عبده الزرّاع يكتب: قراءة في ديوان الأطفال "الشمس وردة" لطاهر البرنبالى

الفجر الفني

بوابة الفجر


"الشمس وردة" ديوان للأطفال للشاعر طاهر البرنبالى، الذي ينتمي لجيل الثمانينات الأدبي، وجاءت تجربته الشعرية للأطفال متأخرة كثيرا عن تجربته الشعرية للكبار، إلا أنه أصدر فيها عدة دواوين للأطفال، وأصبح له بصمة تميزه فى هذا المجال.

 

فى هذا الديوان الصادر عن سلسلة كتاب قطر الندى، والذى يحتوى على سبع قصائد هى: "يا ريتنى، الشمس وردة، عيد الطفولة، آدى بلدنا، حبيبة، لو رحنا المكتبات، خالد" تنتمي جميعها لمرحلة الطفولة المتوسطة التى تبدأ من سن 9 إلى 14 سنة تقريبا.

 

يقول إليوت: "إن النقد الأمين يجب أن يوجه للشعر لا للشاعر"، ولأن النقد الموجه لأدب الطفل عموما قليل مقارنة بأدب الكبار، فيجب علينا هنا ونحن نتصدى لمثل هذا العمل أن نتجرد من كل ما يربطنا بالشاعر، ويكون الفيصل هو نصه محل الدراسة.

 

يبدأ البرنبالى ديوانه بقصيدة "يا ريتنى" وتعتبر مفتتحا موفقا للديوان، توضح فضل الكتاب والقراءة، يقول:

 

يا ريتنى فضلت نونو

وبيقرا فى الكتاب

يتفرّج وبعيونه

بيفتّح ألف باب

 

ويوضح من خلال هذه القصيدة، كيف أن القراءة تفتح أفق التفكير أمام من يقوم بفعلها، بل تثقفه وتخصب مخيلته، وتجعله أكثر وعيا وإدراكا لما يدور حوله، ولكن البرنبالى يهتم بالمعانى المجردة فى التصوير، بعيدا عن المعانى المحسوسة التى هى أقرب إلى عقل ووجدان الطفل.. فيقول فى جزء آخر من القصيدة:

 

أنا كنت ولد صغيّر

وبيعرف فى العلوم

وأعرف أكيد أظيّر

أفراحى للنجوم

وأقدر كمان أغيّر

أحلامى كل يوم

 

يعطى البرنبالى اهتماما كبيرا للمعلوماتية وبثها داخل قصائد ديوانه أحيانا يوفق فيها بشكل فنى، وأحيانا أخرى تأتى جافه وتقريرية ولا تضيف جديدا لما يأخذه الطفل فى كتبه المدرسية، وهذه ليست وسيلة الفن، بل الفن يبدأ بعد أن يغلق باب المدرسة بعيدا عن الوعظية والتلقين والمباشرة، وجاءت هذه المعلومات فى شكل أسئلة تشغل بال وعقل الطفل فى هذه المرحلة العمرية، مثل: من أين تشرق الشمس؟ وأين تغيب؟! وغيرها من هذه الأسئلة التى لا يكون لديهم إجابات شافية عليها.. فيقول فى قصيدة "الشمس وردة" التى تحمل عنوان الديوان:

 

إمبارح والنهارده

بأحلم بالشمس وردة

          

دلونى فهمونى

الشمس نور عيونى

مين أول طريقها

ومين يبل ريقها

وفين بتروح ليلاتى

تفارينا ونفاريقها.. إلخ.

 

ويعود بنا فى قصيدة "آدى بلدنا" ليثبت من خلالها بعض المعلومات عن حضارتنا المصرية القديمة وانجازاتهم التى علمت العالمن وهنا يتقمص الشاعر دور المعلم، وهذا الدور غير محبب للأطفال -كما أسلفنا- ولكن البرنبالى يحاول جاهدا أن يأتى بهذه المعلومات فى قالب غنائى يجذب الأطفال.. فيقول:

 

لفوا الأرض الواسعة وطوفوا

بصوا معايا أكيد هتشوفوا

اللى بناه خفرع أو خوفو

دا المصرى عبرا الأزمان

والأهرام من صنع كفوفه ..إلخ.

