خاص لـ«الفجر».. كل ما يخص الزكاة يجيب عليه د. على جمعة في حوار العيد

العدد الأسبوعي

الدكتور على جمعة
الدكتور على جمعة


الزكاة تجب على أرباح الاستثمار والودائع البنكية وليس على رأس المال 

أراضى المبانى لا زكاة عليها إلا عند بيعها ومرور عام على الثمن 

لا زكاة على الأموال المدخرة لشراء عقار أو شقة أو للإنفاق على زواج الأبناء

منذ ظهور وباء كورونا تعالت مطالبات ودعوات لتبكير إخراج الزكاة وصدقة عيد الفطر مبكراً وكانت وجهة نظر الداعين لهذا الأمر أن هناك أعدادا كبيرة من المسلمين فى حاجة بالفعل للمساعدة مثل العمالة المؤقتة وغيرهم من الفئات التى أدت الأزمة الصحية لتدهور أحوالهم الاقتصادية.

ولكن السؤال شجعنا على طرح جميع الأسئلة التى تخص الزكاة وصدقة الفطر على الدكتور على جمعة، مفتى الجمهورية الأسبق وعضو هيئة كبار علماء الأزهر والعالم الجليل الذى لم يتوقف علمه أو عمله فى سبيل إسعاد البشر عامة والفقراء، خصوصاً منذ سنوات طويلة لذا ذهبت «الفجر» إلى رحاب الشيخ لمعرفة كل ما يخص الزكاة ونصابها سواء لمال أو عقار أو ودائع بنكية وغيرها وكان لنا هذا اللقاء الحصرى.. وإلى الحوار

■ ما حكم التعجيل بدفع الزكاة فى وقت انتشار الأوبئة؟

-يجوز تعجيل الزكاة فى أوقات العسرة والأزمات كالتى يمر بها العالم هذه الأيام، والشريعة الإسلامية أكدت فى هذه الأحوال على زيادة ثواب النفقة وعظم أجر الصدقة ومضاعفة ثواب الزكاة؛ وكلما عظمت الفاقة واشتدت الحاجة وقوى الكرب كان العطاء أجدى لدفع البلاء وكانت النفقة أجلبَ لرضوان الرب؛ فأحب النفقة إلى الله تعالى ما كانت أكثر سداً لحاجة المحتاجين، وأثوب الزكاة ما كانت سببًا فى تفريج كرب المكروبين.

وإجابة السؤال أنه يجوز تعجيل الزكاة فى أزمنة الأزمات؛ كالقحط، والأوبئة، ونحوها، وذلك مأخوذ من فعل النبى صلى الله عليه وآله وسلم، وأخذ به جمهور الفقهاء.

وعن على بن أبى طالب كرم الله وجهه: «أنَّ العبَّاس رضى الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فى تعجيل صدقته قبل أن تحلَّ، فرخَّص له فى ذلك» رواه الإمام أحمد فى «المسند»، وأبو داود والترمذى وابن ماجه فى «السنن»، وابن خزيمة فى «صحيحه»، والحاكم فى «المستدرك» وصححه.

وفى رواية عن على رضى الله عنه: «بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عمرَ رضى الله عنه على الصدقة، فأتى العباسَ رضى الله عنه يسأله صدقة ماله، فقال: قد عجَّــلْتُ لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صدقةَ سنتين، فرفعه عمر رضى الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: «صَدَقَ عَمِّي؛ قَدْ تَعَجَّلْنَا مِنْهُ صَدَقَةَ سَنَتَيْنِ» أخرجها أبوعبيد فى كتاب «الأموال».

وأخذ جمهور الفقهاء بهذا الحديث؛ فأجازوا للمزكِّى تعجيل إخراج زكاة ماله قبل أوانها؛ رعاية لمصلحة المستحقين لها ومنهم من نص على مشروعية تعجيلها فى أوقات الأزمات.

