د. عذاب العزيز الهاشمي يكتب: وباء كورونا والرهان الخاطئ في وهم حسابات الدول

ركن القراء

بوابة الفجر



إن طبيعة الإنسان البشري دائمًا ما تراهن على تغيُّرات في معادلة الحياة والصحة والبقاء؛ حتى لو كان الأمل بسيط، بحيث يسري الاعتقاد لدى البعض بأن وباء كورونا (كوفيد 19) سيتراجع في العالم مع حلول فصل الصيف وارتفاع درجة الحرارة، لكن أكاديميًّا أميركيًّا قد حذر من هذا الرهان الخاطئ. 

كما قال كبير خبراء الأمراض المعدية في الولايات المتحدة الطبيب "أنتوني فاوتشي": (لا تفترضوا أن فيروس كورونا سيتراجع عندما يصبح الطقس أدفأ)، وبين "فاوتشي"، أن هناك سابقة بالفعل تُظهر أن انتشار الفيروس قد يتباطأ حين يزداد الدفء، لكن هذا ليس كافيًا لنطمئن. 

وأضاف (مع توضيح ذلك، لا يجب أن يفترض المرء أنه سيتم إنقاذنا بتغير الطقس، ولكن عليك افتراض أن الفيروس سيستمر في القيام بما يفعله، فإذا ساعدنا الطقس، ليكن، فهذا جيد، لكنني لا أظن أننا نحتاج لافتراض ذلك). 

وأورد "فاوتشي" أن الأبحاث تشير إلى أن فيروس كورونا الذي بدأ الانتشار في نيويورك في منتصف فبراير الماضي، جاء بالأساس من أوروبا لآسيا، وقال: (إن أوروبا أصبحت المركز في وقت سريع نسبيًا بعد انفجار الصين بحالاتها)، بحسب" وكالة (أسوشيتد برس).

لا شك أنه درس للتاريخ يسجَّل في مدى ضعف الإنسان أمام الخالق، بالرغم من المقدرات المالية والتكنولوجية، وتَشَكُّل دول عظمى اقتصاديًّا وعسكريًّا، ولكن أمام هذا الوباء كانت النتيجة هي أنه ما أضعف الإنسان! بكل قوته وغروره، وما أضعف الدول أيضًا! أمام بدايات وباء عالمي، وهو وباء مُقبل على الطريق، ما لم تأتنا الأيام بلقاح أو دواء؛ من أجل إنهاء هذه الحالة.

الفيروس من الصين الى ايران الى الدول العربية وصولا الى أوروبا والولايات المتحدة، ينتقل من بلد الى بلد، لا يمنعه احد، ليس بحاجة الى تأشيرة، ولا قوة امنية قادرة على وقفه او ملاحقته، ولا كل أسلحة الدمار الشامل قادرة على قهره، وكأنه يقول للبشرية إنكم اضعف بكثير مما تظنون، وتأتيكم الأيام بما يثبت هشاشة حياتكم بكل ما تعنيه الكلمة.

الانتشار والكارثة!
إذا استمر انتشار الفيروس بهذه الحالة، وهذا مجرد افتراض، فنحن أمام تقطيع لخريطة العالم، وستغلق كافة الدول حدودها خوفًا من الوباء، وحركة الطيران والسفر والسياحة سوف تنهار، والاقتصاديات الكبرى سوف تنهار أيضًا، وبالتالي أسعار النفط ستبدأ بالانهيار، وكذلك أسعار الأسهم التي انهارت وفي طريقها إلى ما هو أسوأ، وكل شيء سيظل في ينهار؛ عدا أسعار الذهب.

فقد نصل إلى حالة لا يخرج فيها المرء من بيته، ولا يذهب إلى وظيفته، ولا يعمل عامل في مصنع، ولا طبيب في مستشفى، ولا ينجب زوج من زوجته خوفًا من الوباء.

إنّ الصين بكل قوتها تنهار أمام الكارثة؛ المصانع تتوقف، التصدير يتراجع، وسفر الصينيين انخفض جدًا، وتلبية الطلبيات الصينية انخفضت أيضًا، والمرء يفر من أبيه؛ خوفًا من المرض الذي تسبب في خسائر بمئات المليارات وأكثر حتى الآن للاقتصاد العالمي، وصولًا إلى إلغاء المؤتمرات والتجمعات الكبرى، سواءً الدينية أو الثقافية أو الرياضية؛ خوفًا من الوباء.

ولكن، ما يزال بيننا من يؤمن بنظرية المؤامرة، ويقول أنّ كل القصة لمصلحة الأميركيين؛ لتدمير الصين وإيران معًا، والبعض الآخر يقول أنّ الوباء سيتم تركه لينتشر حتى مرحلة معينة، فتخرج دولة أو شركة دواء وتعلن عن اللقاح وتبيعه بعشرات المليارات، وآخرون يؤكدون أن الوباء سوف ينتهي مع نهاية الشتاء، وفريق آخَر يُهون من القصة ويقدم لك أرقامًا عن ضحايا الإنفلونزا العادية كل عام، أو حتى أرقام ضحايا الحروب.

إنّ العالم الآن أمام مسربين فقط، إمّا اكتشاف لقاح للفيروس، وتجاوز هذه المحنة، خلال وقت قريب بحيث يتنفس العالم الصعداء؛ وإمَّا الاستسلام للواقع؛ وعندها سيتحول العالم إلى جزر معزولة، وسينهار العالم اقتصاديًّا، فقد بدأت آثار التراجعات الاقتصادية بالفعل تظهر وفقًا للتقارير الدولية، والمؤشرات تقول أنّ المزيد قادم في الطريق، وسط عالم تبلغ مديونيته أرقامًا فلكية ومذهلة، وتعادل ثلاثة أضعاف إنتاجه الاقتصادي.

وبالنظر للعِلْمِ، فقد سبق وتعامل مع قضايا أكثر تعقيدًا، وما يزال الرهان قائمًا على إيجاد حل، وحتى تلك اللحظة علينا أنْ نرقب بعيوننا كيف أنَّ الفيروس بات هو القوة العالمية الضاربة التي تطيح بالدول والشعوب، وبسرعة تفوق سرعة البرق ينتقل من بلد إلى آخر، فلا نملك إلا الصبر، والاحتياط قدر الإمكان، وأنّ نتذكر أيضًا الأضرار الإنسانية والاقتصادية في العالم، فلن تستثني أحدًا في هذه الدنيا، أمام عالَم بات مثل قرية صغيرة!
ختامًا.

نحن العرب، هل لدينا ما نخسره في ظل الصراعات الوهمية، عن امتلاك العالم ومقدراته، ما دمنا قَبِلْنَا النفاق والتواطؤ بمعايير المؤامرة، علَّ شعوبنا المستسلمة لمصير أدنى أساسيات الحياة؛ من أجل العيش الكريم؟