اليوم التّاسِع من شهر رَمَضَان المُعَظَّم 1441هـ

أبراج

اليوم التاسع من شهر
اليوم التاسع من شهر رمضان المعظم 1441



*الباب الأوّل (المُصنّفَات العلميّة فى مُشكلات الأحلام)

**المسائل التى يُثيرها البحث العلمى فى ظواهر الحلم يُمكن تبويبها فى الفصول التالية....

5-الخصائص السّيكولوجيّة المُمَيّزة للحلم.
6-الحاسّة الخُلُقيّة فى الحلم.
7-نظريّات الحلم ووظيفة الحُلم.
8-العلاقة بين الحلم والأمراض العقليّة.

5-الخصائص السّيكولوجيّة المُمَيَّزَة للحُلم:
يبدأ هذا الفصل بتعريف الحلم بأنه نتاج نفسى خاص بالشخص الحالم ، لكن الناس لايعترفون بهذا التعريف على هذا النحو فهم يقولون "أتانى حلم" أو "حلمت حلماً" على فرض أن الحلم دخيل علينا ولسنا مسئولين عنه ، إلا أن الطبيب النفسى فخنر يُفسّر هذا الفرق بأنه على الرغم من أن الحلم نتاج نفسى خاص بنا إلا أن (مسرح الحلم غير مسرح الحياة الفكرية المُستيقظة) فلو كان مسرح النشاط النفسى أثناء النوم إمتداداً للحياة الفكرية أثناء اليقظة مع بعض الخفوت فى الشدّة لما أصبح حلماً ، فأفكارك فى اليقظة تكون مُجرّد أفكار بدون صورة ، أما أثناء النوم فالحلم يغلب عليه الصور وبعض الأحيان الصوت ، فالفارق أننا عندما نفكر أثناء اليقظة ونقطع أفكارنا نكون على وعى بأننا كنا فى مرحلة "حلم اليقظة" ، بيما حلم النوم لانُدرك أنه حلم إلا بعد أن نستيقظ من النوم.

أما بورداخ فيفرّق بين الأفكار "أحلام اليقظة" وأحلام النّوم بأن الأفكار والتصوّرات أثناء اليقظة هى نشاط نفسى ذاتى لأن ملكاتنا العقلية الإدراكية تنظر إلى خيالنا بنظرة موضوعيّة واقعيّة ، بينما النوم يعنى إبطال سلطة الذّات و الإستسلام للنوم ، فالشرط فى إنبعاث الصور التى تصاحب النوم هو نقصان سلطة الذّات.

أما دلبوف فيرى أننا نعتقد أن صور الحلم موجودة فى الحقيقة فنحن نرى وردة ونلمسها ونشم عطرها فى الحلم  ولانعرف أننا كنا نحلم إلا عندما نستيقظ لنتبيّن أن تلك الوردة كانت وهماً ، فالمعيار المتين الذى يفصل الحلم عن اليقظة هو اليقظة نفسها والتى نعرف من خلالها أننا كنا نحلم ، وعلى ذلك فنحن نأخذ الصور التى نراها فى الحلم وكأنها حقيقة بسبب عادة فكريّة هى إفتراضنا وجود عالم خارجى "الواقع" يُعارض الأنا.

على أن النفس لاتنقطع تماماً عن العالم الخارجى وإنما ترتد إلى حافة نفسها ، فهذا الإنقطاع عن العالم الخارجى لاينقطع تماماً فأنت بوسعك أن توقظ شخصاً نائماً إذا ناديته بإسمه بصوتٍ مُرتفع ، أو أن تستيقظ إن كنت طحاناً وتوقف صوت ماكينة الطحن عن العمل.

ويُورد فرويد بعضاً من رأى الكُتّاب فى الحلم فهيجل يرى أن الأحلام تخلو من أى تناسق موضوعى أو معقول ، ويقول دوجا أن الحلم هو الفوضى النفسيّة التى تمارس عملها دون ضابط ولاهدف ، وفولكت يقول بأنها حالة التفكك والإختلاط التى تُصيب الحياة الفكرية بعد ترابطها فى حياة اليقظة بفعل القوة المنطقيّة ، ويقول بنتس أن من بين كل عشرة أحلام تسعة لا معنى لها ففى الحلم يتم الربط بين أشخاص وأشياء لامعنى لترابطها ثم ينقلب المنظر فجأة لنكون فى أماكن أو مع أشخاص أكثر جنوناً لنستيقظ ونبدأ فى التساؤل ألا يُمكن أن تكون أحلامنا معقولة الحدوث ؟

إلا أنّ فرويد يظن أن للأحلام معنىً دفيناً فيورد رأياً للدكتور سولّلى يقول فيه "أحلامنا وسيلة نحفظ بها الشخصيات المتعاقبة القديمة التى تمر فى حياتنا ، فنحن حين نكون نياماً نرجع إلى طرائقنا القديمة فى النظر إلى الأشياء والتأثر بها ، وإلى إندفاعات وأصناف من النشاط كانت تسيطر علينا منذ زمنٍ قديم" ، ويُساند رأيه هذا دلبوف الذى يقول أن كل مَلَكَات النفس تكون حاضرة "كالذكاء والذاكرة والإرادة وتكون هى نفسها أثناء النوم كمافى اليقظة ماعدا الإدارك الحسى عن طريق الحواس والذى يكون مُعطّلاً أثناء النوم" إلا أن تلك المَلَكَات تنطبق على موضوعات مُتخيّلة لاثبات فيها فالحالم يظهر كيفما يرغب فقد يكون قزماً أو عملاقاً ، قوياً أو ضعيفاً.

وهكذا يتفاوت تقويم الحلم فى كونه نتاج نفسى بين من قيّموه بأنه يتقدّم على وظائف حياة اليقظة من جهة ، وبين من حقّرو الحلم إلى أقصى تحقير لحد التفاهة وعدم الإلتفات إليه ، وبين هذيْن الرأييْن يُقدّم هيلد برانت رأيه المُتّزن بين الرأييْن بأن فى الحلم تحدث إشتداد للحياة النفسيّة للحالم فتسمو به إلى حد المهارة الإعجازيّة أو تهبط به لأسفل سافلين دون المستوى الإنسانى ، فهناك من يكون حلمه سامياً شاعرياً يمتاز بالفن والرّقّة أو فكاهة ونكتة لا يُمكن مُنافستها لنستيقظ ونتعجّب بأن عقلنا فى الواقع لم يأتِنَا بمثل تلك الأفكار الجميلة الرّاقية ، وهناك من يكون حلمه مُعبّراً عن إنحطاط الحياة النفسيّة إلى أسفل درك ، وهذا ما يذكره شوبرت من أن الحلم هو خلاص للروح من سجن الطبيعة الخارجيّة وتحرير للنفس من أغلال الحواس الخمس.

أما عن ذاكرة الحلم فهى إضافة لمُقوّمات الحلم وسبق الكلام عنها ، فقد نجد أنفسنا فى زمان أو مكان لم نكن فيه طوال حياتنا لكننا قرأنا عنه فى كتاب أو سمعناه فى محاضرة ، وأخيراً فما يُقال عن قوّة الأحلام عن الإنباء بالغيب فهو موضع تنازع بين الآراء ويُحسن الكاتب صنعاً إذا تجنّب إنكارها خاصةً إذا كانت مُسجّلةً من الواقع ، رغم إمكانيّة تفسير بعض الحالات طبقاً لتعليل سيكولوجى فى الفصول التالية.

*المصدر: كتاب تفسير الأحلام لسيجموند فرويد ، تحت إشراف الدكتور مُصطفى زيور 1969.