلاة تربطنا بالله وتوحّد فيما بيننا، لأنها حديث الأبناء ولقاء المحبة مع الله الأب الذى يجمعنا معاً برعايته وعطاياه. ولا يوجد أى مبرر نعفى به أنفسنا من الصلاة وتخصيص وقتاً لله، لأنه واجبٌ علينا أن نعطيه من وقتنا كل يوم، فهو الذى يجُود علينا بالحياة كلّها من المهد إلى اللحد. ونتعلّم من نصيحة العَالِم والنابغة «أمبير» الذى قدّم للإنسانية أعظم خدمة باكتشافه التيار الكهربائى والتلغراف؛ وقد لخّص نجاحه فى خطابٍ كتبه لابنه الطالب فى جامعة باريس قائلاً له: «بُنَيّ الحبيب! أعكف على الدرس بعينٍ واحدة، ولْتَكُن الأخرى مُحَدّقة دوماً فى الله الحاضر أمامك، فهو وحده يوليك الذكاء الحقيقي. وأنصت إلى أساتذتك العُلماء بأُذُنٍ واحدة لتكون الأخرى على استعدادٍ دائم لسماع صوت الله الذى يتكلّم فى داخلك، وإن كتبتَ، لا تكتب إلا بيدٍ، لتمسك بالأخرى يد الله على نحو ما يفعل الطفل الذى يتشبّث بيدِ والده، فإن لم تفعل ما أوصيك به عثرت وتحطّمتَ». إنه درسٌ يساعدنا على ابتكار وقت للصلاة مهما كانت ارتباطاتنا والتزاماتنا، ومَنْ يريد النجاح والتفوّق والعبور من أى محنة، لابد له أن يلجأ إلى الله واهب العطايا والنِعَم، كما يجب علينا أن نثق فى أبوّة الله الذى يحقق لنا كل ما نريده من خيرٍ، فهو العالم بكل ما نحتاج إليه. كما أن الالتجاء إلى الله بواسطة الصلاة والحديث معه، هو عرفان بالجميل لِما يقدّمه لنا طوال حياتنا، ولا نستطيع أن نتخيّل سعادة الله عندما نفتح له قلبنا، كما يحدث عندما نقيم حواراً مع الشخص الذى نحبّه ونثق به، لأنه تعبيرٌ عن حُبنا وإخلاصنا له وثقتنا فيه. فالصلاة هى لقاء وحوار بنوى للإنسان العاجز مع أبيه السماوى الذى يسعفه فى كل لحظة، ولكن ليست حسب تقويمنا وساعاتنا الشخصية، بل حسب إرادة الله الذى يعلم جيداً ما هو خيرنا. فإذا كان الله قادراً على كل شيء، فلماذا لا نلجأ إليه فى كل أمورنا، ولكن ليس للطلب فقط، وإنما لنشكره على كل لحظة نلنا فيها من نِعَم وعطايا دون أن نشعر بذلك. من المحتمل أن يتساءل البعض: «لماذا ينتظر الله منّا الصلاة وطلب ما نحتاج إليه، بالرغم من أنه يعلم كل شىء؟» الأبوّة وحدها تساعدنا على فهم معنى انتظار الله لصلاتنا، فالله ينتظر حديثنا معه كأبٍ، لأن الحديث هو سعادة المُحبّين، وعندما يوجد الحُب بين الأب وأبنائه، يصبح الطلب دليل ثقة وطمأنينة وليس سؤالاً لحاجةٍ ما، وفى ذات الوقت اعترافاً بأبوّة الله الذى لا يرفض كل ما هو لخيرنا، خلاف ذلك يتقوّى بالصلاة ويتجدد وينتعش قلبه ويشعر بالطمأنينة والحيوية التى تتدفق فى داخله والأمل الذى ينعش روحه. يا له من شرفٍ عظيم نناله فى حديثنا مع الله أبينا! كما أن الإنسان يشعر بالفخر والاعتزاز عندما ينال الفرصة لمقابلة شخصية مرموقة ويدور بينهما حديثٌ، ثم يحكى عن هذا الشرف والفخر والامتياز، مع أنه لا توجد شخصية تقارن بالله. نحن نعيش عالماً يشوبه القلق والاضطراب والتشويش والحروب؛ فالعلاج الوحيد هو الصلاة لله لينجينا من كل هذا، فالصلاة هى دواءٌ لكلّ داءٍ. أخيراً نرفع صلاتنا لله طالبين منه أن يخفف آلام المرضى ويشفيهم، وأن يلهم ذوى الاختصاص القدرة على اكتشاف العلاج لهذا الوباء، وأن يبارك فى جميع الذين يسهرون على خدمة المرضى.