اليوم الـ 18 من شهر رَمَضَان المُعَظَّم 1441هـ

أبراج

اليوم الـ 18 من شهر
اليوم الـ 18 من شهر رَمَضَان المُعَظَّم 1441هـ


*الباب الخامس (مادة الحُلم ومصادره)
هذا الفصل يستعرض فيه فرويد آراء المُؤلفين السابقين التى تتناول منشأ مادة الحلم وعلاقة الحلم بالحياة المُستيقظة ، ولخّص خصائص الحلم من وجهة نظرهم فى نقاط مُحدّدة (الحلم يُفضّل إنطباعات الأيام الأخيرة الحديثة ، الحلم يختار التافه أو الثانوى من الأفكار ، الحلم يستحضر إنطباعات ترجع إلى الطفولة) ويتم إستعراضها بالتفصيل مع التنبيه أن فرويد يرى هؤلاء المؤلفين لاحظو محتوى الحلم من ظاهره فقط لذلك يُضيف فرويد إنتقاده لنظرياتهم ويسُوق الأدلة على رأيه.

2-مادة الطفولة كمصدر من مصادر الحلم.
3-المصادر الجسمية للحلم.
4-الأحلام النّمطيّة.


2-مادة الطفولة كمصدر من مصادر الحلم:
يرى فرويد أن بعض الأحلام  لاتخلو من إرتباطها بمرحلة الطفولة رغم أنها مُرتبطة بالوقت الحاضر للحالم ، ومن خلال التحليل النفسى وسؤال الحالم يُمكن معرفة التفسير الصحيح للحلم ، وهذه بعض الأمثلة.

-أحد المرضى كان عازماً على السفر إلى قريته مسقط رأسه والتى لم يزرها منذ أكثر من عشرين سنة ، قبل رحلة السفر بيوم رأى نفسه فى الحلم فى منطقة لم يزرها قط فى حياته ورأى نفسه يُخاطب رجلاً  لايعرفه على الإطلاق ، بالتحليل المُباشر يُفسّر فرويد الحلم بأن نيته بالسفر ظهرت فى الحلم من خلال رغبته فى زيارة مكان جديد ، لكن المريض لما وصل لقريته عرف أن المكان موجود بالفعل على مقربة من قريته وأن الرجل على قيد الحياة و هو أحد أصدقاء والده المتوفى وهذا دليل على أن المريض قد زار هذا المكان وخاطب هذا الشخص فى وقتٍ ما من طفولته المُبكّرة.

-مريضة كانت ترى أحلامها والتى تتكرّر كثيراً بأنها على عجلة من أمرها فتكون مستعجلة تمشى بسرعة للحاق بالقطار ، تمشى بسرعة للحاق بموعد مع صديقتها ، مُسرعة لتلحق ميعاد المحاضرة أو باب المدرسة ، بالتحليل المُباشر فتلك المريضة تمارس ركوب الخيل فى الواقع ورُبما عبّرت أحلامها عن السرعة ، لكن عندما طلب منها فرويد الرجوع لذكريات الطفولة عرف أن المريضة كانت تلعب مع الأطفال لعبة "جرت البقرة حتى وقعت" كثيراً واللعبة تشمل الجرى بسرعة.

-أحد أصدقاء فرويد كان قد إنتهى من قراءة كتاب "وصف نانزنس لرحلته القطبية" رأى بعدها فى المنام بأنه فى حقل جليدى ويقوم بعلاج قدم المُستكشف صاحب الكتاب علاجاً كهربائيّاً ، والتفسر المباشر هو تأثر الصديق بالمتاب الذى كان يقرأه ، لكن عرف فرويد بعد سؤال الصديق أنه كان يسمع فى طفولته من والده حكايات المُستكشفين وكان الصديق يخلط بين كلمة "رايزِنْ" وتعنى رحلة ، وبين كلمة "رايْسِنْ" وتعنى تشنّجات لأنه نطقها بالسين لكونه لا يزال طفلاً وبسبب سخرية الأطفال منه ظلّت الكلمة عالقةً فى عقله الباطن.