 

ويمضى بنا الشاعر هكذا طوال هذه القصيدة ليعرف الطفل تاريخ أجداده الفراعنة، فيتحدث عن المتحف المصرى، وأبو الهول، وغيرهما.

 

وفى قصيدة "لو رحنا المكتبات" ينحو الشاعر نفس المنحى من المعلوماتية، فيوضح فضل المكتبات على أولادنا ففيها نقرأ ونتثقف، ونتعرف على العلوم والفلسفة وغيرها من المعارف المختلفة.. يقول:

 

لو رحنا المكتبات

هنلاقى فى الكتاب

تاريخ وفلسفة

شعر وعلوم وقصة

وتكون المعرفة

ع الرف ألف رصّة

هنبص حتى بصّة

ناخد م العلوم حصّة

وتزيد المعلومات.. إللخ.

 

ونلمس فى هذا الديوان ملمحا انسانيا يهتم به البرنبالى فى دواوينه للأطفال، هو كتابة قصائد عن أطفال بعينها يعرفها، ربما تكون أحد أبناء أصدقائه المقربين، أو أحد أطفال العائلة، فيحتفى به عن طريق قصيدة يكتبها خصيصا بإسمه، وفى هذا الديوان قدم لنا قصيدتين من هذا النوع، الأولى بعنوان "حبيبة"، والثانية بعنوان: "خالد"..وأهداها إلى خالد إبنه، فيقول: "خالد إبنى.. فرع جديد نحو سماء مشرقة"، ففى قصيدة حبيبة يقدم وصفا شكليا جماليا خارجيا للطفلة، يدل على الجمال الشكلى والبراءة والتلقائية، دونما الغوص فى أبعادها الانسانية، وإضافة قيم جديدة تثرى مضمون القصيدة، فهى قصيدة إحتفائية فقط، يقول:

 

حبيبة حبيبة لعنيّا

يوماتى أشيلها ف عنيّا

وأغنى عشانها أغنية

وكل صحابى حواليّا

يردوا معايا وعليّا

حبيبه حبيبه لعنيّا.. إلخ. 

 

أما فى قصيدة "خالد" إختلف الأمر فيها كثيرا عن قصيدة "حبيبه" إذ ربط بين خالد -بإعتبارة وافد جديد على العائلة- وبين أولاد عمه ممن سبقوه إلى العائلة، وعلاقته أيضا بجده محمود بإعتباره كبير العائلة.. يقول:

 

الواحد هيقولك ايه

هيقولك خالد خلود

ويدلّع بيك الأنغام

ونسمّع جدك محمود

          

خالد يا ابنى

يا نور العين

نسرين وردة

فى البساتين

ودا صالح وكمان محمود.. إلخ.

 

وفى هذه القصيدة إستطاع البرنبالى أن يضع يده على جماليات شعر الأطفال والبحث عن صور جمالية، أضافت الكثير لهذه القصيدة وحولتها من مجرد قصيدة إحتفائية كما فى قصيدة حبيبة إلى قصيدة تبحث عن الفن فى جوهره، وأرى أنها من أجمل وأنضج قصائد الديوان، فيقول فى نهايتها:

يا جمالك فى اللفة يا واد

وكإنك بتلف بلاد

وبتسأل فين الأمجاد

حاضن سيف الحق معاك

كل الدنيا يا واد شيفاك

ولبكرة الأوطان شيلاك

طرح الأرض مالهش حدود

آدى المغنى وآدى المعنى

يا لله يا خالد قول سمعنا

لو مرة الأيام تجمعنا

قولة آه بتغنى بارود. 

 

أعتمد البرنبالى فى هذا الديوان على الغنائية بما أنها هى الأقرب إلى عقل ووجدان الطفل المصرى.. ولكنه لم يطلق العنان لخيال الطفل فى هذا الديوان -على وجه الخصوص- لتحريك مخيلته، ولتجعله متأملا لتلك المعنى والمفردات، جاءت بعض الصور متعالية على الطفل، ولكن هناك بعض الصور جاءت بسيطة وجميلة ، أما اللغة فكان يجب أن تكون ناعمة وبسيطة تتفق وقاموس الطفل وذائقته، والبرنبالى قادر على ذلك بما أنه شاعر قدير، وقد فعله فى دواوين كثيرة له صدرت بعد هذا الديوان.