عبده الزرّاع يكتب: كامل كيلانى.. رائد أدب الطفل العربي

الفجر الفني

عبده الزرّاع
عبده الزرّاع


كامل كيلانى رائد أدب الأطفال العرب بدون شك، والريادة لا تعنى أن يكون صاحبها هو الأول فحسب بل لابد معها من الإصرار على الاستمرار.. وما أظن أحد وفق هذا المفهوم يستطيع أن ينكر على الرجل ريادته، مع إن البعض قد سبقوه على الطريق مثل: إبراهيم العرب فى كتب المطالعة، وأحمد شوقى، وعثمان جلال، والهراوى فى مجال الشعر.

 

والواقع أن كامل كيلانى ارتاد هذا الطريق، ممثلا لمرحلة هى أولى مراحل بناء كيان لأدب الأطفال، وإنشاء مكتبة متكاملة لهم، تلك هى مرحلة الترجمة، والنقل، والاقتباس، فى ميدان كان يخلو من المهتمين به، العاكفين عليه، بل كان من يقتحمه يلقى الكثير من السخرية والاستهجان.. ولم يحدث هذا فى بلادنا، فحسب، بل إن (شارل بيرو) الفرنسى، حين سبق وكتب قصصه الشعبى للأطفال –كرائد- لم يضع اسمه عليه، بل وضع اسم إبنه، وأشاع أن مربية الابن هى التى روت تلك القصص التى يتراوح عددها ما بين سبع قصص، وإحدى عشر قصة.. ولاشك أنه بعمله هذا كان رائدا إذ يؤرخ لبدايات كتب الأطفال بهذه القصص، كما أن أحدا لا يناقش قضية أن هانز أندرسون هو أول من أمسك بقلمه ليكتب قصصا مؤلفة، خصيصا للأطفال.

 

نشأته وتكوينه:

ولد كامل كيلانى فى 20 من أكتوبر (1897)، فى منزل يطل على جبل المقطم، نشأ فى أسرة متوسطة.

 

أما أبوهفهو الشيخ كيلانى إبراهيم كيلانى، أشهر المهندسين فى عصره، وكان من هواة القراءة ويتصل نسبه بالشيخ عبد القادر الكيلانى (الجيلانى)  أما أمه فكانت تقول الزجل.

 

تعلم القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم فى سن صغيرة فى كتاب الشيخ عبد الباقى بحى القلعة.. ثم اتجه إلى مدرسة (أم عباس) الابتدائية عام (1907م)، ولأنه كان يقضى أغلب وقته وحيدا، الأمر الذى منحه الفرصة  للقراءة والاطلاع، وسهل له أن يحفظ أكثر من 20 ألف قصيدة لصفوة الشعراء العرب، إذ كانت مكتبة والده تمتلئ بالكتب الأدبيةوالعلمية والرياضية، والسير الشعبية،وأتاحت له هذه المكتبة -فى هذه المرحلة الباكرة-أن يقرأ عددا كبيرا من الكتب البارزة والشهيرة، منها: الأمالى، الكامل، العقد الفريد، عنترة، سيف بن ذى يزن، فيروز شاه، حمزه الهلوان، الظاهر بيبرس، المعلقات، الالياذة والأوديسا، أعمال شكسبير، المعرى، دانتى، هوجو، كوليريدج، شيللى، بايرون، موليير، وغيرهم. فأسهمت هذه الكتب فى توسيع مداركه وتنوع معارفه.

 

علاوة على أنه كان يتردد على الجامع الأزهر فى العطلة الصيفية لحضور الدروس وتحصيل العلم والمعرفة، فأجاد اللغة والنحو والصرف والمنطق.

 

وكان لخاله (سعيد اسماعيل) بصمة قوية عليه، إذ كان يحكى له عددا كبيرا من الحكايات، كما استمتع كامل بالحكايات التى حكاها له: سائق الحنطور الخاص بأسرته، ومربيته اليونانية، وأحمد أبو بكر، وعبده ومحمود الملاح، شعراء الربابة فى سوق العصر بالقلعة، ومصطفى الحلبى (بائع البسبوسة)، فامتلأت أذناه بالحكايات القديمة، والأساطير اليونانية، والبطولات العربية التراثية.

