المخرج صقر لـ"الفجر الفني": "راس السنة" يشرح الخلل في منظومة القيم وغياب الطبقة الوسطى (حوار)

الفجر الفني

بوابة الفجر



يخوض المخرج الشاب صقر تجربته السينمائية الأولى في عالم الإخراج من خلال فيلم "رأس السنة"، والذي طُرح في دور العرض الأسبوع الماضي.

الفيلم من تأليف محمد حفظي، ويشارك في بطولته كل من إياد نصار، وشيرين رضا، وبسمة، وأحمد مالك، وهدى المفتي، وعلي قاسم.

"الفجر الفني" حاورت المخرج الشاب للحديث عن كواليس تجربته الأولى ومشروعاته المقبلة..

في البداية، حدثنا عن انطلاقة "رأس السنة"، كيف ومتى بدأ التحضير للفيلم؟
قرأت سيناريو الفيلم منذ ثلاث سنوات، أرسل مؤلف العمل محمد حفظي السيناريو لي بصورة ودية ضمن مجموعة مختلفة من السيناريوهات بناءًا على طلبي لقراءتها، أعجبني فيلم "رأس السنة"، ولم يكن "حفظي" يفكر وقتها في مخرج بعينه للفيلم، وتركنا العمل لفترة، وقبل عام طلبت منه أن أخرجه.

ما أبرز ما جذبك في الفيلم لإخراجه؟
جذبني للفيلم عاملان، الأول تشريح "حفظي" في السيناريو للخلل الواضح في منظومة القيم بسبب غياب الطبقة الوسطى دون الحديث المباشر والصريح عن الطبقات، بالإضافة إلى تركيبة الشخصيات التي لم يكن أي منها ملائكي أو شيطاني بصورة كاملة، بخلاف أنها شخصيات حقيقة شعرت أني أعرفها على أرض الواقع.

أما العامل الثاني فكان التكنيك المستخدم في كتابة السيناريو، لأن أفلام اليوم الواحد من الأفلام الصعبة، ومن يخرج فيلمه الأول يريد أن يكون به تحدي، كنت أُفضل أن يكون التحدي على مستوى القصة أو الأداء التمثيلي على أن يكون تحدي تقني لأن التحديات التقنية هي الأسهل ويقوم بها أشخاص آخرون غير المخرج.

تدور أحداث الفيلم في نهاية عام ٢٠٠٩، هل كانت هناك أسبابًا خاصة وراء اختيار هذا العام بالتحديد؟
كتب محمد حفظي السيناريو منذ عام ٢٠٠٩، وحين قرأت العمل، كان السؤال المطروح عن الحقبة التي سنقدم فيها الأحداث، كانت وجهة نظر "حفظي" أن تكون الأحداث معاصرة، وكان رأيي أن شكل المجتمع الآن أصبح أكثر بذخًا وتطرفًا على مستوى الفروق بين الطبقات، وفي النهاية استقرينا على عام ٢٠٠٩-٢٠١٠، لأن الفيلم يحكي عن طبقة الأغنياء الجدد ممن ظهروا بعد ٢٠٠٥، وتطور فكرة المجمعات السكنية المنغلقة (الكمبوناد)، وانغلاق الأغنياء على أنفسهم لحمايتهم من الاحتكاك بباقى طبقات الشعب، وكانت ذروة هذه الطبقة في عام ٢٠١٠، والفيلم لا علاقة له بأحداث ثورة ٢٥ يناير، لكن من الوارد أن يراها البعض كذلك لكن هذه القراءة مختلفة.

كيف وجدت توارد الأفكار بين الفيلم الكوري "parasite" وبين عملك، خصوصًا مع خروجهما للنور في فترات متقاربة؟

أعجبني فيلم parasite كثيرًا، مرت فترة طويلة لم تُقدم فيها أعمالًا عن الفقراء والأغنياء لأن الفكرة قُتلت بحثًا في جميع الفنون، وبالصدفة وبعد أن انتهينا من صناعة الفيلم، شاهدنا parasite، وهو ما أسعدني لأني وجدت فيلم قوي سيشجع الناس أن تشاهد مثل هذه المواضيع مرة ثانية، وهو ما كان في صالحنا. 


ويظهر التشابه بين العملين في أن الموضوع إنساني يرغب الجميع في الحديث عنه لكن بصور مختلفة، كنا بحاجة للبعد عنه فترة طويلة لكي تكون عودتنا للحديث عنه بأسلوب سرد جديد ومختلف وهو ما تحقق في parasite، وفي كتابة حفظي ل"رأس السنة"، خصوصًا وأن التكنيك المكتوب به ساعده في الهرب من التقليدية في موضوعات الفقراء والأغنياء، ولكن لا أزال أرى أن الفيلم لا يحكي عن الصراع الطبقي.

