عادل حمودة يكتب: بالتسجيلات.. سيد درويش وأم كلثوم وعبد الوهاب مطربو مهرجانات

مقالات الرأي



هل يجرؤ الفيدل مارشال هانى شاكر على منع أغانيهم بعد أن غنوا للحشيش والخلاعة والسيجارة والكأس؟!


لم أصدق أذنى عندما سمعتها تطلب أن يحيى فرحها بوسى والليثى.

سلمى تخرجت فى الجامعة الأمريكية وأكملت دراستها العليا فى جامعات بريطانية وتنفذ مسئوليات إبداعية فى شركة متعددة الجنسيات بل أكثر من ذلك مجنونة بمتاحف الفنون التشكيلية.

لكن ما باليد حيلة فالليلة ليلتها ويستحيل أن أرفض لابنتى فيها طلبا.

وما إن بدأ الصخب حتى تفاعل معه كل من فى الحفل وشارك الكبار والصغار فى الرقص أكثر من ساعتين دون توقف.

صحيح أننى انسحبت فى الوقت المناسب ولكن صحيح أيضا أننى لست فاشيا كى أفرض رأيى على غيرى.

لكم ذوقكم ولى ذوقى.

وبتلك الجملة البسيطة كان من السهل حسم الجدل العقيم الذى أثير مؤخرا حول ما يسمون: مطربى المهرجانات.

لم نكن فى حاجة للحرب التى اشتعلت وتطايرت منها شرارة كلمات حارقة وسيئة السمعة مثل المنع والرفض والطرد من جنة نقابة هانى شاكر.

قامت الدنيا ولم تقعد وانتفخت العروق وصرخت الحناجر وقاد حزب الفضيلة الوهمية حملات تتارية بسبب كلمتى الخمر والحشيش فى أغنية حسن شاكوش.

ولكنهم نسوا أن سيد درويش صاحب نشيدنا الوطنى (بلادى بلادى) سبق أن لعب على المعادلة نفسها فى أغنيته التحفجية أو الحشاشين:

يا ما شاء الله ع التحفجية أهل اللطافة والمفهومية / أجعلها ليلة مملكة يا كريم / دا الكيف مزاجه إذا تسلطن / أخوك ساعتها يحن شوقا / إلى حشيش ميتى ميشى / اسأل مجرب زى حالاتى / حشاش قرارى يسفخ يوماتى خمسين جراية ستين سبعين / ها ها ها يا مرحب.

صدق وآمن باللى خلقها وقال كونى جوزة لكل من يدوقها / ويكفينى شرك يا حكومة.

ولكنه يختمها بما يعيد التوازن إليها:

وأقولك والحق يوم ما نلقى بلادنا طبت فى أى زنقة / يحرم علينا شربك يا جوزة / دى مصر عايزة جماعة فايقين يا مرحب.

يعنى سيد درويش حشاش حتى يجد مصر فى زنقة (وطنية) وحسن شاكوش يهدد بالخمر والحشيش (إذا ما هجرته حبيبته ووضعته فى أزمة عاطفية).

لكن سيد درويش أصبح مطرب الشعب وحسن شاكوش أصبح عدو الشعب.

والحقيقة أننا نعانى من انفصام فى الشخصية ما نمارسه سرا ننكره علنا وما نسعد بسماعه فى الخفاء نسبه أمام الناس.

إنها عقدة الإجابات النموذجية التى تعودنا عليها منذ الابتدائية أن نجيب على الأسئلة بما يضعنا فى مرتبة مثالية.

ننكر أننا نسمع أحمد عدوية وندعى أننا لا نفضل فى الطرب سوى أم كلثوم مثلا.

وعندما نسئل عن الأسباب نفرط فى الحديث عن وقار كلماتها وروعة ألحانها وجدية شخصيتها وننسى أنها غنت الخلاعة والدلاعة مذهبى :

من زمان أهوى صفاها والنبى / لما يخطر حبى عندى بمشيئته / تلقى قلبى له يميل من فرحته / شوف دلاله والا قده وطلعته / تفرح القلب يا ناس كده والنبى.

ترى لو غنت شيرين للخلاعة والدلاعة كم سينالها من غضب على السوشيال ميديا؟.

وكم سيصيب هانى شاكر نفسه من أذى لو فكر فى إعادة أغنية موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب الدنيا سيجارة وكاس؟

ترى هل سيبقى نقيبا للموسيقيين لو كرر هذه الكلمات:

الدنيا سيجارة وكاس للى هجره الناس / يا ويل اللى مالوهش كاس / آه يا ويله / لما بيوعدنى حبيبى ويسوق دلاله / اشرب على قدر نصيبى ولو وحدى أناجى خياله / ألاقيه على وش الكاس جانى وفت كل الناس.

والأهم هل يعتبر أم كلثوم وسيد درويش وعبد الوهاب من مطربى المهرجانات ويطالب بمنع أغانيهم؟

وهل يلقى عبد العزيز محمود المصير نفسه لو أخرجنا تسجيله الشهير: يا شبشب الهنا / قلوبنا فرشتك / يا ريتنى كنت أنا / ووقعت وقعتك.

المعركة الساخنة التى يقودها المارشال شاكر معركة باهتة قديمة متكررة سبق أن وجهت أسهمها إلى شهرة أحمد عدوية وانتشار على حميدة وعضلات محمد رمضان وسلامتها أم حسن ولولاكى والاستوك ونمبر وان.

سمها ما تشاء: أغانى هابطة أو أغانى شعبية أو أغانى مهرجانات فإنها فى النهاية تعبر عن بيئة خرجت منها فيها أصوات الباعة وصيحات النساء ومشاجرات الشباب وغش المخدرات والرغبة فى تجاوز المتاعب بتدخينها ونسيان الواقع بالهروب إلى الخمر بجانب الاستمتاع بسماعها والتفاعل مع مؤديها والرقص على موسيقاها الحادة.

والمشكلة ليست فيها وإنما فى الأذواق الأخرى من الإبداع التى ابتعدت عنا بعد أن هجرناها.

لم نعد رحما خصبا لتوليدها فى الكتب والسينما والطرب والموسيقى والمسرح إلا قليلا.

وغاب عن الساحة مكتشفو المواهب إلا فى كرة القدم.

والموسيقى فن والفن تجارة وليس رسالة من ينتجه يستهدف المكسب ومن يستهلكه يستهدف الانبساط والمعادلة بطرفيها حققها فى ثوان حسن شاكوش وهو ما عجز عنه فى سنوات طوال الفيدل مارشال الواصى على عرش الطرب هانى شاكر.