حكايات الخديوي.. الحب والزهد أضاعا العرش وأهديا القصر لمصر

أخبار مصر

بوابة الفجر


مصر في عهد محمد علي باشا، الذي وصل لسدة الحكم بإرادة ورغبة شعبها، انتقلت ظلام العصر العثماني، إلى حقبة جديدة اتخذت فيها من الحداثة منهجًا، حتى تلقب العصر بالحديث، وتلقب صاحبه بـ "باني مصر الحديثة"، وسار أبناء أسرته على نهجه، وفي سلسلة أطلقتها الفجر نحكي حكايات هذه الأسرة وأفرادها واليوم مع حكاية الأمير العاشق.

"أيتها الحلم ما أتعسني بعيدا عنك.. القصر الذي أعيش فيه أشد وحشة من كوخ صغير.. المجد الذي حولي هو ذل وهوان بدونك.. إنني أكره كل شيء حولي لأنني لا أحب سواك.."

كشف لنا الدكتور ولاء الدين بدوي مدير عام قصر المنيل، عن سر تلك الكلمات التي تقطر عشقًا وولهًا وحبًا، حيث قال إن هذه العبارات هي التي ودع بها الأمير كمال الدين حسين عرش مصر وتنازل عنه لأجل من أحبها.

وتابع بدوي في تصريحات إلى لفجر، الأمير كمال الدين حسين هو ابن السلطان حسين كامل 1874- 1932م وأمه هي عين الحياة ابنة الأمير أحمد رفعت باشا أخو الخديوي إسماعيل وابن ابراهيم باشا، وكان متزوجًا من الأميرة نعمت الله توفيق ابنة الخديوي توفيق، ولم يرزق منها بأطفال.

وتبدأ القصة عندما اندلعت الحرب العالمية الأولي 28 يوليو 1914م وأعلن الانجليز الحماية البريطانية على مصر وتم عزل الخديوي عباس حلمي الثاني، وتنصيب حسين كامل سلطانًا على مصر، وعندما عرض السلطان حسين كامل ولاية العهد ووراثة العرش على ابنه الأمير كمال الدين حسين كان هذا رده:

"قد تفضلتم عظمتكم فأعربتم لي عن رغبتكم في أن تكون وراثة عرش السلطنة المصرية منحصرة في الأكبر من الأبناء، ثم من بعده لأكبر أبنائه وهكذا على الترتيب، وإني لأذكر لعظمتكم هذه المنة الكبرى لما في هذه الرغبة من التشريف لي، على أني مع إخلاصي التام لشخصكم الكريم وحكمكم الجليل مقتنع كل الاقتناع بأن بقائي على حالتي الآن يمكنني من خدمة بلادي بأكثر مما يمكن أن أخدمها به في حالة أخري، لذلك أرجو من حسن تعطفاتكم أن تأذنوا لي بالتنازل عن كل حق أو صفة أو دعوى من الممكن أن أتمسك به في إرث عرش السلطنة المصرية بصفتي ابنكم الوحيد، وإني بهذه الصفة أقرر الآن تنازلي عن كل ذلك".

وقال بدوي، ذهل الملك، ولم يدر بما يجيب ابنه، إلا أن الأمير الصغير أصر على موقفه، ومضت السنون بالأمير الزاهد في حكم مصر إلي أن بلغ من العمر 58 عامًا حيث داهمه المرض الذي استدعى دخوله المستشفى.

وأدخل الأمير مستشفى "الأنجلو أمريكان" في القاهرة وكان في حالة صحية متدهورة، وأوصى الأطباء ببتر إحدى قدميه إثر جلطة خطيرة أصابتها، ولكن الأمير طلب تأجيل العملية إلى حين يكتب وصيته التي أوصى فيها بقصره لزوجته "نعمة الله" صغري بنات الخديوي توفيق والتي توفيت عام 1955م.

وتابع بدوي، بعد إجراء العملية وقبل أن يتماثل للشفاء أصر على السفر إلي فرنسا رغم رفض الأطباء وسافر ضاربًا بكل النصائح الطبية عرض الحائط وتوفي في تولوز بفرنسا في 6 أغسطس 1932 بعد حوالي 4 شهور من إجراء العملية عن عمر يناهز 58 عامًا، وكانت وصيته أن يدفن في قبر بني له خصيصًا في تلال المقطم بالقرب من سكن الدراويش.

فيال ديمنييه تكشف الأسرار

وقال ولاء الدين بدوي مدير عام متحف قصر المنيل، ظل رفض الأمير لعرش مصر سرًا غامضًا حتى ظهرت سيدة "فيال ديمنييه" بعد وفاة الأمير والتي كشفت سر تنازله عن العرش.