■ ما هى زكاة المال؟ وما شروط الزكاة ووجبها؟

-من المقرر شرعاً أن زكاة المال ركن من أركان الإسلام الخمسة وفرض عين على كل مسلم توافرت فيه شروط وجوب الزكاة وأهمها أن يبلغ المال المملوك النصاب الشرعى وألا يكون مالكه مدينا وأن يمر على امتلاك المال سنة قمرية.

والنصاب الشرعى هو ما تعادل قيمته بالنقود الحالية 85 جراما من الذهب عيار 21.

■ ما مقدار الزكاة على الأموال المودعة فى البنوك وينفق الشخص من ريعها؟ هل على أصل المال أم على الريع؟

-هذه مسألة محدثة وحديثة وهى أن يضع إنسان أموالاً فى البنك ولا يكون له مورد رزق إلا هذه الأموال وهو لا يستطيع أن يفك هذه الودائع، فشبهت هذه الودائع بالأرض وأصبح هناك رأى يقول به الشيخ عبدالله المشد، رئيس لجنة الفتوى عضو مجمع البحوث ومن كبار علماء الأزهر – رحمه الله تعالى – وهذا الرأى هو: أننا نخرج العُشْر أى 10% من الإيراد، وهى فتوى معتبرة لها ما يؤيدها من أن هذه الأموال تشُبهْ الأرض، لأن صاحب الوديعة لا يكون قادراً على فكها.

والفقه الموروث ليس فيه هذه الفتوى، ولكن هذه الفتوى توائم العصر الذى نعيش فيه، لأن كثيراً من الناس يبلغون سن التقاعد ولا يكون لديهم إلا هذه عائد الودائع لتكون مورد رزقه لينفق منه على احتياجاته المعيشية وقيمة العملة تنخفض دائماً نتيجة للتضخم فى العالم كله، كما أن أسعار السلع فى ارتفاع مستمر فإذا أخذنا من أصل المال نقص، وانخفض الربح بعد ذلك، فلا يستطيع صاحب المال بعد ذلك أن يوائم حياته ولا يستطيع أن يقوم بمقتضياتها.

ولذلك كانت هذه الفتوى مناسبة جداً لهذه الحالة؛ فإذا كنت أدخر مبلغاً من المال هو أساس ثروتى ولا أستطيع أن أفكه، فهذه الوديعة الموجودة لدى البنك تشبه الأرض لأن زكاة الأرض لا تكون حسب قيمتها، ولكن على الإنتاج ونتاج الأرض نخرج منه العشر، وفى حال الودائع نخرج العشر أيضاً، ولا بأس أن نأخذ بهذه الفتوى - وإن كانت لم ترد فى الفقه الموروث عن الأئمة الأربعة- ونخرج 10% من قيمة الأرباح والعوائد التى تدرها، ولو أن شخصاً ليه 100 ألف جنيه ووضعها فى هذا الاستثمار كوديعة تأتى له بـ10 آلاف فى السنة وفى هذه الحالة يخرج زكاة عبارة عن 10% من الـ10 آلاف يعنى ألف جنيه فقط، ولو أنه أخرج 2.5 % فى الألف سيخرج 2500 جنيه والفتوى هنا تخفف العبء وتناسب الإيراد.

فى حالة الودائع الدولارية – والتى تأتى بعائد وربح قليل- وإذا كلفنا صاحب الوديعة أن يدفع 2.5% من أصل رأس المال: لا يكفى، لأن العائد أقل من هذه النسبة لأن العائد على الودائع الدولارية 1% أو أقل حالياً.

إذن فهذه فتوى مناسبة فعلاً لمقتضيات العصر ولحالة الناس ومصالحهم، وهى فتوى شرعية مبنية على دليل يُسمى عند الأصوليين «غلبة الأشباه» يعنى تردد هذا الأصل بين أصلين: الأرض أو النقود، فنلحق هذا الأصل بأيهما هو أقرب شبهاً، وهذه العملية عملية فقهية معتمدة، ولا بأس من أن تقليد هذه الفتوى إن كان للشخص مصدر دخل آخر ولكنه لا يكفيه.

