طارق الشناوي يكتب: الفيلم الإيطالى (مخفى جدًا) بداية السينما الجميلة!

الفجر الفني

بوابة الفجر


القسمة العادلة فى إدارة المهرجان ما بين الناقد والصحفى الإيطالى كالو شاتريان، المدير الفنى، والهولندية المنتجة مارييت ريسينبيك، هل تدخل فى إطار تطبيق اتفاقية (50 50)، والتى تعنى تحقيق قدر من المساواة بين الجنسين؟ البعض يفسرها هكذا، لا أتصور أن الأمور تقاس هكذا على هذا النحو، حتى لو بدت ظاهريا كذلك، عندما فعلها محمد حفظى، رئيس مهرجان القاهرة، وانضم للاتفاقية، كان من الناحية العملية محققا ذلك على أرض الواقع، حتى على مستوى التصنيف الجنسى بين أعضاء لجان التحكيم يقترب من ذلك، ويجب أن نذكر أن مهرجان القاهرة كانت ترأسه قبل حفظى د. ماجدة واصف، ولدينا العديد من المهرجانات المصرية ترأسها سيدات.

بعد أن ظل ديتر كوسليك لمدة 18 عاما مديرا للمهرجان، حان وقت التغيير، خاصة أن الصحافة الألمانية دأبت فى السنوات الأخيرة على التأكيد على الخفوت الإعلامى للمهرجان، فجاء التغيير وهو يحمل فى جانب منه تلبية لهذا المطلب.

العام الماضى شارك فى المسابقة الرسمية نحو سبعة أفلام نسائية، أقصد قدمتها مخرجات، لأن هناك فارقا جوهريا بين فيلم تخرجه امرأة وفيلم نسائى، هذا العام هناك حضور بستة أفلام عليها توقيع امرأة، بعضها إخراج مشترك بين رجل وامرأة، ويجب ملاحظة أن الثنائيات فى الإخراج السينمائى ارتبطت منذ انطلاق السينما على يد الأخوين (لوميير) لويس وأوجست، ثم تتابعت أفلام الأشقاء فى العالم، مثل (كوين) أمريكا، و(دادردين) بلجيكا، و(تافيانى) إيطاليا وغيرهم، والعديد من تلك الأفلام اقتسم الشقيقان فيها النجاح، وبالطبع هناك إخراج مشترك على الساحتين المصرية والعربية، ولكن لم نشهد إلا فيما ندر أن يشارك شقيقان فى إخراج فيلم، رغم أن السينما مثلا عرفت الأشقاء الثلاثة أحمد جلال وحسين فوزى وعباس كامل، ولكنهم لم يقدموا فيلما مشتركا، بل حرص كل منهم على أن يحتفظ باسم منفرد لا يشى أبدا برابطة الأخوة، وأيضا الأخوين (ذو الفقار) محمود وعز، لم يقدما فيلما مشتركا، وحاليا الأخوين (دياب) يشتركان فى عمل مشترك بكتابة السيناريو ومعهما الشقيقة الثالثة شيرين، ولكن كلا منهما يحتفظ برؤيته الإخراجية، فلم يخرجا حتى الآن فيلما مشتركا. نصيبنا من النساء المخرجات كبير منذ بدايات السينما، والآن عادت أيضا النساء بنسبة واضحة لصدارة المشهد.

يبدو للوهلة الأولى وكأن مهرجان (برلين) يعيد للأذهان تجربة قاسم أمين، المفكر المصرى الذى بدأت دعوته التنويرية فى نهاية القرن التاسع عشر، ولقبوه بمحرر المرأة، كان يرفع شعار المساواة بين الجنسين، هكذا من الممكن أن يصف البعض برؤية متسرعة مهرجان (برلين) فى تلك الدورة الاستثنائية التى تحمل 70 عاما على انطلاقه، فى ذروة زمن الحرب الباردة، ولم تتخلّ الإدارة الجديدة عن تحقيق الهدف، وإن كان الجميع من الناحية الرسمية يحرصون على نفى أى توجه متعمد لذلك فى توفر نسبة نسائية، ويؤكدون أن الاختيار ينحاز فقط للأفضل.

المهرجانات لا تهزمها الأحداث الخارجية، ولكنها تعايشها وتتغلب عليها، وهكذا بعد الجريمة العنصرية الإرهابية فى (هاناو) بفرانكفورت، والتى راح ضحيتها 9 من الأبرياء، وكان الافتتاح خير معبر عن ذلك، فهو لم يفقد نشر الإحساس بالبهجة، ولكن لم يغفل تلك الجريمة البشعة، وتوقيتها ليس له علاقة بموعد المهرجان، ولكنها الصدفة الزمنية، فى الافتتاح وقف الجميع دقيقة حداد للتنديد بالجريمة، ولكن المهرجان يواصل فعالياته ولم تتوقف، كراهية الأجانب ظاهرة بدأت تعبر عن نفسها بدموية فى العديد من المجتمعات الأوروبية.

بدأت تزداد عنفا فى أوروبا مع الخوف من استمرار التدفق البشرى للهجرة، سواء للعرب أو الأفارقة، من الممكن أن تؤدى إلى مثل هذه الجرائم، المهرجان يطرح أيضا سؤالا عن محاكمة المكرمين على مواقفهم السياسية والاجتماعية، هل قناعات الإنسان الفكرية حتى تلك التى أعلنها فى مرحلة مبكرة من عمره تظل محسوبة عليه؟ الواقع يقول نعم، وبات هناك اتهام يشكل ظاهرة لو أن هناك من رفض مثلا زواج المثليين تظل تلاحقه التهمة، الممثل الإنجليزى جيريمى إيرنزو، رئيس لجنة التحكيم هذه الدورة فى برلين، تعرض لهذا النوع من التفتيش، وهو ما دفعه إلى إعلان الحق فى الإجهاض وزواج المثليين، وفى نفس السياق، ولكن على المستوى السياسى، المدير السابق (الفرد باو)، الذى أُطلق المهرجان على يديه عام 51، وهو المهرجان الثالث تاريخيا بعد (فينسيا) و(كان)، حيث سبقه المهرجانان ببضع سنوات. هذه الدورة تم إلغاء جائزة (الدب الفضى) التى كانت تحمل اسمه بعد ظهور وثائق تؤكد أنه فى الثلاثينيات كانت له مساهمات نازية وعنصرية، رغم أنه كان رئيسا للمهرجان على مدى 20 دورة، من الواضح أن التاريخ لا يرحم أحدا، ورغم تمتع المجتمع الغربى بقدر من المرونة فى تقبل كل الآراء، إلا أن هناك مواقف تعد فى قائمة الجرائم التى لا يقهرها الزمن.

لاتزال تتعدد العروض، فيلم الافتتاح الكندى (عامى السلنجرى) نسبة إلى الكاتب الشهير ج. د. سالينجر، فيلم مسل وبه لمحات تمس القلب والتمثيل رائع، ولكنه لا يرقى لمستوى الاختيار كفيلم افتتاح فى مهرجان بحجم (برلين)، من الأفلام الهامة الرائعة داخل المسابقة الرسمية فيلم (مخفى جدا) إخراج جيورجيو ديريتى، حيث يتناول حياة فنان تشكيلى بكل تفاصيلها المليئة بالجنوح حتى فى علاقته بالذات العليا، فهو يقتل فى أحيان كثيرة، ليست فقط أعماله الإبداعية، بل علاقاته الإنسانية، ولا أتصور أن جوائز المهرجان ستخلو من اسم هذا الفيلم، سواء فى الإخراج أو التمثيل الرجالى.. نُكمل غدا!!.٫