-الحلم الذى رواه فرويد عن نفسه عندما رأى صديقاً له يُشبه عمّه يُوسف والذى فسّره على أنه رغبة منه فى أن يقدح/يذمّ فى الصديق رغم أنه فى الحلم كان حنوناً تجاهه جداً بشكلٍ زائف ، حلله بأنه رغبة دفينة لدى فرويد بالحصول على رتبة أستاذ مساعد فى الجامعة والتى تعطّلت بسبب عوامل دينيّة ، لكن فرويد يقول فى هذا الفصل بأنه أبعد مايكون عن التمسّك بالألقاب والمناصب والثروة ، لكن لعل الدافع لتلك "الرغبة" هو دافع من الطفولة ، فيذكر فرويد أن والدته كثيراً ما أخبرته بأن فلاحة قرويّة أخبرتها نبوءة بأن طفلها "فرويد" سيكون له شأنٌ عظيم عندما يكبر ورغم أن فرويد يعرف أن تلك النبوءات هى أسلوب لطيف لجلب المال لفلاحة مُسنّة لاتقدر على توفير المال فى عمرها ، لكنه مع ذلك يُفسّر تلك "الرغبة" لتحقيق النبوءة لأمه ،  وهناك ذكرى أخرى تتعلق بطفولته تتعلق بنفس الحلم ، فكان أن والد فرويد يتمشى معه ويقصّ عليه حكايات العالم فقال له أنه ذات مرّة كان يتمشى فى بلده مسقط رأسه أحد أيام السبت ويلبس أفخم الثياب وعلى رأسه قلنسوة "طاقيّة" من الفرو ، فقابله أحد الأشخاص من ثقافة مُختلفة وقال له "أنزل عن الرصيف أيها اليهودي" وألقى بالقلنسوة على الأرض ، سأله فرويد"وماذا فعلت يأ ابى؟" أجاب والده بأنه إتلقط القلنسوة وتابع مشيه درءاً للمشاكل ، عندها يُفسّر فرويد حبه الكبير لهانيبال القائد القرطاجى الذى وقف فى وجه روما ونابليون الذى عبر جبال الألب ورُبّما هذا يُفسّر "رغبته" فى الحصول على المنصب الجامعى فقط للوقوف فى وجه المتعصبين لأنه أبعد مايكون عن التكالب على المناصب أو الثروة.

يُعلق فرويد على الأحلام بأنها ومن خلال الأمثلة السابقة تفى بالخصائص الثلاث التى تُميّز الأحلام من أنها تتصل بانطباعات حديثة لكن تخرج منها خيوط تتعلق بأقدم عهود الطفولة ، فالحلم قد لايعنى معنىً واحد بل أكثر من معنى ليُعبّر عن أكثر من رغبة ، يروى فرويد كيف أنه رأى فى الحلم بأنه يُساعد والده المُسنّ على التبول وأن والده يرى بعين واحدة فالرغبة الظاهرة فى الحلم هى مُساعدة والده المُسنّ لكن التحليل الأعمق يراه فرويد بأنه رغبة فى إعتزاز فرويد بنفسه ، فقد حدث أن تبول فرويد وهو طفل فى الحديقة أمام والديْه فصاح والده بوالدته "هذا الطفل لن يكون شيئاً نافعاً عندما يكبر" وبمُساعدة فرويد لوالده على التبول يكون قد رد إعتباره لنفسه ، كما أن عين والده المريضة تُشير إلى عملية الجلوكوما التى أجراها فرويد لوالده فى تاكيد على شطارته "ها قد أصبحت شيئاً نافعاً" وحبّه لأبيه ، وبذلك يكون الحلم قد عبّر عن أكثر من "رغبة" كامنة تتعلق بالطفولة.

*المصدر: كتاب تفسير الأحلام لسيجموند فرويد ، تحت إشراف الدكتور مُصطفى زيور 1969.