 

انتقل بعد ذلك إلى مدرسة القاهرة الثانوية وحصل منها على شهادة البكالوريا، ثم عكف على دراسة الأدب الانجليزى.. وتعلم الفرنسية، وعزم فى الوقت نفسه على الالتحاق بمدرسة دانتى الليجيرى لدراسة الأدب الايطالى، وانتسب إلى الجامعة المصرية (1917م- 1920م)، تعرف فى الجامعة على أقرنه: زكى مبارك، وعبد الوهاب عزام، وعبد الحميد العبادى، وحسن إبراهيم حسن، وفريد رفاعى، وحصل منها على ليسانس الآداب قسم اللغة الانجليزية عام (1925).

 

وحينما تخرج فى الجامعة اشتغل بالتدريس، إذ عمل مدرسا للانجليزية والترجمة فى المدرسة التحضيرية، ثم مدرسا بمدرسة الأقباط الثانوية بدمنهور فى عام (1920م)، ثم عين فى الفترة من (1922م- 1954م) موظفا بوزارة الأوقاف حيث كان يتولى تصحيح الأساليب اللغوية، وترقى فى المناصب حتى بلغ منصب سكرتير مجلس الأوقاف الأعلى، وفى الوقت نفسه كتب فى الصحافة وعمل رئيسا لتحرير مجلة الرجاء.. وأسهم فى تحرير صحف: العصور وأبوللو والرسالة، وكتب فى مجلتى (العالمين) و(الحاوى) وعمل سكرتيرا لرابطة الأدب العربى (1929م- 1932م) ورئيسا لنادى التمثيل الحديث (1918م).

 

أسس ندوة ثقافية أسبوعية كانت تقام فى السابعة مساء من يوم السبت فى منزله بباب اللوق، وقد بدأت الندوة منذ عام (1920م) وكان محور الندوة يبتعد تماما عن السياسة والأهواء، ويقترب كثيرا من الأدب والفن واللغة.

 

وكان من أشهر روادها: أحمد شوقى، خليل مطران، وداود بركات، وأحمد زكى، وصادق عنبر، وعباس خضر، وفؤاد شرين باشا (محافظ القاهرة وقتها) وشكيب أرسلان، وعلى أيوب بك، وحبيب جاماتى، وسيد إبراهيم، والعوضى الوكيل، ومحمد مصطفى حمام، وخالد الجرنوسى، والأمير صقر القاسمى، والأمير على عبد الكريم، وجمال أباظه، وأنور الجندى.

 

سماته الشخصية:

 

كان كامل كيلانى دقيق الحجم، قصير القامة، أسمر اللون، وجيها، مهندم الزى، باسم الطلعة،سريع اللفتة والنظرة والبديهة، متوقد الذهن، قوى العارضة، مرهوب الجانب، حافظا لأشعار العرب، يتمتع بالفكاهة العذبة، ويلقى النكات الطريفة، علاوة على أنه كان يميل إلى الوحدة والتأمل، دؤبا فى عمله وفى كتاباته، محايدا، لا يتعصب لتيار أو اتجاه ضد آخر.

 

أدبه:

 

استهل حياته الأدبية بالعمل فى عدة مشروعات ثقافية منها: النقد الأدبى، وتأديب التاريخ، والترجمة، وتحقيق الأعمال الأجبية الكبرى، وله عدة أعمال ذات أهمية رفيعة منها: رسالة الغفران للمعرى (1923م) بمقدمة لمحمد فريد وجدى.. وأعيد طباعتها عام (1925م) بمقدمة لطه حسين، مصارع الخلفاء (1929م)، مختار القصص من الشرق والغرب (1929م).. وهى ترجمة بتصرف عن كتابى (قصص السينما- بوكاتشو) إلى جانب قصص مصرية أخرى، صور جديدة من الأدب العربى (1931م)، ديوان ابن الرومى: شرح وتعليق (1931م)، ديوان ابن زيدون: بالاشتراك مع عبد الرحمن خليفه (1932م)، ملوك الطوائف للمستشرق (دوزى) (1934م) ترجمة بتصرف، فن الكتابة أو كيف ندرس فن الإنشاء (1934م)، وله كتاب فى أدب الرحلات عنوانه: مذكرات الأقطار الشقية.. سجل فيه انطباعاته عن رحلاته لفلسطين ولبنان وسوريا.

