عبدالحفيظ سعد يكتب: شاكوش على رأس إمبراطورية التوكتوك

مقالات الرأي



الفن يعبر عن واقع مجتمع ويجسّد اهتمامات الناس.. وهبوطه وعلوه مرتبط بمستواه

على خشبة المسرح القومى الأسبوع الماضى، دار عرض، حظى بمشاهدة من قيادات وزارة الثقافة وعلى رأسهم الوزيرة إيناس عبدالدايم، لتكريم المخرج المسرحى الراحل محسن حلمى، وتضمن الاحتفال عرضا مسرحياً قصيراً عن حياة الراحل، وفقرات شعرية وغنائية، كان أبرزها ما قدمه الفنان على الحجار.

أجواء الاحتفال الذى حضره عدد من المثقفين وأصدقاء الراحل، كانت تعبر عن رؤية الفن الراقى، احتضنها أبوالفنون (المسرح) والذى أفنى محسن حلمى حياته فيه، وقدم خلالها 32 عملا ما بين غنائى واستعراضى وتراجيدى وكوميدى، كان أشهرها «ليلة من ألف ليلة وليلة» وعدة مسرحيات للسيناريست لينين الرملى، لكن لم ينل من الشهرة أو الثروة ما يكفى عطاءه.

لذلك جاء العرض، معبرا عن ذكرى صاحبه فى بساطته وعمقه، والذى كان يرى المسرح رسالة تعبر عن وجدان المجتمع، وترتقى بذوقه العام، وهو ما جسّده العرض على مدار ساعتين معبرا تماما عن روح محسن حلمى.

لكن الصورة كانت مختلفة تماما خارج أسوار المسرح حيث ميدان العتبة، غابة من البشر، تتجه إلى أسواقه. هناك كانت أغنية حسن شاكوش «بنت الجيران» وأشقاءها من أغانى المهرجانات تملأ المكان وتُشعرك بضجيج الأصوات بعد أن انقطعت أذنك لمدة ساعتين موسيقى وترى عيناك أضواء وديكورا يحمل ذوقا داخل المسرح، تعبر الطريق أكثر نحو شارع محمد على، يختلف تأثير الأغنية، هذه المرة الصوت صادر من التوكتوك، مقترنا بما يحدث من أصوات، تعتاد أذنك على السمع أكثر، وتنسجم أكثر فى التفاعل من اللحن الذى يحمله التوكتوك، والذى بدأ يلامس شوارع قلب ووسط القاهرة، ليتمكن من السيطرة العامة على الذوق العام.

1- مملكة التوكتوك

يلخص غزو التوكتوك الصراع المتناقض الذى يعيشه المجتمع، الذى يتحدث ما يزيد على 30 مليونا ليلا ونهارا على مواقع التواصل التواصل عن الذوق العام ورقى تصرفات البشر، بينما يعيش حياته الحقيقية خارج واقعه الافتراضى، بكل ما تحمله ملامحه من ثقافة التوكتوك.

التوكتوك، والذى تحول من وسيلة انتقال رخيصة وسهلة، متنقلا بين شوارع وأزقة الأحياء الشعبية، إلى ثقافة عامة، تشكل الذوق العام للمجتمع.. فى مملكة التوكتوك والذى وصلت أعدادها فى مصر إلى 3 ملايين ماكينة، لها فى كل شارع وحارة صوت، يستخدمها ملايين الركاب فى كل ربوع مصر، لذلك لا صوت يعلو على صوت التوكتوك، لدرجة أن هناك جرائم باتت مسجلة باسمه «جرائم التوكتوك».

يحكم مملكة التوكتوك صاحب الثلاث عجلات، والصوت الذى اشتقت منه اسمه، قانون خاص فى الذوق والتعامل والأمان فى وسيلة مواصلات، قانون لا يحكمه قانون، بداية من عدم ترخيصها، رغم إقرار قانون فى مجلس النواب، وصولا لاستحواذ الصبية على غالبية سائقيه، ومن هنا صار كالنار فى الهشيم انتشر وطغى على المشهد العام.