■ ما مقدار الزكاة على الأموال المودعة فى البنوك؟

-البنوك تقدم عدة منتجات منها الحساب الجارى والزكاة على الأموال المودعة فيه تكون 2،5% فى العام فيحدد الإنسان يوم من أحد الشهور القمرية الهجرية ليخرج كل عام زكاة ماله فيه، أما شهادات الاستثمار والودائع فتحسب قيمة أرباحها كل عام ويخرج قيمة الزكاة منها 10% فى العام كما سبق بيانه.

■ وما مقدار الزكاة على الأرض الزراعية أو الأرض الخالية؟

إن كانت الأرض معدة للبناء ولم تجلب ريعا فلا زكاة عليها إلا عند بيعها وادخار ثمنها ومرور عام عليه ومقدار الزكاة 2،5% حينئذ فإن بيعت وتم إنفاق ثمنها مباشرة أى قبل الحول فلا شىء عليها.

وإن كانت الأرض تستخدم للزراعة فيجب أن يكون مما يستزرعه الأفراد فإن نبتت الأرض بغير استزراع فلا زكاة وإن كان ناتج الأرض قوتا صالحا للادخار مثل القمح والشعير والعدس والأرز فإن كان مشمشا أو طماطم مثلا فلا تجب عليه زكاة.

ولا تجب الزكاة إلا فى ثمرتين عند الشافعية وهى التمر، والعنب.

ونصاب الزروع والثمار بالكيل المصرى 4 أرادب وكيلتان.

والزكاة فيما بلغ هذا النصاب بحسب طريقة الرى فإن سقى الزرع بماء السماء: وهو المطر ونحوه كالثلج أو الماء الجارى على الأرض بسبب سد النهر فيصعد الماء على وجه الأرض فيسقيها ففى هذه الأراضى التى تسقى بهذا الشكل العشر، وإن سقيت بدولاب، بضم الدال وفتحها، وهو ما يديرها الحيوان أو سقيت بنضح من نهر أو بئر بحيوان، كبعير أو بقرة، فالزكاة نصف العشر، وفيما سقى بماء السماء والدولاب مثلاً سواء ثلاثة أرباع العشر.

■ ما مقدار الزكاة على المجوهرات والذهب؟

- لا زكاة فى الحلى ولكن الزكاة فى الجنيهات الذهبية والسبائك وتبلغ 2،5% من قيمة الذهب فى يوم إخراج الزكاة

■ ما مقدار الزكاة على العقارات فى حالة امتلاك شخص لعقار واحد أو أكثر؟

- لا زكاة على العقارات إلا إن كانت للتجارة، فإن كانت للتجارة ففيه 2،5% حال بيعه.

■ وما مقدار الزكاة على المشروعات الاستثمارية؟

-المشروع الاستثمارى تعد له ميزانية فى آخر العام فيها شىء اسمه الأصول الثابتة، وأخرى تسمى الخصوم الثابتة، وشىء اسمه الأصول المتداولة، وأخرى تسمى الخصوم المتداولة، فالأصول الثابتة: ليس عليها زكاة، أما الأصول المتداولة وهى البضاعة والمديونيات: فنطرح هذا من هذا، فيخرج لنا من ذلك شىء يطلق عليه رأس المال العامل وهو ما عليه زكاة.