 

ونلاحظ أن الآراء اختلفت حول أعمال الكيلانى خاصة فى رسالة الغفران وابن زيدون.. وكانت موضع اهتمام عدد كبير من النقاد والكتاب، ويمكن الرجوع فى ذلك إلى الكتاب الذى صدر فى ذكراه عام (1962م) تحت عنوان: "كامل كيلانى فى مرآة التاريخ والمذكور فى المصادر"، كان كامل كيلانى إذن عاشقا للتراث وكان اهتماما بابن الرومى نتيجة دهشته من إغفال كتاب الأغانى له.

 

كما نظر إلى الأدب الأندلسى على أنه أحد روافد الأدب العربى فترجم عنه ونشر ديوان ابن زيدون.

 

ودرس جحا وتأثيره فى الآداب الأخرى.. إلى جانب عدد من البحوث اللغوية الأخرى.

 

توجهه لأدب الطفل:

 

فى عام (1927م) وجه اهتمامه إلى أدب الأطفال، ودأب على تحقيق الفكرة التى آمن بها  وهى إنشاء مكتبة للأطفال.. ويقول عن هذا التوجه (إن الذى دفعنىإلى اتخاذ الخطوات العلمية نحو ذلك هو رؤية أولادى يحرمون من الكتاب العربى الذى يمتعهم ويثقفهم على عكس الأمر فى اللغات الأجنبية).

 

وبإخلاص وقدرة وإبداع.. عكف الكيلانى على تربية الطفل ثقافيا ولفت أنظار الكتاب والمبدعين بها الاتجاه حتى وصفه الشاعر أحمد شوقى بقوله: (الأستاذ الكيلانى كعقرب الثوانى.. قصير.. ولكنه سريع الخطى منتج يأتى بدقائق الأمور)، ومنهج الكيلانى فى الكتابة للطفل يقوم على أسس ثلاثة:

 

أولها: تشويق الطفل وتحبيبه فى الكتاب.

وثانيها: تجنيبه الخطأين: اللفظى والمعنوى.

وثالثها: التدرج به من مستوى لآخر.

 

وقد بدأ الكيلانى رحلته الطويلة مع الأطفال بقصة (السندباد البحرى) من ألف ليلة وليلة عام (1917م).. ونشرها فى جريدة النسر المصرى.. ثم صدرت فى كتابه عام (1922م) كما كتب عددا كبيرا من القصص نشر منها فى حياته مائتى قصة فقط.. ونشر إبنه رشاد كيلانى بعد وفاته أكثر من خمسين قصة.. ومازال عدد كبير من أعماله لم ينشر.

 

ويذكر الكيلانى فى حديث خاص: (أن الكتب المقدمة لقرائها فى المدارس الابتدائية لا يعنى فيها العناية الكافية بترغيب الطفل فى الإقبال عليها وكانت صورها مطموسة بحيث لا تدل على أى شئ إلا المقصود منها).

 

ومن ثم أخذ الكيلانى على عاتقه العناية بهذا المجال حتى إن المستشرق الإيطالى (كارلونلينو) بعث إليه برسالة جاء فيها (وإنى لأحبذ أو فى تحبيذ تلك العناية التى تبذلها فى انتقاء الموضوعات، أولا. والأساليب ثانيا. وأحجام الحروف ثالثا. وترتيب ذلك ترتيبا يتمشى.. بنجاح تام.. من الأطفال إلى الشباب وفوق تدرجهم فى أسنانهم ومداركهم).

 

فقدم فى "أدب الطفل" مجموعات قصصية وحكائية، فى سلاسل قصصية، عنى فيها باستلهام التراث العربى والإنسانى، وترجمة الأساطير وتبسيطها للطفل، وصياغة منظومة للقيم الأخلاقية والاجتماعية، وتعليم الأطفال اللغة العربية فى أسلوب سهل رشيق محبب إلى نفوسهم وقدراتهم.

