محاور الأسرى الإسرائيليين في حرب أكتوبر 73 يكشف أسرار جديدة حول الانتصار العظيم (حوار)

تقارير وحوارات

 إبراهيم البحراوي
إبراهيم البحراوي


جنود بارليف رأوا المعركة مذبحة لهم.. والطيارون ذهلوا بسقوطهم على بعد 10 كيلومترات من القنال
انقسم الأسرى بين فريقي "بيجن" و"ديان" في أسباب ودوافع حربهم من أجل سيناء

لم تأت ذكرى حرب 1973 إلا ويفكر البعض كيف مرت على الجندي الإسرائيلي، وكيف رأى الانتصار المصري، وكيف رأى المصريين في عيون العدو طعم انتصاراتهم، ولذلك أجرت "الفجر" حوارا صحفيا مع محاور الأسرى الإسرائيليين في حرب 1973 وهو الدكتور إبراهيم البحراوي أستاذ اللغة العبرية بجامعة عين شمس، وأحد أعضاء الفريق الذي حاور الأسرى الإسرائيليين أثناء الحرب، وإليكم نص الحوار:

كيف كان لقاؤك بالأسرى الإسرائيليين قبل حرب 1973؟
كانوا من الطيارين الإسرائيليين الذين أغاروا على أنشاص، وكان لقائي بهم في طور الاستجواب العسكري، بعد أن ضرب الدفاع الجوي بعض الطائرات، فهم حالوا بينهم وبين العودة إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي في تمام الساعة 7 صباحًا وأسروا الساعة 8 ونصف، ولم تستغرق المعركة دقائق حتى سقطوا. 

وهل اختلف اللقاء الأول عن الثاني بالأسرى الإسرائيليين؟
بالنسبة للأسرى في 1973 كانوا بالمئات وموزعين على مناطق مختلفة على خط بارليف ومن سلاح المدرعات ومن طياري السلاح الجوي والملاحين الجويين، ويوزعون على السجون، وإذا كانوا مجموعات كبيرة يصنفون حسب تخصصاتهم.

وفي إطار المشروع القومي لدراسة مشاعر ومفاهيم الأسرى بمبادرة من مجموعة أكاديميين على رأسهم الدكتور مصطفى زوير، قطب علم النفس ومهتم بالدراسات الإسرائيلية والشخصية الإسرائيلية، وكان مركز البحوث الاجتماعية والجنائية رئيسه بمثابة وزير، وهو زميله فتفاهم معه بالقيام بدراسة علمية للأسرى وكيف يرون قضايا الصراع والسلام، وهل ممكن إجراء سلام معهم أم مجرد كائنات أيدلوجية أفكارها ثابتة وراسخة، وكان الفريق منقسم بين علماء علم نفس وعلماء الإسرائيليات. 

هل كانت توجد آلية لنقل الأسرى ولتعامل الجنود المصريين مع الأسرى؟
نعم كانت توجد آلية لتسليم الأسير حتى تقبض عليه الوحدة التي قامت بأسره، فيتم تسليمه لضابط المخابرات الموجود بالوحدة، ويتم نقله لإدارة المخابرات، وهناك توفر له سبل الحياة الكريمة ويتم استجوابه، وضباط مخابرات الوحدة يقومون بتأمين الأسير في المقام الأول.

كيف تم إعدادكم للقاء الأسرى الإسرائيليين في حرب أكتوبر؟
تم إخطار الأسرى أن هناك فريقًا مصريًا يريد مخاطبتكم بشكل طوعي ومن يريد أن ينضم يقوم بالمساهمة من يريد التحدث، بعضهم قال أنا مستعد للحديث معهم، وتحدثت مع حوالي 50 إلى 60 شخص.

ما هو أول سؤال وجهته للأسرى الإسرائيليين؟ 
كان رؤيتهم في عدالة الهجوم المصري، ورأوه بأنه جزء من العداء بين مصر وإسرائيل ولم يكن لديهم أي فكرة حول أن مصر تريد استعادة جزء من أراضيها المسلوبة، وعندما نقبت أكثر وجدت أن هناك عملية تعتيم حول ما يحدث، لأني سألتهم لماذا لم توافقون على مبادرة الرئيس السادات لعملية السلام وهو الانسحاب لخط الممرات وبداية السلام وفتح القناة أمام الملاحة، وكان من الملاحظ أن هناك تعتيم من السلطات الإسرائيلية على الجمهور الإسرائيلي، يقلص هذه الأخبار ولا يضعها في حوار مجتمعي.

