عامر صالح يكتب.. حسنًا "2020" لم تكن الأسوأ على الإطلاق

ركن القراء

عامر صالح
عامر صالح


عُد العام 2020م هو الأسوأ على الإطلاق للكثير من البشر، فذلك العام قد شهد العديد من الكوارث المتتالية، ما بين أزمات اقتص ادية طاحنة وحروب عالمية كادت على وشك أن تندلع، وكوارث سببتها عوامل بيئية عجز البشر عن التصدي لها، حتى كان الأمر قد استفحل وزاد حين ظهرت واحدة من أقسى جوائح العصر الحديث المرضية المتمثلة في فيروس كورونا وما ترتب عليه من فرض حجر صحي شامل وحظر للتجوال وتغليق العديد من المدن غلقًا شاملًا، وذلك في سبيل محاصرة مرض راح ضحيته آلاف الأرواح من البشر على مستوى العالم، لكن ورغم ذلك فالعام 2020م لم يكن هو الأسوأ على الإطلاق فهناك العام 536 ميلاديًا، والذي أطلق عليه عام السماء السوداء والذي شهد حوادث أشد فتكًا مرت بها البشرية. 

رصد لنا المؤرخ البيزنطي بروكوبيوس الذي عاش في الفترة من 500 حتى 560م جزء بسيط من الأهوال التي مرت بها البشرية في تلك الفترة حيث ذكر أن الشمس كانت تشرق خلال هذا العام لكن دون سطوع، وكأنها في حالة كسوف دائم، فلم تصل أشعتها للأرض تاركة إياها ضحية لعدد من الاوبئة المميتة. 

وربما لو كان بروكوبيوس قد تحدث عن ذلك الأمر منفردًا لعُد ذلك الأمر في عداد الأمور التي يجب الحذر منها وعدم الأخذ تماما بمصداقيتها، لكن شخصًا آخرًا ذكر تلك الواقعة وهو الكاتب البيزنطي ميخائيل السوري فقد ذكر قائلًا: 

"مرت الشمس بكسوف دام ثمانية عشر شهرًا، لم يكن هناك ضوء للشمس سوى في ثلاث ساعات صباحًا، لقد كان ضوءًا ضعيفًا لا يشبه النهار الذي نعرفه، ولا حتى الليل" 

ولقد أكدت العديد من المصادر على تلك الواقعة التي تعرضت لها منطقة حوض البحر ولقد زاد هذا التأكيد حين أجرى بعض خبراء الجيولوجيا العديد من الدراسات حول طبيعة الأرض في تلك المرحلة فاكتشفوا دليلًا يؤكد حدوث انفجار بركان هائل، ربما يكون هو السبب الرئيس في ترسيب رماده في السماء والذي كان سببًا لحجب ضوء الشمس وحلول الظلام في هذا العام، وهو ما دفع بالمؤرخين إلى إطلاق عام السماء السوداء على ذلك العام 536 ميلاديًا. 

لقد ترتب على ذلك الظلام، وعدم وصول أشعة الشمس إلى الأرض، حدوث تأثير سلبي على كافة مناحي الحياة، فتأثرت الزراعة ومن قبلها المناخ، فانخفضت حرارة الأرض حتى وصل الانخفاض إلى نحو درجتين مئويتين، وترتب على ذلك حدوث العديد من الكوارث والمجاعات فالحرارة المرتفعة كانت تساعد على نضج الثمار والفاكهة وهو ما لم يحدث، فلم تنتج الأرض الغذاء الكافي للسكان، وصار الأمر كارثيًا حلت به على رأس البشرية كوارث جمة. 

وعلى ذلك المنوال صارت المصائب تضرب البشرية تباعًا، ففترة حكم الامبراطور البيزنطي جستنيان الذي حكم فترة تراوحت بين 527 حتي 565 م قد اعتبرها المؤرخون عهدًا من عهود الشؤم والدمار والذي كان من مظاهرها الطاعون القاتل الذي شهدته الامبراطورية البيزنطية في العام 536 ميلاديًا، فقد شهد ذلك العام أيضًا جائحة مرضية تمثلت في موجة طاعون قاتل اجتاحت الامبراطورية البيزنطية، ودومًا كان الطاعون هو المرض الأقسى على الإطلاق، فقد كان منجله لحصاد الأروح قادرًا على إزهاق ما يزيد عن الخمسة آلاف نفسًا يوميًا، فقد ذكر المؤرخون المعاصرون واللاحقون في ذكر تلك الجائحة أن اليوم الأول من الطاعون قد شهد نحو خمسة آلاف ضحية، بينما كان اليوم التالي أشد عنفًا فقد توفى ضعف هذا العدد، حتى كان اليوم الرابع وقد راح ضحيته نحو ثمانية عشر ألف ضحية، ولم يعد هناك قيمة لعمل تعداد للموتى حين فاق عددهم الـ ثلاثمائة ألف قتيل. 