 

كتب فى هذا المجال ألف قصة للطفل، على هيئة حلقات تتناسب مع سن الطفل فى مراحل نموه المتتابعة منذ الطفولة المبكرة (رياض الأطفال) حتى بداية مرحلة الشباب.

 

وكان يرى أن حوار قصص الأطفال يجب أن يكون بالفصحى، وكان حريصا فى كتاباته للطفل على إبراز الجانب الأخلاقى.

 

كانت له كتاباته الشعرية التى كان يقدم بها قصصه، أو ينهيها بها، عنيت قصائده للطفل بتغذية روحه بالصفات الحميدة، وتهذيب سلوكه بصورة غير مباشرة بعيدا عن الآداء الوعظى أو الخطابى.

 

وكان أول من خاطب الأطفال عبر الإذاعة، وهو أول مؤسس لمكتبة الأطفال فى مصر والعالم العربى، وترجمت قصصه إلى اللغات: الصينية، والروسية، والأسبانية، والانجليزية، والفرنسية.

 

وينتمى كامل كيلانى إلى ذلك الجيل من رواد نهضة مصر الأدبية والثقافية الذين ملأوا الساحة بعد ثورة (1919م).. وكانت المعرفة والهوية العربية عندهم يتمثلان فى الكفاح الوطنى والانتماء الحقيقى.

 

ويحكى الكيلانى كيف تحمس للكتابة للطفل بعد أن قضى سنوات طويلة فى النقد والتحقيق والترجمة.

 

فقد ألف أول قصة وهو تلميذ بالابتدائى عام (1908م) وذهب بها مع صديقه الخطاط الشهير (سيد إبراهيم) إلى أحد الناشرين.. فنهره لصغر سنه فأحدث ذلك تحديا داخله لبلوغ مراده.. ويوما شكى إلى صديقه جفاف القصص التى يدرسونها فى المدرسة فقال له صديقة سيد إبراهيم: إن لم تعجبك فألف خيرا منها.

 

ومن أهم منشوراته للأطفال: مجموعة قصص فكاهية (ثمانى قصص)، مجموعة ألف ليلة وليلة (اثنتا عشر قصة)، مجموعة قصص هندية (سبع قصص)، مجموعة قصص شكسبير (أربع قصص)، ومجموعة قصص علمية (عشر قصص)، بالإضافة إلى عدد كبير من قصص الشرق والغرب الخيالية مثل (حى بن يقظان- روبنسون كروزو- جليفر فى بلاد الأقزام والعمالقة).

 

مكتبته ومطبعته:

 

وفى عام (1948م) أسس مكتبة "كامل كيلانى" ليعرض فيها كتبه وقصصه للأطفال، وجلب لها مطبعة خاصة ليطبع فيها كتبه بالألوان، وكان مقرها حينذاك فى 32 شارع حسن الأكبر بعابدين.

 

ثم انتقلت المكتبة عام (1951م) إلى المقر الجديد فى 28 شارع البستان- باب اللوق بالقاهرة بالممر، حتى تم تأسيس المقر الموجود حاليا عام (1954م).

 

اهتمامه باللغة والشعر:

 

وقد عنى كيلانى باللغة العربية الفصحى فى الكتابة للأطفال.. وكان حريصا على إضافة ألفاظ جديدة إلى قاموس الطفل وذلك بشرح بعض المفردات فى هوامش الصفحات.

 

وبالإضافة إلى قدرته على تبسيط الأعمال وتقديمها للطفل كان يكتب الشعر للكبار والصغار.. وكان يلقى شعره فى الأندية الأدبية لكنه لم ينشره فى صحيفة أو كتاب.. أما شعره للأطفال فكان غالبا ما يذيل به قصصه ويوضح فيه القيمة التى أرادها من القصة.. أو هو يلخص القصة فى هذه الأبيات.