كيف كانت وجهة نظرهم في سيناء التي نجحت مصر باستعادتها؟
انقسم الأسرى إلى تيارين، الأول التيار اليساري برئاسة جولدا مائير ونجمها موشى ديان الذي حقق النصر في 1967، وديان كان قد أطلق مقولة تدل على ميوله التوسعية وهي "شرم الشيخ بدون سلام أفضل من سلام بدون شرم الشيخ"، وأن يبقون الأرض على حساب السلام وأنه يجب أن يحتفظوا بسيناء لأمن إسرائيل وهي نظرية الأمن الإسرائيلي التي في نهايتها تقود للتوسع والتمسك بالأرض.

أما الجانب الأخر من اليمينيين والمتدينين، كانوا متأثرين بمناحم بيجن والتي ترى أن سيناء جزءًا عضويًا من أرض إسرائيل حيث تحدث عنها بيجن قائلًا: "سأتخذ فيها مرقدي وأبني فيها قبري" وهؤلاء كان عندهم الهوس الأيدولوجي بالتوسع، هم كانوا بنوا مستوطنات وعاشوا فيها وزرعوا ببعض المناطق وسيروا إليها رحلات سياحية وبدأوا يستخرجوا بترول منها.

هل وجهات النظر تلك أخبرتك بمستقبل سيناء بدون حرب أكتوبر؟ 
لو تركناها كان سيبقى الوضع في سيناء مثل الوضع في الجولان، لأنه نوع من الاستعمار الاستيطاني الاحتلالي، وعملية نزف اقتصادي، كما أن الاحتلال يوفر لهم عمق أمني كبير.

كيف رأوا الجيش المصري بعد الانتصار في 1973؟
سألتهم عن نظرتهم عن الجيوش العربية وخاصة الجيش المصري، كانت نظرتهم أن الجيش العربي وخاصة المصري جيش ضعيف جدًا، وأنه يهرب أثناء المواجهة، الضابط المصري يجلس في الثكنات ويقول لقواته تقدموا وهو جالس في الخلف، بينما عندهم الضابط يقول لجنوده اتبعوني، هو يتقدم وهم خلفه، ولكن الذين رأوه أن الضابط المصري يتقدم بجنوده ورأينا أن المصريين لا يهربون ورأينا عمليات اقتحام انتحارية، ورأينا جنودًا مصريين يغلقون فوهات إطلاق النيران بأجسامهم ويتحملون دفعات من النيران، في مقابل أن زملائهم يتقدموا ويسيطرون على المواقع، فالصورة اختلفت من جيش يهرب إلى جيش يحارب ببسالة.

كيف كانت الحالة النفسية للأسرى الإسرائيليين؟
الجنود كانوا في حالة ذهول لأنه كان عنده 3 محاور للثقة العسكرية، أولها المخابرات وتفوقها، فالمخابرات الإسرائيلية تستطيع أن تكتشف أي هجوم عربي قبل حدوثه بـ72 ساعة، وقائد المخابرات إيلي زاعيرا أعطى وعدًا للحكومة الإسرائيلية في شهر مايو 1973، بأن كل الحشود التي حدثت في سبتمبر وأكتوبر هي مجرد مناورات مصرية، وأن السوريين في فزع وقلق أن يتعرضوا لضربة وهجوم إسرائيلي بتفسير يريحهم، شعروا أن هذه المخابرات المتفوقة تسأله عن القدرات المخابراتية يقول نحن فشلنا هذه المرة.

وخط التفوق الثاني، هو الطيران قادر على القضاء على أي حشود مصرية أو سورية بضربة إجهاضية، واكتشفوا ورأوا بعينيهم كل الطيران الإسرائيلي تم إسقاطه بواسطة حائط الصواريخ، والجزء الثالث هو سلاح المدرعات الإسرائيلية القادرة على صد أي حشود بعد ضربة الطيران، أن قوة الدبابات الرئيسية قد دمرت واستطاع الجندي المصري بالصواريخ المتحركة والوسائل المضادة للطائرات أن يمتعوا أي دبابة من التقدم لخط القناة، كل هذه الأسباب كونت إحساسًا بالإحباط وصورة عن أنفسهم وعن جيشهم تدمرت.

كيف رأوا مرحلة عبور قناة السويس؟
قال بعضهم كان صعب إن نوقف المصريين وكانوا قوة دفاع غير عادية، ومهما استخدمنا نيراننا كانت قوة دفاع المصريين غير عادية فحتى إذا أسقطنا دفعة كانت تلحقها دفعة أخرى، مباشرة وبسرعة من المصريين دون الخوف من نيراننا، شهادات صريحة وواضحة.

كيف كانت حالة أسرى خط بارليف؟
أسرى خط بارليف كانوا يرون الحرب أنها مذبحة واجتياح شديد، وكانوا فرحين أنهم نجوا وكانوا يمارسوا حياتهم في السجن بمنتهى السعادة، يتكلم معاك ويذهب "بنج بونج" أو من يلعب كرة طائرة ويرجع يستكمل حديثه.

