د.حماد عبدالله يكتب: أشتاق لزمن "حذائي المثقوب" !!

مقالات الرأي

د.حماد عبدالله
د.حماد عبدالله


أتحدث اليوم فى مقال ( شبه معاد ) ولكننى أفتقد هذه الفترة من حياتى والتى أحس نحوها بالحنين الشديد ، رغم أن الضيق هو الإحساس الوحيد الذى كان يصاحبنى وقتها لضيق الحال وضيق ذات اليد ، والإحتياج الشديد لأبسط الأشياء التى لم تكن متوفرة لدى ، إلا أن تلك الأيام كانت فى  مجملها رائعة ، والسعادة  فيها بأى شىء ، محفور فى ذهنى حتى اليوم فى شيخوختى !!
ولذا فإن مقالى اليوم عن تلك الفترة أو جزء بسيط للغاية منها ، ولعل الفائدة تعود على من يقرأ اليوم ، لكى يرى الفارق الكبير بين مابين أيديهم وما كان بين أيدينا فى هذا الزمن ، كنت شاباً فقيراً ، من أسرة فقيرة ، وكان ضيق ذات اليد لوالدى ، وسبعة إخوة فى التعليم بمراحلة المختلفة وكنت أكبرهم عمراً ، جعلنى أتحمل فى كثير من الأحيان أن أعمل فى الصيف ، وفى فترات الدراسة ، وكان لأصدقائى الفضل الأكبر فى إستكمال حاجياتى الأساسية فلا يمكن أن أنسى صديق عمرى المرحوم الدكتور "سعيد الوتيرى" حينما كنا أطفالاً وشباباً أقتسم معه مصروفه بل أقتسم معه ملابسه !! ، وكانت المشاجرة بينه وبين المرحومة والدته أنه يقرضنى (جاكتته) أو ( حذائه ) حيث كان لديه حذائين واحد بنى والأخر أسود !!، وأنا حذاء وحيد لا أستطيع أن  أحدد لونه من قَدمَه ولكنى كنت أحافظ جيداً على لمعان سطحه ، أما ( نعله ) فهذا شيىء لا يمكن أن تعالجه أكثر من مرتين ، بتركيب ( لوزة !!) أى رقعة من الجلد لدى ( الجزمجى ) أو نصف نعل جديد!! ومع الإستخدام ولعب كرة القدم بهذا الحذاء ، الذى كنت أفضل أن أخلعه ، وأتركه بجانب حقيبة المدرسة ، لكى العب ( حافى ) دون حذاء وكان هذا يسبب لى بعض الإصابات التى لا أنال عنها (ضربة حرة مباشرة ) !! حيث العيب فى أننى ألعب دون حذاء !! وكنت كل صباح أخرج من بيتنا فى "منيل الروضه" ! متوجهاً إلى الجامعه ،وأحضر فى حقيبتى قطع صغيره مقصوصه بعنايه من الكرتون ، لكى أضع ذلك حاجزاً بين الجوارب والشارع فى قاع الحذاء من الداخل ، وبالقطع ، تبتل تلك الورقه الكرتونيه بعد قليل من المشى ، فأقوم بتغييرها أو بوضع قطعه أخرى حتى لا تبتل أصابع قدمى وجواربى ، ومع ذلك حدث كثيراً أن تركت الأمور كما هى ، قدم مبتله ومن أسفل الثقب الموجود المتسع فى حذائى ، ولكن جلد الحزاء من السطح رائع نظيف !!مع ذلك فإن هذا الحذاء لا يتأتى موعد تغييره إلا فى مناسبة وحيدة فى السنة" عيد الأضحى" ، حيث مخصص لى حذاء واحد فى العام ، يأتى عيد الأضحى فيكون همى الأول ، أن أجالس "عم سعيد" الجزمجى الله يرحمه الذى يقوم بتفصيل الحذاء على "قالب من الخشب" خصص لى بإسمى ، وهذا شيىء اليوم يعتبر من القصص المتحفيه!! 
أجالس "عم سعيد" لكى يزيد من متانة الجلد السفلى للحذاء وتركيب مجموعه من اللوز الحديد فى الكعب وفى المقدمه من الحذاء ، حتى تتحمل كل أنشطتى ( الغبيه) !! وهى اللعب بكره شراب فى نهاية كل أسبوع فى شارع "محمد على" ( بجانب قصر محمد على فى المنيل ) حيث تعقد الماتشات كل يوم خميس بعد الدراسة فى هذه المنطقه وكان صديقى "سعيد الوتيرى" بحذائيه البنى والأسود  ، هو صندوقى السحرى حينما يكون لدى "موعد عاطفى" مع زميلة أو صديقة ( حب نقى لا لمس فيه ) فقط خطابات غرامية رقيقة غير خادشة للحياء ،ولقاء فى الشارع بعد المدرسة أو الجامعة حتى توصيلها بالقرب من منزلها ، هذا هو كل الموضوع ، ولكن كان يحتاج ذلك حذاء غير مثقوب فيكون الحذاء الذى أقترضه من أخويا المرحوم "سعيد الوتيرى"!! ، كم أشتاق إلى هذا الزمن وهذه الأحداث الجميلة والتى صنعت منى "رجل حالم" بكل ماهو عظيم لى ولأقاربى ولأهلى ولوطنى كله!! والجمعة القادمة لنا حديث أخر عن هذا الزمن !!