2- انتفاضة ضد شاكوش

ومثلما كان التوكتوك الوسيلة العشوائية فى الانتقال، يعبر أيضا عن العشوائية التى طغت على الذوق العام فى المجتمع الذى انتفض على مدار الأيام الماضية على أغنية «بنت الجيران» والتى اقترنت باسم حسن شاكوش.

أشهر جمهور السوشيال ميديا، المدافع عن الذوق العام والراعى للأخلاق فى المجتمع، سيوفه وتوجه للأغنية، فى البداية مستغربا لوصولها قمة الترند العالمى، على موقع الصوتيات «سوند كلاود» وتحقيقها أرقاما قياسية فى المشاهد، ثم يتجه هذا الجمهور ثانية ليكتشف أن الأغنية تحتوى كلمات خارجة «الخمر والحشيش»، ما تعتبر دعوة للانحطاط فى المجتمع. وتدميرا لذوقه العام.

3- معركة الذوق العام

الجمهور، الخائف على ذوقه العام، على الرغم من أن معظم أفراده لا يكثرث فى إلقاء فضلاته فى عرض الشارع، ويدمر مدنه وأحياءه بعشوائيات فى البناء ولا يتورع فى استخدام أكثر الألفاظ سوقيه وابتذال عندما يخوض معاركه التافهة على مواقع التواصل الاجتماعى، وصولا لاحتفائه بكل ما هو هابط، ينتفض ضد «بنت الجيران» ومعها ما يعتبره تدميرا لذوقه العام من غول الذوق العام، وتتحرك مؤسسات رسمية متمثلة فى نقابة الموسيقيين والتى يقودها المطرب هانى شاكر، نجم جيل السبعينيات والثمانينيات فى القرن الماضى.

اتخذت النقابة قراراً بمنع غناء العشرات من فنانى المهرجات وعلى رأسهم مطربى أغنية «بنت الجيران»، لكن الأغنية مستمرة فى الصعود، تسجل أرقاما ومشاهدات أعلى على مواقع التواصل تستمر قاعات الأفراج والنوادى والمقاهى، ترددها.

لا أحد يكترث كثيرا، لقرار نقابة الموسيقيين، ولا حملات السوشيال ميديا أو حتى وسائل الإعلام فى محاربة ما يعتبره فنا هابطا، يدمر الذوق العام للمجتمع، هذا الذوق الذى لا يختلف كثيرا عن الثقافة فى مملكة التوكتوك، وتعبر عنه أغانى المهرجانات، وهو ما يعتبره البعض أن هذه الأغانى والفن الهابط ما هى إلا معربا عنه.

صحيح أن كلمات الأغانى وما يعتبره البعض، تعبر عن تدنٍ فى الأخلاق، ليس وليدة اليوم، ولكنها منذ سنوات عدة أداها مطربون كبار، وقامات غنائية، كلمات تشبه فى ألفاظها ما هو أكثر من أغانى شاكوش وأقرانه.

لكن فى الحقيقة، رغم ما كانت تحتويه هذه الأغانى من ألحان موسيقية مختلفة تختلف عن ألحان مملكة التوكتوك، لكن كان الذوق العام لا يحتفى بها كثيرا، ولم يجعلها ترند، كانت توضع فى نصابها، وقتها كان الذوق العام، صاحب الكلمة، وهو ما كان يحدد حدود الفن، ولكن الآن لا تسأل عن مستوى أغنية، وتسن سيوفك عليها، لأنها ببساطته معبرة عن ذوقنا العام، تجد من يسمعها ويطرب لها فالموسيقى تحديدا تعبر عن الواقع الذى نعيش فيه، فقبل أن نواجه الفن الهابط، علينا أن نصعد بمن يسمع، ونغير من ذوقهم العام، ربما وقتها نجد ما يرضينا.