د. رشا سمير تكتب: حظر ده ولّا مش حظر!

مقالات الرأي



حاولت أن أخلد إلى النوم مثل أى مواطن بائس يُعانى من حظر بالبيت صباحا ويحتاج إلى نوم هادئ فى المساء حتى لا ينهار صموده، ففوجئت بشركة مقاولات تُدعى (بيرفكت كواليتى) تعمل باللودارات وآلات تكسير الأسفلت القديم ورصف الشوارع فى قلب منطقة سكنية ليل نهار دون توقف دقيقة، ودون مراعاة لصغير أو كبير أو صحة المواطن النفسية..

نزلت إلى الشارع لأدعوهم لتأجيل العمل حتى الصباح، فكان ردهم بكل برود وتبجح: «للأسف مش هينفع نبطل شغل، إعملوا اللى أنتم عايزينه!»، اتصلت بشرطة النجدة التى تعاطفت بشدة مع موقف قاطنى المنطقة، وكان ردهم: «طبعا يافندم غير مسموح العمل بهذا الشكل، هنبعت لكم عربية نجدة حالا»، تفاءلت وانتظرت ساعتين أعدت فيهما المكالمة أربع مرات أخرى، ولم يأت أحد!.. فعدت إلى البيت وقد فوضت أمرى إلى الله سبحانه وتعالى عله ينقذنا.. فى طريقى للمنزل، أدركت مما شاهدت معنى الجُملة التى قالها لى المهندس المسئول (إعملوا اللى أنتم عايزينه)!..

نعم.. المواطن المصرى يتعامل بنظرية (كل واحد يعمل اللى هو عايزه)، دون مراعاة لمشاعر الآخرين، دون وعى، دون تفكير، ودون احترام.. فقد رأيت الشباب فى منتصف الليل جالسين فى سياراتهم وصوت الأغانى على آخره، يتسامرون ويزعجون الدنيا دون مراعاة لأهالى المنطقة السكنية وكأنهم فى وضح النهار!.. فهذا ابن فلان، وهذا ابن علان وذاك بلطجى النادى النبطشى وإن كان عاجبنا!.

تساءلت: أى حظر هذا؟ وتذكرت انفعال فخامة رئيس الجمهورية على العمال الذين لم يرتدوا الماسكات فى المواقع وكأنهم فى عالم مواز، إذن لا رادع شخصى ولا ضمير يحتم علينا مراعاة الموقف، أين القانون؟ وأين الدوريات؟ وأين نحن أنفسنا من هذه المأساة التى أدرك العالم كله خطورتها إلا نحن..

احترم بشدة تواجد الرئيس فى الشوارع بنفسه ولكن هل هذا هو الحل؟

الواقع أن ما نحن فيه أشبه بالكابوس، كنت أظن فى البداية أن الجهل هو سبب اللامبالاة والتسيب الأخلاقى، وعدم الوعى، ولكن عندما رأيت صور سكان الكومباوندات الذين قرروا إقامة بازار للترفيه عن أنفسهم، وأصحاب شاليهات العين السُخنة والساحل الذين قرروا أن الصيف وصل بدرى حبتين، والاحتفالات المُقامة فى الحدائق العامة، والتكالب على تخزين المواد الغذائية وكأن يوم الحشر على الأبواب!.. كل تلك الصور جعلتنى أُغير وجهة نظرى، فالزحام وعدم الوعى لا يأتى فقط من الطبقة البسيطة التى ترتزق اليوم بيومه، لكنها صورة هزلية تصدر المشهد فيها طبقة الُمرفهين، أولاد الناس، وأغنياء الدولة.. الطبقة التى كانت على أبواب العزومات والخيم الرمضانية ومن بعدها فقرة الساحل وحُرمت منها.. حتى المراكز التجارية فتحت أبوابها والناس تتسوق لكسر الملل بالآلاف.

ما يحدث فى مصر فى منتهى الخطورة ومأساوى أكثر من المأساة نفسها..

يا سادة لو تفشى الوباء فى مصر مثلما حدث فى التاريخ البعيد وقت الطاعون، لأصبحنا فى كارثة حقيقية، سيموت الآلاف وسينهار اقتصاد الدولة التى لازالت تحاول التعافى من هزائمها الاقتصادية فى السنوات الماضية.

أتمنى من كل قلبى أن تكون الحكومة (حاطة فى بطنها بطيخة صيفى) لسبب لا نعلمه، ودعواتى لهم أن يُعينهم الله على شعب لا يُبالى..

انحنى احتراما للدول التى استطاعت أن تسيطر على الوضع قبل تفاقمه مثل لبنان وتونس والأردن والمغرب وغيرها وبرغم الحظر الكامل تزداد الحالات فيها، فماذا عنا؟..

إن صورة تجمهر أهالى الدقهلية لمنع دفن الطبيبة بدون ماسكات ولا قفازات ولا الهوا، هى صورة مؤلمة ومُخزية ومُهينة، وهى بكل أسف صورة منبعها الجهل والخوف والتضليل.. وعلى الصعيد الآخر صورة نجوم مسلسل (البرنس) وهم مجتمعون فى كتلة بشرية بدون ماسكات ولا قفازات للاحتفال بانتهاء تصوير المسلسل، هى صورة أكثر أسفا وأكثر جهلا لأنها تأتى من نُخبة يعتبرها الجمهور قدوة.. الحقيقة هما وجهان لعملة واحدة رديئة!.

أتعاطف غصبا عنى مع المتزاحمين بسوق العتبة لشراء الدواجن ليوفروا جنيهات قليلة لأنهم غلابة بجد، وأشعر بالغضب الجم تجاه الأغنياء خريجين الجامعات الأجنبية وأصحاب اليخوت وهم يهددون المسئولين بالقُرى السياحية ويتشاجرون مع رجال الأمن فى الشوارع لكسر القانون. تُرى.. وماذا عن شم النسيم؟!.. أتخيل الصورة من الآن وأضحك!.. يكفينا أن كل من عنده كاميرا فى هاتفه المحمول قرر أن يُطلق سراح الفنان بداخله بعمل فيديوهات واهية تؤكد أن محاربة الكورونا بالفسيخ هى الحل (الغوث بصوت يوسف وهبى)!.

فى النهاية، أرفع يداى إلى السماء وأدعو الله ليحفظ مصر التى ذكرها مرارا فى قرآنه الكريم.. فهو الحافظ دون غيره.. الله هو المنقذ فادعوه جميعا فى صلواتكم (فى المنزل) ليرفع عنا البلاء..

فى النهاية أدعو الدولة إلى تفعيل القانون بقوة مع مُخالفى الحظر ومراعاة الصحة النفسية للمواطنين الذين احترموا الحظر ولزموا بيوتهم..

وفى النهاية أتوجه بسؤالى إلى كل مصرى بالغ عاقل رشيد: حظر ده ولا مش حظر يا متعلمين يا بتوع المدارس!