 

ومن ذلك قوله:

 

أنا  مازلت    تلميذ     صغيرا            ولكنى على صغرى مجد

أسير  إلى  العلا  سيرا   حثيثا           وأنشط نحو غايتها وأغدو

وليس يضيرنى صغرى إذا لم             يثبطنى عن العلياء جهد

وليس   بنافعى  طول وعرض           إذا لم يغننى فهم ورشد

فليس    يقاس   إنسان    بشير           ليعرف قدره إن جد جد

ونبت    القمح   مرتفع   قليلا            ولكن هل له فى النفع حد

وفى مقطوعة أخرى بعنوان (ظلى) يقول:

أنت يا ظلى رفيق عمرى         أنت يا ظلى عجيب الأمر

                          كم تطول

ثم تبدو غاية فى القصر

 أو تزول

ثم  تعدو  بعدها  فى   أثرى           إن ظلى مشبهى كل الشبه

كلما استيقظت  صبحا  ينتبه            قافزا خلفى طورا  ساكتا

دائما لم    يدر  معنى للكلام            حركاتى كلها   يأتى  بها

لا يبالى    سهلها من صعبها           أنت قد حيرتنى فى أمرى

أنت خلفى حين أجرى تجرى           أنت إن أبطئ بطء  السير

 

قالوا عنه:

 

يقول الكاتب الراحل عبد التواب: إن نظرة فاحصة لببلوجرافيا كتب كامل كيلانى –التى أعدها حسن عبد الشافى- سوف تكشف لنا ذلك الجهد الرائع، الذى بذله الرجل فى مجال أدب الطفل.. ومن سلاسل كتبه أن ندرك ماذا ترجم، وماذا نقل، وماذا اقتبس، وماذا كتب للأطفال؟

 

لاشك أنه ترجم قصص شاكسبير الأربع، وأساطير العالم الست بجانب أسطورتين من إفريقيا كما ترجم سبع قصص هندية، وترجم "أشهر القصص" فى خمسة كتب.. ونجد المترجمات كذلك أساطير الحيوان، وحكايات الأطفال وعجائب القصص، وقصص الجيب، وقصص رياض الأطفال (.....) وأسوة بما فعله كبار كتاب جيله من كتابة السيرة النبوية الشريفة، أقدم كامل كيلانى على كتابتها فى سلسلة كتب، وجعلها على هيئة حوار بين أصدقاء ثلاثة.. (كتب هيكل.. حياة محمد) والعقاد.. عبقرية محمد) وطه حسين (على هامش السيرة) وتوفيق الحكيم (محمد)... إلخ.

 

لقد بلغت كتب كامل كيلانى –التى نشرت- مائة وستة وتسعين كتابا.. هل يمكننا أن نغفل كل هذا العمل، وهل فى استطاعتنا بجرة قلم أن ننسى هذا التراث الرائع أو نتناساه؟! (.....) كما أن البعض يتساءل عما أبدعه كامل كيلانى وألفه للأطفال، والحق أن مطالبته بذلك أمر غير مستساغ، فقد عاش أطفال العالم عالة على مائدة أدب الكبار حينا، وعلى مائدة الأدب الشعبى حينا آخر، ولم ينتبه أحد إلى أن للأطفال عالمهم  الخاص، وأنه يتحتم أن يكون لهم أدب خاص إلا منذ قرنين من الزمان، وليس معقولا أن نبدأ فى التأليف للأطفال قبل أن ننقل ما لدى المتقدمين من أعمال فى هذا المجال، وقد ترجمت روايات وقصص قصيرة كثيرة وعديدة، قبل أن يشرع هيكل فى كتابة (زينب)، وقبل أن يبدأ تيمور قصصه، وحدث نفس الشئ فى المسرح.. وكان لابد وأن نمر بمرحلة الترجمة والنقل والاقتباس قبل أن نشرع فى مرحلة الإبداع والخلق والتأليف، كان ذلك ضروريا فى مجالات الرواية والقصة والمسرح، وفى مجال أدب الأطفال كذلك.. وأزعم أن كامل كيلانى باتجاهه إلى ارتياد التراث العربى، قد خطا إلى أبعد مما تقتضى المرحلة التى يمثلها، بل إن الرجل له محاولات طيبة على طريق التأليف، يحمد عليها ويشكر حتى لو كان قد استعان ببعض ما فى التراث، واستوحاء بعض جوانب أعماله الإبداعية.

