بردية تكشف عن أول شهيد في التاريخ المصري القديم

أخبار مصر

مجدي شاكر - كبير
مجدي شاكر - كبير أثريين


التاسع من مارس من كل عام هو يوم الشهيد، والذي فيه نحاول أن نتذكر مواقف الشهداء الذين اختاروا التضحية بحياتهم لتستمر بلادهم في رفعة وحرية بين الأمم، وعبر التاريخ سجل المصريون بدمائهم بطولات الشهداء، وعبر التقرير التالي يحدثنا مجدي شاكر كبير أثريين عن أقدم الشهداء المصريين الذين عرفهم التاريخ.

بردية طالب كشفت لنا سيرة أول شهيد 

قال شاكر في تصريحات خاصة إلى الفجر إن بردية كتبها طالب مصري يدعى "بنتاورة" في القرن الثالث عشر قبل الميلاد أي منذ 3300 عام، بعد خـروج الهكسوس بنحو ثلاثة قرون، حيث نقلت لنا سيرة أول الشهداء المصريين، ومعنى تسجيل الحدث بعد انتهاؤه بـ 300 عام، أن أخـبار الأحـداث القومية الرئيسية لم تكن تغيب عن المصريين ومناهج دراستهم مهما طال الأمد عليها.

وتابع: روت البردية في مستهل حديثها أن أرض مصــر كانت تئن تحت وطأة "الوبـــاء"، ولم يكن فيها سيد يعتبر ملك زمانه، بينما حكم الملك سقنن رع "تاعا قن" في مدينة طيبة "الجنوبية" وحل الوبـاء القادم من الشرق في مدينة العامو "الهكسوس"، وبمعنى آخر استقر الملك إببي ملك الهكسوس. 

ملك الهكسوس كان متعصبًا لإله الشر 

وأضاف شاكر أن البردية تحكي عن إبببي هذا أنه كان متعصبًا للمعبود "ست" إله الشر، وأقام له معبدًا عظيم الشأن بجانب قصره، وكان يوميًّا يقدم له القرابين، واعتاد رجال حاشيته أن يحملوا لـ "ست" باقات الزهور، وهو تقليدًا كان يجري في المعبود المصري "معبد با رع حرآختي"، وذلك على حين ناصر سقنن رع ملك طيــبة الإله آمـون. 

ولم يقتصر الأمر على اختلاف المذهبين، وإنما كانت وراؤه ترتيبات مستترة حيث عمل "إببي" ملك الهكسوس لوأدها في المهد، وذلك باستفزاز الملك المصري سقنن رع إلى حرب صريحة، قبل أن يستكمل عدته لها، فجمع كتبته وحكماؤه كما روت البردية، وشاورهم في الأمر، فأوحوا إليه بحيلة ماكرة عقبوا عليها بقولهم: "ولسوف نرى إذن قدرة ربه الذي يحتمي به، وهو الذي لا يعتمد على إله غير آمون رع ملك الأرباب".

رسل الهكسوس لطيبة 

وقال شاكر أن البردية تحكي أن إببي اتبع مشورتهم فأوفد رسولًا إلى سقنن رع، يقول له: "أسكتوا أفراس الماء في البحيرة الشرقية بطيبة فضجيجها يحرمني النوم في نهاري وليلي، وأصواتها تطن في مسامع مدينتي"، وأغلب الظن أن إببي المقيم في شمال شرق الدلتا، كان يعني بضجيج أفراس النهر بطيبة (الأقصر) في أقصى الصعيد نشاط سقنن رع ورجاله واستعداداتهم العسكرية، وقد تعمد أن يلمزهم ويستثيرهم ويقلل من شأنهم، ولكنه أيضًا كشف عن هم الليل والنهار الذي لحقه منهم من حيث لا يدري.

وأضافت البردية أن سقنن رع عامل رسول إيببي الذي حمل رسالة مليكه، كما تنبغي معاملة الرسل، فأكرمه وأرسل معه الهدايا، ثم جمع كبار رجاله ورؤساء جيشه وبدأ يشاورهم في الأمر وهنا انتهى درس البردية في غير خاتمة واضحة.

المصريون لا ينسون إساءة المحتل

وأوضح شاكر أنه على الرغم من قصر الدرس إلا أنه يظهر أن المصريين ظلوا على كرههم للهكسوس وذكريات احتلالهم حتى لقد شبهوهم بالوباء أو الطاعون، وأنه لم يكن في وسع ملك الهكسوس أن يعتبر نفسه ملكًا على مصر كلها، كما أنه ضاق بنشاط أهل طيبة وقلق من النتائج التي يمكن أن تترتب عليه، وأن "أهل طيبة" جعلوا من اختلاف المذهب الديني بينهم وبين الهكسوس سببًا لصبغ جهادهم ضدهم بصبغة مقدسة، وإذا كان هذا الجزء المكتوب المتبقي من البردية قد انتهى بغير نهاية واضحة، فقد صورت جانبًا من رأس المجاهد الشهيد الملك "سقنن رع " التي عثر عليها في طيبة الغربية.

مومياء الشهيد 

قال شاكر إن مومياء الملك سقنن رع تم العثور عليها مدفـونة بذراع أبو النجا، ثم أعيد دفنها لاحقًا في تابوتها الأصــلى في خبيئة الدير البحري وجسم هذا الملك الذي استشــهد في الأربعينات من عمره في حالة سيئة من الحفظ، إلا أن المـخ لا يزال موجودًا في تجويف الجمجمة، كما أن فـم المومياء لا يـــزال يحتفظ بطقم كامل من الأسـنان الصحية وتملأ رأس الملك الشـــــهيد الكثير من الجروح الشديدة، فيوجد طعنة خنــجر خلف الأذن والتي ربما انهالت عليه الضربات بعدها، كما حطمت خده وأنفه بضربات المقتامع، ويوجد أيضًا قطع نتج عن بلــطة حرب مخترقًا العظم أعلى جبهة الملك، وقد توجتها خمسة جراح عميقة من ضربات سيف ومقمعة وبضعة سهام، ودل كل جرح منها على بداية الجهاد المسلح في عهد صاحبه واستبساله واستماتته في الظفر بمأربه. 

أبناء الشهيد وزوجته 

وختم شاكر كلماته قائلًا إن ابن سقنن رع كامس أكمل مسيرة والده واستشهد أيضًا، ثم أكمل أخوه أحمس الطريق وطرد الهكسوس من مصر كاملة، ووقفت أمه بجانبه كما وقفت لجانب أبيه وأخيه، وهي الملكة إياح حتب التي لا زال المصريون يتغنون بسيرتها حتى الآن في مطلع كل شهر قمري "وحوي يا وحوي إياحة"، وسيظل سقنن رع أول ملك شهيد مات فى سبيل الدفاع عن أرض بلاده العزيزة مصر.