د. نصار عبدالله يكتب: الخطط التوفيقية

مقالات الرأي



كلما تأملت ما آل إليه التعليم المصرى من التدهور، ترحمت على أيام على مبارك باشا الذى يعتبر بحق رائد التعليم المصرى الحديث، والذى يندر أن نجد له ندا أو نظيرا بين سائر الذين تولوا من بعده مسئولية التعليم فى مصر فى القرنين: العشرين والواحد والعشرين، وإن كان الأمر لا يخلو من ظهور بعض الشخصيات الجديرة بالإعجاب بين والحين (على سبيل المثال: الدكتور عبدالرازق السنهورى، والدكتور طه حسين، والدكتور حلمى مراد )، ولكن أيا من هؤلاء لم يصل إلى ما وصل إليه على مبارك من تنوع فى الثقافة ومن ضخامة فى الإنجازات، ذلك أن على مبارك هو الذى قام بتطوير القناطر الخيرية ونظام الرى فى مصر (باعتباره مهندسا فى الأصل ) وهو الذى أنشأ دار الكتبخانة التى عرفت بعدذلك بدار الكتب ثم تطور اسمها فأصبح الهيئة القومية للكتب والوثائق، وفى عصر الخديو عباس قدم مشروعا لإنشاء عدد كبير من المدارس بميزانية تقديرية قدرها مائة ألف جنيه لكن الخديو أفزعته ضخامة الميزانية، وقد كانت ضخمة بالفعل طبقا لأسعار تلك الفترة، وطلب منه اختزالها، فتقدم بميزانية بديلة لا تتجاوز خمسة آلاف جنيه لكنها كانت كافية لإنشاء عدد لا بأس به من المدارس فوافق عليها الخديو وطلب منه البدء فورًا فى تنفيذها وعينه ناظرا (أى وزيرا) لتلك المدارس وأنعم عليه برتبة عسكرية هى رتبة الأمير الاى (تعادل حاليا رتبة العميد)، وبالإضافة إلى إنجازات على مبارك الهندسية تعددت مؤلفاته ومترجماته وتنوعت فى شتى المجالات، غير أن أشهر تلك المؤلفات هو كتابه الموسوعى الخطط التوفيقية الذى أورد فيه حصرا دقيقا لسائر المدن والقرى المصرية المعروفة فى زمن تأليف ذلك الكتاب والذى بدأ فى تأليفه كما يتضح من العنوان فى عصر الخديو توفيق، وقد بلغ ذلك الكتاب من التفصيل إلى حد أنه تطرق إلى ذكر أسماء الشوارع والحارات فى كل مدينة وقرية، وأسماء العائلات الشهيرة التى عاشت فى كل منها وأهم من أنجبتهم تلك العائلات من الأعلام، وقد رجعت شخصيا إلى ذلك الكتاب الموسوعى فى أكثر من مناسبة لكى أراجع ما ورد فيه بشأن معلومة معينة وأقارن بين ما ورد فيه وما ورد فى سواه بشأن نفس المعلومة ومن بين ما رجعت فيه إليه بشأنه واستميح القارئ عذرا فى أن أتطرق إلى أمر قد يبدو شخصيا خالصًا، وهو شخصى بالفعل، لكنه يوضح أسلوب على مبارك باشا فى إيراد ما يورده من المعلومات وهو ما قد يهم نوعية بعينها من القراء . يقول على مبارك فى ص 13 من الجزء التاسع من الخطط: «البدارى بلدة تقع شرق النيل على مسافة ستين فرسخا (لا أعرف كم يساوى الفرسخ بالضبط، لكن الذى أعرفه حاليا أن المسافة بين بلدتنا البدارى وبين النيل أقل من ثلاثة كيلومترات) ويضيف على مبارك أن سوق البدارى هو يوم الاثنين (مازال سوق البدارى إلى يومنا هذا هو يوم الإثنين)، ثم يضيف على مبارك قائلا: وبها عائلة مشهورة هى عائلة أبى ناصر ومنها عبدالله وقد كان ناظرا فى عصر محمد على وعبدالحق وقد كان فى عصر الخديو توفيق، وقد أنشىء دوار عائلة النواصر فى 15 صفر سنة 1213 هجرية، وبعد ذلك يورد على مبارك تسلسل نسب أبى ناصر مؤسس العائلة على النحو الآتى هو ناصر الملقب سراج الدين بن عمران بن نور الدين الذى مقامه فى بركة الحشيش بالقاهرة بن أبى بكر إبراهيم بن عبدالجليل بن إبراهيم أبى القاسم بن أبى بكر بن عثمان بن حسين بن محمد بن نما بن موسى بن يحيى بن عيسى بن على الفقى بن محمد الهدى بن حسن السكرى بن على بن محمد بن عبدالجواد بن على الرضى بن الإمام موسى الكاظم بن الإمام جعفر الصادق بن الإمام محمد الباقر بن الإمام على زين العابدين بن الإمام الحسين سبط النبى صلى الله عليه وسلم بن الطاهرة البتول بنت الرسول صلى الله عليه وسلم سيدتنا فاطمة الزهراء زوجة الإمام الهمام على بن أبى طالب كرم الله وجهه، وضريح الشريف ناصر فى أفنون بإسنا، والواقع أن ما ورد فى كتاب الخطط التوفيقية بشأن عائلة النواصر يتفق مع ما كان يروى لى فى طفولتى من أن عائلتنا تمتد جذورها إلى إسنا بمحافظة قنا، وأن جدنا مؤسس العائلة هو فى الأصل من أبناء قنا وقد جاء إلى البدارى من إسنا وأقام فيها لسبب لا نعلمه، وإن كانت تتعدد فى بيانه الروايات ـ التى لا نعلم وليس بوسعنا أن نعلم ـ نصيبها من الصحة.