يقول عنه د. موفق رياض مقدادى: وبذلك يكون الكيلانى قد أصدر قصصا مؤلفة، ومترجمة، ومعربة، ونوع فى موضوعات قصصه: شعبية، وأسطورية، وعلمية، واختيارات من القصص العالمى، وقد انتبه للأطفال عند تبسيطه للقصص، حيث تخلو قصصه من الألفاظ والتعابير الجنسية –الموجودة فى المادة الأصلية- وهذا بسبب الاتجاه التربوى عنده إضافة إلى ذلك، أدخل الكيلانى الفقرات والعناوين الجانبية على قصصه، واهتم بضبط الكلمات (الشكل)، وقدم القصص بلغة أرقى من لغة الأطفال، وكان يهدف من ذلك إلى إثراء قاموسهم اللغوى، لذلك عمل على شرح الكلمات الصعبة فى ثنايا القصص.

 

ويلاحظ على قصص الكيلانى ما يلى: أن معظمها ليست من إبداعه، بل بسطها من التراث العربى، أو نقلها من الثقافات الأخرى، وأنه ركز على عالم الخرافة، وقلما تطرق إلى القضايا الاجتماعية.

 

وقد كتب عنه عدد كبير من النقاد والكتاب والشعراء منهم: طه حسين- محمد فريد وجدى- محمود أبو الوفا- سيد قطب- محمد كامل حسين- وديع فلسطين- أحمد حسين- أنور الجندى- يوسف الشارونى- طاهر أبو فاشا- محمد الهراوى- سلامه موسى- ناصر الدين الأسد- عبد التواب يوسف.. وآخرون.

 

مرضه:

 

حدث وأن فقد كامل كيلانى بصره لمدة أربعة أعوام، بعد أن مضى سنوات طويلة فى البحث والتأليف والكتابة، وقد رد بصره بعدها، فعاد إلى عمله أقوى مما كان عليه.

 

مرض فى آخر عمره، واشتد عليه المرض، فأدخل مستشفى "المبرة" بالقاهرة عدة مرات، حتى بدأت صحته تضعف، ويعتريه إعياء بالغ، وكتب يقول وهو على فراش المرض: "إننى أريد أن أقرر حقيقة كبرى هى أننى لم أخذ مكانى قط".

 

رحيله:

 

وتصعد روح كامل كيلانى إلى بارئها مساء يوم الجمعة الموافق 9  أكتوبر عام (1959م) وشيعت جنازته فى حشد مهيب من الأدباء والكتاب، إلى المقر الأخير بمدافن الأسرة، صباح يوم السبت 10 أكتوبر عام (1959م)، بعد أن عاش ثلاثة وستين عاما، تاركا تراثا كبيرا فى الأدب العربى عامة، وأدب الطفل على وجه الخصوص.

 

أعقب كامل كيلانى عددا من الأبناء، هم: مصطفى، وسعاد، وكمال، ورشاد، وأمين.

 

وبعد وفاته أطلق اسمه على مدرسة ابتدائية بباب الخلق بالقاهرة.. كما تأسست باسمه جائزة فى المجلس الأعلى للثقافة.. رحم الله كاتبنا الكبير الذى أنار الطريق أمام كتاب الأطفال العرب.

 

المصادر:

 

1-         أحمد سويلم- إطلالة على عالم البراءة.. دراسات فى ثقافة الطفل العربى- سلسلة إقرأ- دار المعارف- القاهرة- 2014.

2-         عبد التواب يوسف- عن أدب الطفل- مكتبة الشباب- هيئة قصور الثقافة- القاهرة- 1995.

3-         محمد أبو المجد- كامل كيلانى.. سيرة حياة.. فى ذكرى مرور خمسين عاما على رحيله- هيئة قصور الثقافة- القاهرة- 2009.

4-         موفق رياض مقدادى- البنى الحكائية.. فى أدب الأطفال العربى الحديث- عالم المعرفة- الكويت- 2012.