د. رشا سمير تكتب: ليس منا من لم يحترم كبيرنا!

مقالات الرأي



تتداعى الأمم حين تنهزم الأخلاق.. وتنهزم الأخلاق متى يصبح القانون الذى يحكم المجتمعات هو قانون البقاء للأقوى.

كنا صغارا وكانت العبارات التى تحكم علاقاتنا بالآخرين هى عبارات..العيب والصح والاحترام..

تعلمنا أن نقف لمن يكبروننا سنا من باب الاحترام حتى لو كان من نقف له عامل البوفيه لأن خادم القوم سيدهم..تعلمنا أن نترك مقاعدنا فى المواصلات لكبار السن، لنقف وهم يجلسون احتراما لشيخوختهم التى سوف تطالنا يوما..

تعلمنا أن نبجل معلمينا لأنهم من سقونا الحرف..تعلمنا أن نستأذن وأن نتعلم من الآخرين وألا نسخر من آلام البشر..

تعلمنا وتعلمنا وتعلمنا..كان التعليم فى الصغر كالنقش على الحجر فلم ننسه..

ثم وقعنا فى قبضة الحياة وانشغلنا بمعاركها حتى نسينا أو ربما تناسينا فى خضم الصراع الزائف وراء المال والنجاح، أن نعلم أبناءنا، غابت الأم وانشغل الأب وتوارى دور الثقافة والإعلام والفن، وسقطت الرموز فى بئر سحيق، حتى أصبح الأسطورة بديلا لأحمد مظهر، وأغانى المهرجانات بديلا لأغانى الجيل الجميل..

انحدر كل شىء وأرجوكم لا تنعتوننى بالتشاؤم..التشاؤم لم يكن يوما عنوانى إلا أمام ما أصبحت أراه كل يوم..

فى واقعة بحق استوقفتنى كما استوقفتنى قبلها ألف واقعة دون جدوى ولا حراك حقيقى سوى البلبلة الكاذبة على مواقع التواصل الاجتماعى، صفع طفل يبلغ من العمر ١٢ عاما سيدة فى سن جدته لمجرد أنها حاولت أن توجهه أو تخبره أن ما فعل (عيب)!.

والأدهى أنه بتدخل رجل محترم لمنعه من هذه الممارسة اللا أخلاقية، صفعه هو الآخر أو ربما سبه، وكان رده:

«أنت ما تعرفش أنا ابن مين!»

حدث هذا يا سادة فى نادى الجزيرة العريق، النادى الذى يضم أولاد الذوات وكريمة المجتمع من البشر!.

الأدهى من هذا وذاك أن أهل الطفل لم يعنفوه ولم يغلطوه، بل دافعوا عنه! وهذه هى المأساة الحقيقية والخطأ الذى نرتكبه جميعا، الدفاع بالباطل عن الخطأ محاولين تبرير حدوثه، مما يدفع أبناءنا للمزيد من الخطأ.

الحقيقة أنا لا أعرف أصحاب هذه القصة شخصيا ولكنها قصة تشير إلى مأساة حقيقية وانهزام حقيقى للقيم فى زمن انحدر فيه البشر والحجر.

لا يفوتنى هنا إلا أن أقدم خالص تقديرى واحترامى لرئيس مجلس إدارة نادى الجزيرة الرياضى المهندس عمرو جزارين وأعضاء المجلس المحترمين الذين قاموا دون تردد أو خوف باتخاذ قرار حاسم بإسقاط عضوية الطفل وعائلته، وهو ما يؤكد أن للأخلاق حراسها فى كل مكان.

أعلم أننى ربما كتبت فى هذا الموضوع أكثر من مرة، بل لن أكف أبدا عن الكتابة فيه..سقوط دولة الأخلاق!

لابد أن نعود قليلا إلى أبنائنا، نستمع إليهم ونقومهم، نحتضن آلامهم ونعلمهم الصح والغلط، الجيل الجديد وخصوصا جيل الإعدادى والثانوى أصبح قنبلة موجودة بدءا بطريقة الكلام والتصرفات وهو راجع دون شك لقلة التربية والتوجيه..

المناهج الدراسية تحتاج إلى تطوير حقيقى يجعل مادة الأخلاق والقيم مادة أساسية أو ربما يجب أن تتغير القصص المقررة لتتماشى مع العصر من خلال تدريس قصص مفيدة حقيقية تمس الطلبة..الدراما التليفزيونية والسينمائية يجب أن يتم التعامل معها على أنها طلقة رصاص تسكن الصدور، الثقافة يجب أن يكون لها دور مؤثر، وهنا يجب أن أذكر أننى كنت أدير ندوة فى معرض كتاب القاهرة ضيفتها سيدة شابة من جنوب إفريقيا لها تجربة رائعة عن التسامح، وكانت نسبة الحضور لا تتعدى العشرين مستمعاً!.. لماذا لا يتم دفع أطفال المدارس لحضور تلك الندوات إجباريا للاستفادة والانفتاح على الثقافات المختلفة؟..

الأخلاق تحتاج إلى حُماة، والأجيال القادمة تحتاج إلى من يرعاها ويقومها ويعلمها حتى لا تتكرر تلك القصة ألف مرة جديدة..

يا سادة نحن إذا زرعنا الشوك لا نحصد إلا شوكاً..فلماذا لا نزرع الياسمين من باب التغيير؟.