منال لاشين تكتب: سيرة حذرة.. مذكرات الدكتور أحمد عكاشة

مقالات الرأي



عبدالناصر لوالدة عكاشة: طنط سنية تبطل تشتغل سياسة

الدكتور عكاشة يفجر مفاجأة: صلاح نصر شهم وطيب وكان بيعالج الفقراء على نفقة المخابرات

وجد الشاب أحمد عكاشة نفسه وسط مواجهات سياسية على مستوى العائلة أو بالأحرى الأسرة، فشقيقه عضو مجلس قيادة الثورة ومن قيادات البلد وهو الدكتور ثروت عكاشة، وشقيقته الكبيرة ثريا متزوجة من عدو الثورة السياسى والصحفى أحمد أبو الفتح، وعلى الأسرة أن تتحمل نتائج هذا الصدام والتناقض بين جناحى الأسرة، ولمن لا يعلم فإن خطيئة أحمد أبو الفتح التى لم ولن تنسى هو إطلاقه لإذاعة فى سويسرا ضد النظام المصرى أيام حرب السويس، قبلها كان أحمد أبو الفتح مجرد سياسى انقلبت عليه قيادات الثورة وتناسوا الخدمات التى قدمها لهم.

كان على الأسرة أن توفق بين حبها لابنتها وحبها لجمال عبد الناصر والابن ثروت والثورة التى انتموا إليها جميعاً، بل إن الكثير من اجتماعات الثوار قبل قيام الثورة كانت فى بيت آل عكاشة، ومع ذلك لا تلمس حيرة الدكتور أحمد عكاشة بين عبد الناصر وزوج شقيقته أحمد أبو الفتح فهو يقدر الأخير دون أن يقسو عليه، ولكن حبه لجمال عبد الناصر يبدو من بين سطور المذكرات التى حملت اسم «نفسى» للكاتب الصحفى محمد السيد صالح.

ولكن السيرة الذاتية لا تقتصر على الشخصيات والحياة السياسية فى مصر فقط، وإنما تؤرخ لحياة الدكتور عكاشة بين أسرته وفى بلده وفى الخارج.

1- الثورة فى المنزل

الشقيق الأكبر لأحمد عكاشة هو الدكتور ثروت عكاشة يكبره بنحو 16 عاما، وإذا كان الدكتور أحمد يلقب بـ(أبو الطب النفسى) فإن شقيقه ثروت يستحق عن جدارة لقب «أبو الفنون» فهو صاحب البنية التحتية إذا جاز التعبير للفنون والثقافة فى مصر، فضلاً عن ذلك فهو صاحب موسوعات قيمة للعرب جميعاً، بل إن البعض يعتبره عن حق موسوعة تمشى على قدمين.

ومن خلال اشتراك ثروت فى حركة الضباط الأحرار دخلت الحركة ثم الثورة فى بيت عكاشة فالجميع تحمسوا لها، وذلك على الرغم من أن الأم من أسرة تولى بعض أفرادها مراكز مرموقة وخطيرة فى العصر الملكى، كان عبد الناصر ورفاقه كثيرا ما يجتمعون فى بيت ثروت، ولذلك كان عبد الناصر يعرف الأسرة جيدًا.

وقد تسببت الأم فى إحراج لابنها ثروت بسبب على خلفية خلاف 54 بين عبد الناصر ومعظم مجلس قيادة الثورة من ناحية والرئيس الأول لمصر محمد نجيب من ناحية أخرى، فما كان من الأم إلا أن ذهبت بمبادرة شخصية منها لمحمد نجيب وحذرته من الانقسام الذى قد يؤدى إلى عزله، فلما أبلغ نجيب المجلس بهذه المقابلة، قال جمال لثروت: خلى طنط سنية بلاش تشتغل سياسة، ثم أضاف جمال: أوعى تزعلها أو تقول لها كلمة جارحة، ياما أكلنا من إيديها.

