فيروس الكورونا يؤسس لعلم فيروسات ومناعة ووباء جديد.. هل تواجه البشرية المجهول؟ (حوار 2)

عربي ودولي

الدكتور فايد عطية
الدكتور فايد عطية


فيروس الكوفيد 19 يؤسس لعلم فيروسات وأوبئة ومناعة جديد

فكرة المصل لفيروس الكورونا من الممكن أن تكون غير مجدية حالياً

الكثير ممن لديهم المرض يعيشون حياتهم العادية دون علم بأنهم مصابون

الفيروس يشكل حالة مريبة جداً وغريبة وعنيفة

الفيروس ليس فقط يهاجم الجهاز التنفسي وإنما يتضاعف في الجهاز الهضمي

لم يضرب البشرية من قبل فيروس مثل الكوفيد 19

نواصل سلسلة حواراتنا حول فيروس كورونا المستجد "كوفيد 19"، مع الدكتور فايد عطية، الأستاذ المتخصص في علم الفيروسات الطبية والمناعة بمدينة الأبحاث العلمية في برج العرب، والأستاذ المساعد بقسم الفيروسات الكبدية وأبحاث الخلايا الجذعية والمناعة في كلية الطب جامعة شانتو بالصين.

ويهتم هذا الجزء بالتطورات التي ظهرت مع تلون فيروس كورونا وما يفرضه من تساؤلات كثيرة حول تأثيرات ذلك على اكتشاف مصل أو علاج يكبح جماح هذا المرض، هذا بالإضافة إلى مناقشة حقيقة فرض مفاهيم جديدة في علم الفيروسات ومدى فهم الفيروس مع طرق تشكله.

وإلى نص الحوار:-

كيف نقيس درجة فهمنا لطبيعة فيروس كورونا حالياُ وهل بالفعل يؤسس لمفاهيم جديدة في علم الفيروسات؟
لا تزال هناك الكثير من الأسرار والغموض حول فيروس كورونا والأبحاث لم تتوقف بعد، وكل يوم هناك جديد، يؤكد أن الفيروس يشكل حالة مريبة جداً، وغريبة وعنيفة في ذات الوقت، بما يجعلنا نقول بملء الفم أنّ فيروس الكورونا الجديد يؤسس لعلم فيروسات وأوبئة ومناعة جديد، بعد أن أكدت العديد من الأبحاث أن فيروس الكورونا من الفيروسات الخطيرة جدا، التي تهدد البشرية جمعاء، دون تمييز ودون استثناء.

كيف يمكننا قراءة زيادة الحالات في ظل طريقة انتشار الفيروس الغامض خاصة ما يتعلق بأعراضه؟
ينتشر فيروس الكورونا كوفيد 19، بنفس طريقة انتشار الأنفلونزا، عن طريق الكحة والعطس، للشخص المصاب، وهو سلوك يشبه سلوك انتشار الأنفلونزا، مما يعطي له مميزات قوة الانتشار وشراسة الاجتياح ما يجعله ينعكس على زيادة عدد الحالات في العالم ويشير إلى عنفه الكبير وصفة الوبائية.
لا تزال كذلك أعراض الفيروس غامضة للغاية، ليس بالإمكان حاليا تحديده فأعراضه تتشابه مع نزلات البرد والأنفلونزا وهو تحد كبير للغاية، خاصة أن هناك الكثير ممن نراهم على سبيل المثال يكون لديهم أعراض الأنفلونزا أو البرد، ومن ثم لا نستطيع التمييز، والتحليل هنا هو الفيصل الأساسي في هذا التوقيت، فيما لا يمكن أبدا تحديد الشخص المصاب دون إجراء هذا التحليل، وهذا أيضا يجعلنا نقول أنّ الكثير ممن لديهم المرض يعيشون حياتهم العادية دون علم بأنهم مصابون فتزداد الكارثة، وهو ما أكدته بعض الأبحاث التي أوضحت أن 20 % من الحالات المصابة لا يظهر عليها أعراض المرض، وهو تفسير غير مفهوم.