كما كان يملأهم إحساس أن سلامتهم البدنية إنجاز عظيم للغاية، وسألت أحد ضباط خط بارليف هل أعجبك ما حدث لزملائك، فيقول إنه كان معه 30 بعضهم معه في السجن والآخر جرح ولا يعلم مصيرهم والباقي قتل، وعندما سألته مشاعره فاجئني قائلًا: "أنا سعيد للغاية وسط هذا الركام، إني لازلت حيًا"، فقضايا الحرب والسلام تلخصت لديهم في أنهم نجوا من الحرب.

وكيف كان اللقاء بالطيارين الإسرائيليين الأسرى في 1973؟
كان طياري سلاح الجو يلقبون أنفسهم بفرسان الجو، وكانوا في حالة ذهول شديد لأنه كان معتاد أنه يأتي إلى سيناء ليضرب ويعود أدراجه وهو مسيطر على الأجواء، ولا أحد يستطيع الاقتراب منه، وفوجئ أنه لم يقترب بأنه سقط، فإن فجميعهم سقطوا على بعد 8 كيلومترات من القناة لأن الصواريخ كانت تصطادهم من 10 و12 كيلو، ولذلك أصبحوا في حالة فزع أن مصر أصبحت شيء آخر غير المعتاد عليه، وغير التي كان يطير فوقها في عام 1967، فلم يتوقعوا أنهم سيسقطون، لإحساسهم بأنهم فرسان الجو الذين لا يقهرون ولا طائرة تستطيع ضربهم ولا سلاح أرض، ليفاجأ بأنه يقع ومنتهى أماله أن يسقط نفسه والباقين يتحدثون عن زملائهم الذين ماتوا بآسى شديد ولغة كلها أحزان.

هل يمكن أن تصف لنا أحد حوارات الطيارين الإسرائيليين معك؟ 
قال لي أحدهم: "أنا الطيار والملاح رفيقي طرنا فوق القناة مائة مرة قبل ذلك وضربنا أهداف وعدنا في أمان، ولكن وجدنا نفسنا في الحرب إما أن ألحق أن أخرج من الباراشوت وإما لا، وفي الطيارة المقابلة وجدت زميلي الذي أسهر وأكل وأنام بجواره لم يستطيع الخروج بالباراشوت، الطيارة يتم تدميرها ويناديه أخرج يا يوري ولكن يوري لا يستجيب".

هل غيرت أكتوبر من مفاهيم الأسرى الإسرائيليين؟
وصلوا لقناعة أن مصر لا يمكن الحلم بأنك ستجلس بها للأبد، لأن هذا شعب ودولة مختلفة، فالمصريين قادرين أنهم يفعلوا هذا مرة ومرتين وثلاثة.

والتفكير الإسرائيلي بعد الهزيمة تحدث به تغير كبير، فمناحم بيجن الذي كان يرى أن سيناء جزء عضوي هو من وقع على اتفاقية السلام، والابتعاد عن الخطر المصري وعندما قدم المعاهدة في الكنيست صوت معظم الكنيست وافق ولم يرفض غير من 18-20 فردًا، كان منهم شارون الذي كان وزير في هذا الوقت، فالقلة ظلت متشبثة بأنه كان الأفضل أن يبقوا في سيناء، ولكن الأغلبية العظمى فكرها تغير، لم يكن لدى الأسرى أي بارقة أمل إلا واحد فقط رأى المستقبل بأن أمريكا سوف تساعدهم فهو كان الأمل الوحيد الذي علق عليه آماله، منتظرين النجدة والعم سام يأتي لينقذ جيش إسرائيل.

هل رأيت بكاء أو تأثر عندما حاورت الأسرى؟ 
كانت دموعهم قد جفت حيث كانت مقابلتي يوم 8، وبدأوا يشعرون بالرضا أنهم خرجوا من المعركة بشكل سليم، كان فيه انهيارات نفسية شديدة وبكاء ونحيب فور أسرهم، وكانوا في حالة ذهول شديد بأنه أمام ضابط مصري يقدموا له تعظيم سلام.

ويذهب الجندي الإسرائيلي يسلم نفسه ممسكًا علم أبيض ووجوههم منكمشة ومنكسرة، وفي الصور يتضح أنه فور اعتقالهم كانوا منكمشين ووجوههم كلها بؤس وانكسار، وعولجوا بعد ذلك في مستشفيات نفسية هناك وحتى الآن هناك البعض يعانون من مشكلات نفسية، وانهيارات نفسية وانكسار نفسي عميق.