وقد التقى الدكتور أحمد عكاشة بجمال عبد الناصر، أكثر من مرة، وأتوقف عن اللقاء الذى تم بينهما بعد عودة الدكتور أحمد من البعثة، فقد أبدى جمال دهشته من اختيار الدكتور أحمد للطب النفسى، وكان يعتقد أن تطبيق الاشتراكية وقواعد المساواة سيجعل الناس سعداء ولن يحتاجوا لخدمة الطب النفسى، وعلى الرغم من أن الدكتور عكاشة عارضه إلا أنه لم ينس فى مذكراته أن يشيد بإحساس عبد الناصر بالناس وشعبه، أما المرة التى رفض عبد الناصر مقابلة الدكتور أحمد عكاشة، فكانت بعد الهزيمة، فقد اقترح الدكتور ثروت على جمال أن يلتقى بشقيقه الطبيب النفسى، ولكن عبد الناصر رفض، ويروى الدكتور أحمد أن طبيبا نمساويا قابله بعد وفاة جمال، وأن الطبيب أخبره أنه كان يعطى للرئيس الراحل دواء للاكتئاب بجانب أدوية السكر، وعلى الرغم من أن الدكتور عكاشة يؤمن بأن إصابة جمال بالاكتئاب أمر طبيعى بعد الهزيمة، فإنه يستبعد أن المشير عبد الحكيم عامر انتحر بعد ثلاثة أشهر من الهزيمة ويرى عكاشة أن ملامح شخصية المشير ليس من السهل أن تقرر الانتحار، خاصة بعد مرور ثلاثة أشهر من الهزيمة، وليس بعد الهزيمة مباشرة، ومع ذلك لا يجزم الدكتور عكاشة إذا كان المشير انتحر أو «استنحر» ويرى الدكتور عكاشة أن المشير كان ابن بلد وحبوب وحريصا على مساعدة من يلجأ إليه، ويروى أيضا عكاشة أن المشير كان صديقا للعائلة وساعدها فى زيارة شقيقته ثريا زوجة أحمد أبو الفتح فى المنفى، وساعتها قال المشير لا أحد يستطيع أن يمنع أخاً من زيارة شقيقته.

2- مفاجأة المذكرات

على أن مفاجأة المذكرات من وجهة نظرى هى شهادة الدكتور عكاشة عن مدير المخابرات فى عهد عبد الناصر صلاح نصر، فقد اعتاد الكثيرون أن يلصقوا بنصر أبشع التهم والصفات، صحيح أن صلاح نصر حوكم، ولكن الصحيح أيضا أن الكثير من الكتابات مالت إلى المبالغة فى اتهام الرجل وذلك فى إطار الحملة ضد كل ما هو ناصرى أو فى زمن عبد الناصر.

ولكن الدكتور عكاشة يقدم صورة مختلفة للرجل، وذلك بناءً على تجربته فى التعامل مع صلاح نصر. فالرجل كان يعالج غير القادرين نفسيا على نفقة المخابرات، بل إنه عالج سيدة منتقبة على نفقة المخابرات رمت موكب عبد الناصر وبومدين بحذاء قديم، ويصف عكاشة «نصر» بأنه كان رجلا طيبا وشهما، ولكنه يرى أن عيبه الأبرز هو تعلقه بعبد الحكيم عامر، وينهى الدكتور عكاشة شهادته عن صلاح نصر قائلا: «اقتربت منه لأربعة أعوام تقريبا، وأشهد أنه لم يطلب منى شيئا منافيًا لأخلاقيات الطب النفسى»، ويضيف الدكتور عكاشة: «كان صلاح نصر يعلم جيدا أن شخصيات بعينها من رموز السياسة والفن يتردودن على عيادتى وفى المستشفى، لكنه لم يطلب أية معلومات خاصة عنهم، وبالطبع لو كان فعل ذلك كنت سأرفض، ولكنه لم يطلبها»