كيف يمكن تفسير الحالات التي عادت لها الفيروس مرة أخرى بعد تعافيها وماذا يقول ذلك؟
هناك الكثير من الحالات التي تعافت من المرض أصيبت مرة أخرى بعد تعافيها وهذا الحدث يعد من أكثر الأشياء غرابة في علم المناعة وعلم الأوبئة، الذي يقف مستغربا أمام حالة تصاب بفيروس ويصبح مصابا بعد تعافيه مرة أخرى، وهو ما يشير إلى أن الجسم يفشل في تكوين أجسام مضادة في بعض الحالات ومناعة ضد الفيروس، وهو ما تم رصده قبل أيام في الصين حيث وجدوا أن المتعافين في ثلاث مقاطعات صينية أصيبوا مرة أخرى بنحو 14 % من الحالات.

لا يزال هناك الكثير من الجدل حول توقيت بقاء الفيروس على الأسطح.. فهل حسمت الدراسات بقاءه واستهدافه للأسطح؟
ثبات هذا الفيروس على الأسطح مثير كذلك للانتباه، ومثير للشك، بعض الأبحاث أكدت أن الفيروس يظل على بعض الأسطح لأربعة أيام مثل الحديد والبلاستيك، والورق، كما أثبتت بعض التجارب عزل الفيروس عن ذرات الهواء، في مستشفيات الحجر، وهذا موضع قلق بالغ، خاصة أنه يظل لثلاث ساعات، وهذا يشير إلى حقيقة ثبات الفيروس على الأسطح وهو ما يعطي له فرصة أكبر في الانتشار وزيادة العدوى بين البشر.

تساؤلات كثيرة أيضا حول العلاقة بين الفيروس والحيوانات.. فماذا تشير آخر الدراسات في فهم ذلك؟
الأبحاث إلى الآن لم تحسم هذا الموضوع، وكل ما يقال عكس ذلك ليس له أساس من الصحة، فبعض الأبحاث أرجعت سبب الفيروس إلى الخفافيش والقطط والكلاب، ولكن الأمور لم تظهر بالكلية في هذا المجال، كما أن الأبحاث لم تفسر إلى الآن كيف انتقل الفيروس إلى الإنسان ثم انتشاره ليصبح بعد ذلك مرضا معديا بين البشر، وهذا يضفي مزيداً من الغرابة كون مجموعات فيروسات الكورونا بالأساس حيوانية.
هناك ملاحظة مهمة للغاية أيضا ظهرت مع حادثة في هونج كونج حدث خلالها انتقال الفيروس من سيدة مصابة إلى الكلب الخاص بها، وهذا شيء مريب أيضا، وهو ما يشير أيضا إلى أنه من الممكن انتقاله من الكلاب للإنسان، والقطط كذلك، وفق لدراسة أجريت في اليابان على حظيرة من القطط والكلاب، وجدوا أن هذه الحيوانات مصابة بالفيروس بعد إجراء تحليل لها في محيط شديد الإصابة.

بعض الأنباء تشير إلى أن الفيروس لا يهاجم الجهاز التنفسي فقط وإنما يتضاعف في الجهاز الهضمي.. فما صحة ذلك وإلى ماذا يشير؟
الفيروس من المفترض أنه يهاجم حويصلات الرئة وخاصة النوع الثاني من هذه الحويصلات، لأن المستقبل الخاص به موجود على هذه الخلايا، لكن الأمور تنقلب رأساً على عقب أيضا عندما تكشف الأبحاث أنه تم عزل الفيروس من عينات البراز، وهو ما يشير إلى أن الفيروس ليس فقط يهاجم الجهاز التنفسي، وإنما يتضاعف في الجهاز الهضمي كذلك وهذا شيء خطير ومريب للغاية.
سلوك الفيروس داخل الجهاز التنفسي، والرئة تحديداً، سلوك عنيف جدا، فهو يدمر الخلايا من النوع الثاني التي تفرز مادة ملينة لحويصلات الرئة كي تساعد في تبادل الغازات، حيث يقوم الفيروس بتدميرها والسيطرة عليها تماماً، ثم يحفز نوعاً آخر من خلايا الرئة، كي يفرز أجساما مناعية، كي يدمر النوع الأول من الحويصلات، وهو ما يشير إلى أن الفيروس يسلك سلوكاً شرس جداً، حيث يجعل المناعة تهاجم خلايا الرئة ويدمرها تماما، وهذا السلوك غير مفهوم على الإطلاق لم يوجد في السارس أو الميرس اللذين أتيا قبل ذلك.