■ هل يحوز إخراج زكاة مال على السيارات أو المواشى؟

- لا زكاة على السيارة، وتجب الزكاة فى المواشى وهى: الإبل- البقر- والغنم واشترطوا فيها ضمن ما اشترطوا «السوم» أى الرعى فى مرعى مباح سواء عن طريق صاحبها أو نائب عنه، فإن عُلِفَت الماشية معظم الحول فلا زكاة فيها وإن علفت قدراً تعيش بدونه بلا ضرر بين ولم يقصد به قطع الرعى وجبت زكاتها وإلا فلا، وأغلب الماشية فى مصر تعلف لندرة المراعى ولتعود مربى المواشى على ذلك، ولذا فإن أغلب من يمتلكون الإبل أو البقر أو الغنم ليس عليهم زكاة فى مصر لأنها معلوفة، ونصاب زكاة المواشى مفصل فى كتب الفقه والفتوى.

■ هل يجوز إخراج زكاة على المال المدخر لشراء عقار تمليك أو شقة أو مال مخصص لزواج أحد الأبناء؟

- عند جمهور العلماء يتم إخراج زكاة على هذه الأموال، ويرى الكرخى وهو من الحنفية أنه لا زكاة عليها لأنها من ضرورات الحياة.

■ هل يجوز إخراج زكاة مال على عدد العمال والموظفين فى الشركة؟

- لا زكاة مال على عدد العمال والموظفين.

■ ما الأموال التى لا تجب فيها زكاة؟

- سوى ما ذكرنا لا تجب فيه الزكاة.

■ ما هى زكاة الفطر ووقتها ومقدارها للفرد؟ وعلى من تجوز؟ ومتى يتم إخراجها؟

- المقصود بزكاة الفطر شرعاً: صدقة تجب بحلول عيد الفطر من رمضان -ويمكن أن تخرج قبل ذلك- بمقدار محدد على كل نفس، يخرجها المسلم عن نفسه وعن من تلزمه نفقته، وتخرج للفقراء والمساكين وكذلك باقى الأصناف الثمانية التى ذكرها الله فى آية مصارف الزكاة، حسب قوله تعالى : (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِى الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِى سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [التوبة :60].

وشرع الله زكاة الفطر لحكم عالية، وأغراض غالية، نذكر منها التكافل الاجتماعى، وتعميق روح الإخاء الإنسانى بين أفراد المجتمع المسلم، وينبغى على المسلم الذى أغناه الله من فضله ألا ينسى أخاه الفقير خاصة فيما يمر به العالم حاليا من أزمة كورونا، وأن يسعى على تهدئة نفسه، وراحة باله من سؤال الناس فى ذلك اليوم، حتى يفرح فى العيد هو ومن يعول مثلما يفرح أخوه الغنى، وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم : (أغنوهم فى هذا اليوم عن السؤال) [البيهقى فى الكبرى، والدراقطنى فى سننه].

واتفقت المذاهب الأربعة على وجوب زكاة الفطر على كل مسلم يقدر على إخراجها، إلا ما نقل فى قول عن المالكية بأنها سنة، وضعف هذا القول العلامة الدسوقى المالكى، ولا يشترط فى القدرة على الإخراج ملك نصاب زكاة المال على ما ذهب إليه الجمهور، فمن ملك قوت يومه، وزاد عن ذلك مقدار الزكاة وجب عليه إخراجها وهى صاع من الحبوب من غالب قوت أهل البلد، ومقدار ذلك الصاع يختلف باختلاف كثافة نوع الحبوب الذى يخرج منها الإنسان، فمثلاً صاع الأرز 2.400 كيلو جرام، أما فى الدقيق فسيكون أقل وهكذا، ونرى فى هذه الأيام أفضلية إخراج زكاة الفطر مالاً، وعلى ذلك فستتراوح قيمتها بين 10 و20 جنيها فى أيامنا هذه. وذهبنا إلى القول بإخراج زكاة الفطر من النقود موافقة لمذهب طائفة من العلماء يعتد بهم، كما أنه مذهب جماعة من التابعين، منهم: الحسن البصرى، وأبوإسحاق السبيعى، وعمر بن عبدالعزيز، وهو مذهب الثورى، وأبى حنيفة، وأبى يوسف.