يشارك في الفيلم نخبة من الفنانين الكبار والشباب، كيف كانت تجربة إدارة هذا الكم من النجوم؟
لم تكن تجربة إدارة النجوم كمخرج للمرة الأولى صعبة، لكن كان بها تحدي ممثلًا في العدد، يتواجد في الفيلم ٦ ممثلين على نفس القدر من النجومية تقريبًا، إلى جانب أن جميع الأدوار كانت مهمة حتى ولو صغيرة، وذلك بسبب طبيعة السيناريو الذي يجعل جميع الشخصيات مهمة، وما سهل عملية إدراتهم كانت سابق الخبرة في العمل كمنتج في أفلام كثيرة، بالإضافة إلى طريقة تحضير الفيلم التي استغرقت وقت طويل وهو ما أسس لعلاقة جيدة مع الممثلين، وسهل من التعامل معهم وقت التصوير، كما أن اختيار الممثلين كان على أساس الموهبة وأن تكون الشخصية مناسبة لفريق العمل، وفي حال كان الفنان موهوب لكن شخصيته غير مناسبة أو ستسبب إزعاج ما كان يتم استبعاده تمامًا، ولذلك لأن صناعة الفيلم نفسها لابد أن تكون ممتعة.

ماذا عن منع عرض الفيلم العام الماضي لأكثر من مرة.. وهل طال مقص الرقابة العمل؟
موضوع الرقابة كان إداريًا بحتًا، لم تعترض الرقابة على أي مشهد بالحذف أو التعديل، والفيلم خرج كما هو، أي مشهد حُذف من العمل كان لأسباب فنية راجعة لصناع الفيلم، والاعتراض من الرقابة كان على توقيت طرح الفيلم فقط، وكانت مدة التأجيل مفيدة في العمل أكثر على شريط الصوت، وكل الأخبار التي تتحدث عن حذف بعض مشاهد الفيلم غير حقيقة.

حدثنا عن شريط الصوت واختيارات الموسيقى التصويرية للفيلم
لدى اهتمام بالموسيقى يوازي حبي للسينما، في البداية جربت التعاون مع اثنين من المشهورين في وضع الموسيقى التصويرية في مصر، سمحوا لي في البداية بتجربة الأمر ثم تحديد إمكانية التعاون من عدمه، ولكن في النهاية قررت أن تكون طريقة صناعة موسيقى الفيلم من خلال الاستعانة بمؤلفات موسيقية جاهزة، إلى جانب مشاركة ٣ أشخاص كل منهم وضع موسيقى خاصة، مع الاستعانة ببعض الكلاسيكيات من أرشيف الموسيقى العالمية، وهي طريقة مشهورة عالميًا ويعد المخرج الأمريكي كوينتن تارانتينو من أشهر مستخدميها، وكنت راضي عن شريط الموسيقى ومستمع به وأتمنى أن يكون الجمهور لديه نفس الرأي.

هل كان لديك تخوف من كيفية استقبال الجمهور لجرأة الطرح في الفيلم؟
كل صانع عمل يعرف أن تخطي بعض الخطوط قد يكون مزعجًا لبعض المشاهدين، كنا مدركين أن بعض أحداث الفيلم قد تسبب نوع من الدهشة عند قطاع كبير من الجمهور غير المحتك بهذه الشريحة المجتمعية ومن لا يعرف تفاصيل شكل حياتهم اليومية الحقيقي، لكن في النهاية المنطلق لأي صانع فيلم أن شئ ما في الحياة مزعج له أو يمثل همًا بالنسبة له، ولذلك يتحمس لتقديمه دون أن يفكر في ردود الأفعال التي سيسببها وإلا سيكون العمل حياديًا بزيادة، وللأمانة ليس هذا هو نوع السينما الذي نطمح لتقديمه، وهناك خط رفيع لتقديم السينما التي ترغب فيها بحرية كاملة دون أن تعادي وجدان الجمهور.

حدثنا عن أبرز التعليقات الإيجابية والسلبية التي تلقيتها بعد عرض الفيلم؟
معظم التعليقات كانت إيجابية وهو أمر مقلق، أظن أن الناس تتعاطف مع التجربة الأولى لأي مخرج، وأكثر ما أعجبني في التعليقات هو تجاوز الناس لفكرة التجربة الأولى، وهو ما أسعدني لأني أجلت تقديم الفيلم الأول حتى أصل لمرحلة كافية من النضج لصناعته، لكن الحمد لله يبدو من التعليقات أن درجة النضوج في الفيلم لم تكن قليلة، أما بالنسبة للتعليقات السلبية فلم تضايقني لأني على دراية بها.

ما مدى رضاك عن الفيلم كتجربة أولى؟
أنا راضي بصورة كبيرة على تخطي صعوبات أول تجربة، لكن الرضا عن الفيلم بشكل كبير هو أمر صعب لأي صانع، أنا سعيد بالفيلم حتى الآن، ولا أمل من تكرار مشاهدته، وأتمنى أن يكون الجمهور لديه نفس الانطباع، ولا يشعر أن ساعة و٥٠ دقيقة هي مدة عرض الفيلم ضاعت من وقته، راضي عن أشياء في التجربة الأولى، وغير راضي عن أشياء أخرى، وواثق من تجاوزها في التجارب المقبلة، لكن إجمالا كتجربة أولى جيدة.

ختامًا، ماذا عن مشروعاتك المقبلة؟
كمنتج، أحضر لفيلم "التهويدة" مع المخرج طارق العريان، ومن المقرر البدء في تصويره منتصف مارس المقبل، وكمخرج أعكف حاليًا على كتابة فيلمي الثاني "العلمين" وسيستغرق تحضيره وقتًا طويلًا لأن أحداثه تدور في فترة الحرب العالمية الثانية، ومن المتوقع البدء في تصويره بداية العام المقبل.