وبدا الأمر حين أرسلت السيدة الفرنسية "فيال ديمنييه" تلغرافًا إلي الملك فؤاد الأول تخبره أنها زوجة الأمير وأنها أنجبت له ابنًا وتبحث عن ميراثه، وكان الملك فؤاد الأول قد ورث مليون جنيه، عن الأمير كمال الدين حسين، حيث أن الأمير لم يكن قد أنجب من زوجته الأولي "نعمة الله" مما يجعل ابن السيدة ديمنييه هو الوريث الشرعي الوحيد للأمير.

وتابع بدوي، جاء محام فرنسي موكلًا عن الزوجة الفرنسية، وطلب مقابلة الملك فؤاد الأول وأخبره بزواج الأمير كمال الدين حسين من حبيبته الفرنسية مدام ديمنييه في 5 مايو 1924م وأنها تعتبر الوريثة الوحيدة له بعد أن أنجبت منه ابنا.

ولكن الملك فؤاد الأول رفض الاعتراف بالزواج وأخبر المحامي الفرنسي أنه لا يُعترف إلا بالزواج الذي يقره مجلس البلاط الملكي، وأي زواج سري لا قيمة له، ولكن المحام لم يستسلم لما قاله الملك فؤاد الأول وقرر اللجوء للمحاكم المختلطة في الإسكندرية ليطالب بميراث زوجة كمال الدين حسين التي تزوجها في فرنسا.

واستطرد بدوي قائلًا، كانت المفاجأة هنا حين تقدم المحامي بالخطابات الغرامية التي أرسلها الأمير المصري إلي حبيبته الفرنسية والتي يؤكد فيها أنه تنازل عن العرش من أجلها.

الخطاب الأول في 3 أبريل عام 1915 

وكتب الأمير فيه يقول "أيتها الحلم ما أتعسني بعيدا عنك، القصر الذي أعيش فيه أشد وحشة من كوخ صغير، المجد الذي حولي هو ذل وهوان بدونك، إنني أكره كل شيء حولي لأنني لا أحب سواك، إن والدي السلطان حسين كامل عرض على اليوم أن أكون ولي عهده، أي سخافة تلك، إن معني ذلك أن افتقدك ولا أستطيع أن ألقاك كما أشاء وأين أشاء؛ وحين قلت له "لا"؛ ذهل ولم يفهم لأنه لا أحد في الدنيا يمكنه أن يتخيل أن حبك عندي هو حلمي الوحيد في الحياة، حتي أنني بين ذراعيك أنسى أنني أمير وأشعر أنني عبد، أريد أن تنتهي الأزمة بيني وبين أبي لأحضر إليك خصيصا لأعانقك".

وأشار بدوي، أن نشر الخطابات الغرامية توالى، التي أوضحت أن أسباب تنازل الأمير كمال الدين حسين عن عرش مصر كانت رومانسية بحتة، فقد نسج الحب خيوطه بين الأمير ومحبوبته الفرنسية وفسرت الخطابات أيضًا سر تهديده لوالده بالانتحار وإطلاق الرصاص على نفسه وسر سفره المفاجئ إلي فرنسا عقب انتهاء الحرب العالمية الأولي.

وختم بدوي كلماته قائلًا، في النهاية لا أعرف على وجه اليقين الحكم الذي توصلت له المحاكم المختلطة في ذلك الوقت فيما يتعلق بميراث "مدام فيال ديمنييه" الزوجة الفرنسية للأمير العاشق كمال الدين حسين ولم تتوافر أي معلومات عن ابنه الذي ربما يكون مازال حيًا يرزق في فرنسًا.

والجدير بالذكر أن حالة الزهد التي انتابت الأمير كمال الدين حسين يبدو أنها انتقلت لزوجته الأولي الأميرة نعمة الله، التي عاشت حياة زهد وتقشف أثناء إقامتها في القصر الذي أوصى لها به الأمير الزاهد ويرجع ذلك لاهتماماتها الصوفية وحياة التأمل التي عاشتها، حتى أنها قررت الانتقال لمبنى صغير مجاور للقصر وأهدته إلى وزارة الخارجية المصرية في العام 1930 وهو القصر الكائن في ميدان التحرير أمام جامعة الدو ل العربية حاليًا.

وكانت تلك الحلقة الثانية من حكايات الخديوي ويمكن الاطلاع على الحلقة الأولى من هنا