لقد أتى ذلك الطاعون على الأخضر واليابس، فلم يستثني أحدًا إلا وقد وقع تحت براثنه فبدأ بمهاجمة الفقراء، ثم التجار، ثم ولى شطره نحو النبلاء في القصر الجمهوري، كثرت الضحايا، لم يعد هناك مكانا للجميع ليستوعب دفنهم، فألقيت العديد من الجثث في البحر، ولكن الشاطئ قد امتلأت بهم بعد أن تكفلت موجات المد والجذر بإعادتهم، لقد بث هذا المرض الرعب في قلوب أشجع الرجال، فكان الأمر الامبراطوري بأن يتم التخلص من جثث الموتى بنقلهم خارج المدن، لكن هذا الأمر لم يكن مجديًا فجميع من تولوا عملية النقل أصيبوا بالمرض، ولقوا حتفهم. فكان هذا العام عام رعب حل على رأس الامبراطورية البيزنطية. 

الشرق الأقصى لم يسلم من كوارث هذا العام أيضًا وبالطبع كانت الصين ذات التأثير الأكبر والأكثر غرابة كما هي العادة دومًا، ففي نفس ذلك العام سجلت المصادر التاريخية تساقط مادة تشبه الرماد الأصفر من السماء على الصين، ورغم التطور الذي حدث وعدد السنون التي مرت إلا أن العلماء وحتى الآن لم يتوصلوا إلى طبيعة تلك المادة التي شهدت الشهور الأولى من العام 536 م تساقطها. 

لقد تسببت تلك المادة في حدوث تغيير مناخ جذري، حيث تساقطت الثلوج الكثيفة خلال أشهر الصيف، وبانتصاف شهر الصيف كان الصقيع قد دمر المحاصيل الزراعية والتي كانت تحتاج إلى درجات حرارة عالية لتنضج، فأدى ذلك إلى حدوث مجاعة كبرى أودت بحياة ما يقرب من الـ70% من سكان الصين بجانب نفوق الألاف من الطيور والحيوانات نتيجة الانخفاض المستمر في درجات الحرارة. 

وعلى صعيد آخر وفي طرف بعيد من الكرة الأرضية كانت أيرلندا تعاني من انعدام الخبز وندرة وجوده في مجاعة شهدتها تلك المنطقة كما أن سكان العديد من المدن الإسكندفانية قد تحدثت عنهم المصادر التاريخية ذاكرة أنهم قد غادروا مدنهم دون سبب واضح حتى كان آخر التفاسير التي ظهرت بأن نيزكًا قد ضرب تلك المنطقة، مسببًا هجرة سكانها لها 

لقد كان هذا العام عام جوائح وكوارث، سجلت بين طيات المصادر التاريخية بحروف وَصفت بنوع من الدقة ما مرت بها الأرض في ذلك العام فالمؤرخ الروماني قد ذكر قائلًا: 

"يعد هذا العام من الأعوام الغريبة، فنحن لم نعتد على هذا الشتاء القارس، كما أن الصيف أتى دون حرارة، وحدث جفاف غير محتمل، حرمنا من المطر، قلت خصوبة الأرض، اختفت الثمار، أما الضباب فقد تكاثف في السماء مانعا عنا الضوء" 

وفي النهاية وبرغم أن العام 2020م يعد هو الأصعب من وجهة نظر العديدة إلا أن سبل النجاة تعد هي الأسهل فتوافر العديد من وسائل الاتصال قد ساعد على سرعة تناقل وإن كانت تلك الأخبار قد لعبت دورًا سلبيًا في بعض الأحيان إلا أنها وفي أحيان كثيرة لعبت ومازالت تلعب الدور الأكبر في النجاة.