ويرى الدكتور أحمد عكاشة أنه استدعى لتقديم شهادته ضد صلاح نصر فى قضية المخابرات الشهيرة، وسأله المحقق: هل كنت تعلم أن صلاح نصر بتاع ستات؟ فرد الدكتور عكاشة: سؤالك غريب جدا..هو مين فينا مش بتاع ستات، هو أنت ما بتحبش الستات، كل الرجالة بتوع ستات، هذه فطرة طبيعية، فقال له المحقق: قصدى كان له علاقات عديدة خارج الزواج؟ فقال الدكتور عكاشة: وهل تعتقد حضرتك أننى كنت أجالسه ليلا؟

3- أسرة سعيدة

لاشك أن نشأة الدكتور أحمد عكاشة كانت سعيدة وتؤهله للابتعاد عن مواطن الخلل، خاصة أن شقيقه ثروت تعهده بالرعاية الثقافية والفنية والرياضية، ولكننى لا أقصد هذه الأسرة إنما الأسرة التى أقامها الدكتور عكاشة، زوجته وابناه وأحفاده، فقد تزوج من جينيفر هيلين فتاة إنجليزية مثقفة وخريجة أكسفودر، وتطورت العلاقة بينهما من الاهتمام المشترك بالفنون إلى إعجاب، فنمى الحب بينهما على نار هادئة، ولذلك ضحت الزوجة بمستقبلها اللامع فى بلدها، وعادت مع الطبيب الشاب لتسكن فى البداية مع أسرته، ثم فى شقة صغيرة كانت عيادة وسكنا فى آن واحد، لأن الطبيب الشاب أصر على أن يعتمد على نفسه ورفض أى دعم من أسرته، كان على هذه الزوجة العظيمة أن تحبس نفسها فى غرفة النوم طوال ساعات العيادة، وشغل وقتها بكتابة أبحاث زوجها على الآلة الكاتبة، وفى هذه الشقة ولد أول أبناء الدكتور عكاشة.

ولا تزال هذه الشقة هى عيادة الدكتور أحمد وابنه الدكتور طارق حتى الآن، وفى المذكرات ييصف الدكتور هذه الشقة بأنها «وش السعد» عليه.

فالدكتور أحمد لديه ابنان الأكبر طارق واتخذ من الطب النفسى طريقا ومستقبلا، أما الأصغر هشام فقد درس الاقتصاد وأصبح الآن رئيس البنك الأهلى.

ومن المفارقات أن الأحفاد صاروا على نفس الطريق بنات طارق «سلمى وندا» درسا وتخصصا فى علم النفس، (وهو علم شقيق للطب النفسى)، أما أبناء هشام «أحمد وحسين» فقد درسا وتخصصا فى علم الكمبيوتر، تخرج الأكبر ولا يزال الثانى يدرس فى الجامعة، وقد حرصت زوجته ألا يشعر الأبناء أو بالأحرى يعانون من مشاكل الزواج المختلط، فقد تعلمت اللغة العربية وتتحدثها بطلاقة، ثم قرأت فى الإسلام وأسلمت عن اقتناع.

4- سيرة حذرة

حين تنتهى من قراءة السيرة الذاتية للدكتور أحمد عكاشة أو بالأحرى ما تيسر منها، قد تلاحظ الحذر فى رواية الكثير من القصص لأنها مرتبطة إما مرتبطة بمرضى لا يجوز كشف أسرارهم، أو بمؤسسات حساسة لا يجب التوغل فى العلاقة بها، ولكن الانطباع الثانى فهو الأخلاقيات الرفيعة للدكتور عكاشة، يعطى لكل ذى حق حقه بصرف النظر عن الظروف السياسية أو تغيرها، يتحدث عن الرئيس مبارك وزوجته السيدة سوزان بمنتهى الاحترام، ويذكر كل من ساعده فى تحقيق حلمه ببناء المركز النفسى لجامعة عين شمس، ويتحدث بشجاعة عن بعض الأمور الخلافية فى المجتمع بشكل علمى بحت، وتترك المذكرات نفس انطباع صاحبها، فكلما رأيت أو تحدثت مع الدكتور عكاشة أشعر بتفاؤل وأقول لنفسى الدنيا لسه بخير.