إيمان كمال تكتب: محمود عبد العزيز.. صانع البهجة

مقالات الرأي



كنت أسمع دائما وأنا صغيرة بأن كبار النجوم يعزفون عن التليفزيون من أجل الحفاظ على الوهج والتألق السينمائى فكانوا يظهرون عبر الشاشة الصغيرة على استحياء، حتى لا يكون هذا الظهور سبباً فى تراجع نجوميتهم مكتفين بالنجاح السينمائى.

هى وجهة نظر محتملة بكل تأكيد.. لكن لكل قاعدة استثناء وبالفعل فالساحر محمود عبد العزيز كان هو الاستثناء.. نعم هو الاستثناء لن أقول الأوحد فلا ينافسه فى هذا الأمر إلا القليل.

ولم لا يكون الساحر استثناء وهو ابن التليفزيون منذ بدايته حين ظهر لأول مرة فى مسلسل «الدوامة» عام 1973 محققا نجاحاً جعله بعدها بفترة بسيطة واحد من أهم النجوم فى السينما، ولكنه ظل محافظا على علاقته بالشاشة الصغيرة من خلال المشاركة فى أعمال من وقت لآخر مثل شجرة اللبلاب والهاربان ولقيطة ومبروك جالك ولد، ولكنه غير كثيرا من جلده وأدواره فى الدراما بشخصية «أبو المعاطى شمروخ» الفلاح الطيب الشهم فى مسلسل «البشاير»، كانت مشاركات محمود عبد العزيز التى قدمها فى الدراما فى هذا الوقت قليلة لكن كان اسمه كفيلا لضمان جودة ونجاح أى عمل يشارك به.

فى رمضان عام 1988 عرض الجزء الأول من الملحمة الوطنية «رأفت الهجان» للكاتب صالح مرسى والمخرج يحيى العلمى، والعمل مأخوذ من ملفات المخابرات المصرية عن حكاية البطل المصرى رفعت الجمال والذى اشتهر دراميا برأفت الهجان.

كانت مقاييس النجاح وقتها مختلفة فلم يكن هناك اليوتيوب وملايين الأرقام لكن وقت عرض المسلسل كانت الشوارع خالية تماما من الناس أو الجمهور الذى كان يجلس أمام التليفزيون متلهفا للحلقات.

يقال بأن العمل رشح له فى البداية عادل إمام واعتذر عنه لرفضه موت البطل فى بداية الحلقات معتبرها حرقا للأحداث بينما رفض المؤلف أن يغير من ذلك.

ليرشح محمود عبد العزيز الذى قبله على الفور دون أى شروط، وقيل بأنه أيضا وافق على أن يتعاقد عليه بأجر أقل كثيرا من أجره فى هذا الوقت سواء فى السينما أو القطاع الخاص.. وكأن محمود عبد العزيز أدرك بذكائه الفنى بأن العمل هو فرصته الذهبية فى التليفزيون.. وفرصتنا نحن لمشاهدة واحد من أهم الأعمال فى تاريخ الدراما، فكان مهتما بقيمة تلك الملحمة الوطنية والعمل الذى أثر فى أجيال متعاقبة وعزز من الشعور الوطنى والكرامة، فلا يمكن أن ننسى الجملة الشهيرة التى جاءت على لسان محسن ممتاز وهى الشخصية التى قدمها الفنان يوسف شعبان «مصر أمانة بين إيديك».

كان صدق الساحر فى تجسيد الشخصية جعلها جزءاً لا يتجزأ منه فأصبح بالنسبة لنا هو بالفعل ذلك البطل الوطنى العظيم، والذى لم تقاوم النساء سحره، ، مشاهد عديدة لا يمكن أن ننساها أظهرت براعته، مثل وفاة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر ومشهد عبور المصريين فى نصر أكتوبر 1973 وهو وسط دموع الإسرائيليين، ولا ننسى أيضا مغامراته العاطفية التى عاشها.

تاريخ محمود عبد العزيز كان مليئا بالشخصيات المعقدة والمركبة والصعبة والمهمة، لكن «رأفت الهجان» أو ديفيد شارل سمحون العميل المصرى الذى تم زرعه فى إسرائيل كان النجاح الأكبر فى مشواره أو كما يقال هو «دور عمره» فالعمل حافظ على بريقه وتألقه فى الجزء الثانى الذى عرض فى رمضان 1990 والثالث فى عام 1992.

فلا عجب إذن من تكرار الفرجة على المسلسل عشرات المرات دون أن نمل من تكراره ففى كل مرة يصحبنا محمود عبد العزيز إلى عالمه السحرى.

لم يقدم بعدها محمود عبد العزيز أعمالاً درامية كثيرة بل كان يطل ضيفا على الدراما الرمضانية من وقت لآخر، منذ عودته فى بداية الألفينيات بمسلسل محمود المصرى والذى قدم خلاله شخصية رجل الأعمال محمود حسن المصرى الذى بدأ حياته من الصفر.

ظل محمود عبد العزيز مهموما بفكرة البحث عن عمل يحمل قيمة فلم يكن يحرص على التواجد بشكل سنوى من أجل إثبات الحضور فى الموسم الرمضانى، فكان غيابه فى كل مرة ينبئ عن عودة قوية بعد سنوات بعمل مهم فى الدراما، وهو ما حدث بالفعل حين قدم شخصية محفوظ زلطة فى «باب الخلق» والذى تعاون فيه مع السيناريست محمد سليمان عبد المالك ففى تلك المرحلة كان يدرك قيمة العمل مع الكتاب والمخرجين الشباب.

باب الخلق هو أيضا عمل استثنائى فى مشواره يرصد التغييرات التى حدثت فى المجتمع المصرى، وذلك النجاح الكبير الذى حققه ظل ملازما للساحر فى مسلسل «جبل الحلال» وشخصية أبو هيبة، وحتى آخر مسلسلاته «رأس الغول» والذى اختتم به مشواراً حافلاً فى عام 2016.

الكتابة عن الكبار فى رمضان لا تعنى أن الأجيال الجديدة لا تستحق وليس فقط حنين ونوستالجيا لكنه اعتراف بفضل هذا الجيل من الكبار الذى أثرى الدراما المصرية والعربية وارتبطوا معنا دائما بذكريات شهر رمضان الكريم، وفى هذه الحلقة من «الكبار» أحببت أن أقول للساحر والأستاذ محمود عبد العزيز «كل رمضان وأنت فى نعيم الجنة بقدر ما أسعدتنا..فأنت الأستاذ والأيقونة».