"هنا أطعموها وهناك قتلوها".. القطط والكلاب في مصر وأوروبا منذ 700 عام

أخبار مصر

شريف شعبان
شريف شعبان


ضربت الحضارة الإسلامية على مر تاريخها أروع الأمثلة في رعاية الحيوانات بشكل عام، بدءًا من التوصيات الدينية الصريحة، حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم عن إطعام القطط مثلًا: "إنهن من الطوافين عليكم والطوافات".

ثم حكى صلى الله عليه وسلم عن مرأة دخلت النار في هرة حبستها، لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض، وكذلك أخبر صلى الله عليه وسلم عن رجل دخل الجنة في كلب، سقاه من أن رآه يعاني العطش. 

الأمثلة السابقة كثيرة للغاية في السنة النبوية، بل إن علماء الفقه الإسلامي قرروا فدية دم على من يقتل حيوانًا من دون ذنب جناه، ووضعوا شروطا قاسية للتخلص من الحيوان في حال كان ضارًا بالبشر ككلب أصيب بسعار أو خلافه. 

وعبر التاريخ نجد أمثلة تعكس ذاك الاهتمام على عالم الحيوان، حيث تصلنا الأخبار عن اهتمام المسلمين بشكل عام بالحيوانات الأليفة وخصيصًا الكلاب والقطط، وقد يكون ذلك عكس ما حدث بأوروبا في عصورها الوسطى. 

يقول الدكتور شريف شعبان، المتخصص في علم الآثار: إن أوروبا بالقرن الثالث عشر الميلادي، أي منذ ما يقرب من 700 عام صدر بها مرسوم من بابا الفاتيكان جريجوري التاسع Vox in Rama، يعتبر فيه أن الشيطان يتجسد على شكل قطط وخاصة القطط السوداء، وذلك في إطار موجة محاربة المهرطقين والسحرة التي ضربت أوروبا في هذه الآونة. 

وأضاف في تصريحات إلى "الفجر"، أنه انطلاقًا من المرسوم الباباوي تحولت القطط إلى حيوان مكروه في أوروبا، وباشر الأوروبيون ملاحقة وقتل القطط السوداء، كما تتبعت محاكم التفتيش كل من يملك قطًا أسود بتهمة التعامل مع الشياطين، ثم توسعت المذابح لتشمل جميع القطط، وفي فرنسا تحول قتل القطط لهواية، وفي مناطق أوروبية أخرى أقيمت مهرجانات لإبادة القطط أهمها مهرجان بإيبر ببلجيكا. 

وتابع أن الفئران انتشرت بشكل ملحوظ، وذلك بسبب اختلال التوازن البيئي، والفئران هي الناقل الأساسي في هذا العصر لمرض الطاعون، الذي انتشر كالنار في الهشيم وأكل ملايين الأوروبيين، وإن كان بعض المؤرخين يرفضون هذا الربط بين الأمر بإبادة القطط السوداء وانتشار الطاعون حيث أن الفاصل الزمني بين إصدار المرسون وضرب أوروبا بالطاعون مائة عام، كما أنه ظهر في دول بعيدة عن أوروبا مليئة بالقطط. 

وأورد أنه في المقابل هنا في مصر، كان هناك حدث آخر يجري وأيضًا منذ ما يقرب من 700 عام، حيث قام السلطان الظاهر بيبرس بعمل وقف خيري لرعاية القطط بحديقة أُطلق عليها "غيط القطط"، وكانت تقع إلى جانب مسجده الذي لا زال قائمًا إلى اليوم، في القاهرة. 

وأردف "شعبان"، أن رجلا إنجليزيا شهيرا، ليس من أهل القاهرة، وهو المستشرق والرحالة الإنجليزي، إدورد وليم لين، نقل لنا حكاية وقف القطط، وقد أبدى لين دهشته في كتابه "المصريون المحدثون شمائلهم وعاداتهم في النصف الأول من القرن التاسع عشر" عما رآه من اهتمام المصريين بالقطط. 

وواصل، أن "ليم" ذكر أنه "كانت القطط الشريدة في مصر تُطعم على نفقة القاضي، حيث يوضع في الساحة الكبرى أمام المحكمة عصر كل يوم مقدار من سقط الذبائح وتدعى القطط معًا لتأكل". 

ولفت إلى أن السلطان الظاهر بيبرس البندقداري، قام بوقف حديقة على القطط، وسميت "غيط القطط" بجانب مسجده شمالي القاهرة، الذي يقع حاليًا في حي الضاهر، حيث يتم تجميع القطط الشريدة ويتم إطعامها وتحت إشراف القاضي.

وأشار إلى أن الحديقة ظلت تدار من قبل القاضي بحكم منصبه الذي يجعله حارسًا على الأوقاف الخيرية، بنفقة تصل إلى خمسة عشر قرشًا سنويًا، تُنفق في إطعام القطط المتروكة إكراما لذكرى الظاهر بيبرس واستمرارًا للتقليد، وذلك حتى نهايات القرن الـ18، وكان الكثيريون من أهل القاهرة يتخلصون من قططهم بإرسالها إلى بيت القاضي أو إطلاقها في هذه الساحة. 

وأوضح أن الحديقة ظلت عاملة على وظيفتها حتى نهايات هذا القرن، حيث باعها الأمناء عليها بعد هذا التاريخ، بحجة أنها خربة فلا تصلح لإنتاج المزروعات إلا بعد نفقات كثيرة، وتوقفت هذه العادة. 

وبحسب وليم ولين، في كتابه "حكاية عن المصريين وعاداتهم مع الحيوانات الأليفة" فإنه رغم أن العض كانوا يضربون الكلاب في الشوارع وهي هادئة لا تضر، ولكن كان البعض يطعمونها وأغلبهم فقراء، وفي كل حي من أحياء المدينة كان يوجد أحواض صغيرة تملأ يوميًا للكلاب، وكان أصحاب الحوانيت يؤجرون في شارع واحد سقاء لرش الشارع وملء أحواض الكلاب. 

واستكمل أنه "كما كان يوجد أيضًا حوض للكلاب عند كل دكان لبيع الشراب، وكلاب القاهرة، قل ما يكون لها صاحب، وكانت جماعات منظمة كل منها في حي تطرد منه كل كلب دخيل". 

واختتم بأنه مما سبق يتبين لنا أن المصريين في القاهرة اقتنوا القطط أكثر من الكلاب، حيث كانت الكلاب ترعى في الشوارع، ويبدو أنها استخدمت للحراسات أكثرن وبشكل عام هذا ليس غريبًا على المصريين الذين قدسوا القطط منذ فجر التاريخ.