كثر الحديث عن الدواء والعلاج.. فما هي آخر الأخبار بخصوص هذا وما النتائج؟ 
بخصوص العلاج لا يوجد إلى الآن دواء معين ولم يتم اكتشاف دواء للفيروس، وإنما جميعها تأتي تحت التجارب لإمكانية إيجاد دواء لهذا الفيروس، ومن هذا الأدوية التي يتم تجريبها، دواء الإيبولا، والملاريا، والإيدز، وبعض الأدوية الأخرى، وهي تعطي نتيجة لكنها غير متخصصة للكورونا، وهو ما يثير الدهشة والغرابة مع التأكيد أنه لا يوجد علاج حاسم إلى الآن.

كيف نفسّر فرص تصنيع المصل وإيجاد دواء مع تلون المرض بهذا الشكل المريب؟
فكرة المصل لفيروس الكورونا (كوفيد 19) من الممكن أن تكون غير مجدية حالياً، نظراً لتلون الفيروس على حالات عدة، وتشكلاته الغريبة التي يؤكدها إصابة الإنسان عدة مرات، ويوضح كذلك إلى أنه فيروس شديد التحور، والطفرة والعنف بشكل كبير جدا داخل الجسم.
كما نؤكد أن إيجاد مصل أو علاج من الممكن أن يستغرق شهور بل سنين، نظرا لأن الفيروس غريب جدا، وأول مرة تتعرض البشرية لهذا النوع من الأوبئة، فهو فيروس جديد تماما، وأعتقد أن الفيروس سيستمر لعدة أشهر على الأقل.

هل هناك سلالات بالفعل من فيروس الكورونا المستجد، وكيف يؤثر هذا على فهم الفيروس؟
الأبحاث أشارت بالفعل إلى وجود سلالتين من فيروس الكورونا، وهي سلالة L وسلالة S ، وأن الأولى أكثر شراسة من الثانية، وهي الموجودة والمنتشرة والمسببة لزيادة عدد الوفيات في أكثر دول العالم، وهناك بحث نشر في أيسلندا أشار إلى أن هناك 18 طفرة شديدة جدا موجودة في جينات الفيروس، وهذا يجعله أكثر شراسة وعنفاً وتحوراً، ومقاومة كذلك للعديد من الأدوية وهي من الملاحظات المهمة جدا التي يجب التركيز عليها.

كيف نفهم طبيعة الفيروس مع فترات الحضانة المختلفة التي تم اكتشفاها على نحو متعدد مع المرضى؟
فترة حضانة الفيروس هي الأخرى تفتح جدلاً كبيراً، فهي غير ثابتة، إذ أنها متنوعة من حالة إلى  حالة، حددت بأسبوعين في بداية الأمر ثم حددت بعد ذلك 21 يوماً، ثم بعض الحالات أثبتت أن فترة حضانة الفيروس 28 يوماً، وحالات أخرى وصلت فيها إلى 42 يوماً، هذا بالإضافة إلى أن في جميع حالات وجود الفيروس مع الإنسان سواء كان لديه أعراض المرض، أو غير ذلك، فهو يسبب العدوى، ما يؤكد أن هذا المرض لا يزال مجهولاً إلى الآن.

مع دخول الصيف يتساءل الكثير الآن حول إمكانية مساهمة درجات الحرارة في القضاء على الفيروس.. فماذا يمكننا القول في ذلك؟
البعض قال إن درجة الحرارة ستؤثر على الفيروس في عدم انتشاره، لكن الواقع يشير إلى أن هناك بعض البيئات التي لديها درجة حرارة عالية حالياً مثل أمريكا الجنوبية، وبعض البلدان الأفريقية، لديها معدلات إصابة عالية، وهو ما جعل منظمة الصحة العالمية، تؤكد أن الفيروس قادر على التعايش في جميع الظروف البيئية، من الأشد برودة إلى المعتدلة إلى الجافة إلى الحارة، وهو ما يشير إلى غموض كبير.

بعض الأنباء أشارت إلى أن الفيروس يتناقل عبر الهواء.. فهل هناك أبحاث تشير إلى ذلك وماذا قالت؟
بالفعل هناك بعض الأبحاث التي أجريت وأشارت إلى بعض الأمور الهامة في هذا الجانب، ففي بحث حديث أجري في مستشفى بسنغافورة، تأكد عزل الفيروس من مضخات التكييفات، كما تم عزله من السفينة السياحية الضخمة المعروفة بـ "كروز شيب"، وحدث ذلك مع سفينتين من هذا النوع في اليابان، والأخرى موجودة على سواحل كاليفورنيا، وهو ما يشير إلى إمكانية تطاير هذا الفيروس عبر رذاذ الهواء وهذا الأمر شديد الخطورة، خاصة أن أبحاث السفينة اليابانية هذه أجريت بعد نحو 19 يوم من عزل المرضى الذين كانوا يتواجدون فيها، ما يشير أيضا إلى أن الفيروس ثابت جدا في الجو، وعنيف وقادر على العدوى لأيام.

بالنسبة لنقل الفيروس من الأم للجنين.. هل هناك أبحاث تحدثت عن هذا كونه من أهم الأمور التي يتساءل عنها كثيرون حالياً؟
لا يزال نقل الفيروس من الأم للجنين محل جدل، في دراسة أمريكية قالت أنه لا ينتقل من الأم للجنين، وهو عكس ما توصلت إليه الصين، التي أثبتت أن الفيروس ينتقل من الأم للجنين من خلال دراسة أجريت على أربع حالات، كما أن هناك أسراراً غامضة للغاية ولم تُبحث إلى الآن بخصوص إصابة الأطفال الأقل من عشر سنوات. 

هل يمكن الحديث عن توقيت معين سينتهي معه هذا الفيروس خاصة أن البعض يتحدث ويأمل إنهاءه قريباً؟
الفيروس شديد التحور، وشديد الغرابة كما أكدنا سلفاً، ولهذا فإنّ الحديث عن موعد انتهاء الفيروس مجهول للجميع تماماً، لا يمكن التنبؤ على الإطلاق بتوقيت انتهاءه، لكن الأهم حالياً هو اتباع التعليمات التي تؤكد عليها الحكومات بقوة، من عدم انتشار التجمعات، والجلوس في المنزل، والتزام البيت بحيث يتم تقليل عدد الإصابة.

مع هذه التطورات الهائلة.. كيف يمكن وصف فيروس كورونا كوفيد 19؟
حقيقة أنا أعتبر فيروس كورونا كوفيد 19 أمر جلل، حيث لم يعرف علم الوبائيات فيروس مثل هذا وخاصة في شراسته وانتشاره الماهول، كما لم يضرب البشرية من قبل فيروس مثل الكوفيد 19، وهذه حقيقة دامغة تشير إليها بعض الدلالات أهمها معدل الانتشار الكبير في وقت قليل والإصابات والوفيات كذلك، بالإضافة إلى تعطيل البورصات وتعطيل حركة الطيران، والتأثير على دول عظمى ما يجعلنا نؤكد أن هذا الفيروس يغير شكل العالم وتوازن القوى واقتصادات الدول.