"طعنات السجناء السابقين".. أزمة داعشية جديدة تهدد أوروبا

العدد الأسبوعي

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية


من جديد، عادت حوادث الطعن لتتصدر المشهد فى أوروبا، وتحديدًا فى لندن، حيث أقدم سوديش أمان، 20 عامًا، على مهاجمة عدد من الزبائن والمارة باستخدام منجل داخل وخارج متجر بشارع التجار لحى ستريتهام جنوبى العاصمة البريطانية، ليصيب ثلاثة أشخاص بينهم امرأة، قبل أن يطلق أحد أفراد الشرطة السرية النار عليه منهيًا حفلة الدم المروعة بأقل قدر ممكن من الخسائر..

ورغم السيطرة الأمنية العاجلة على الهجوم، فإن شرطة لندن بدت فى موقف حرج للغاية، وذلك على خلفية وقوع الجريمة بعد أقل من أسبوع من خروج منفذها من السجن، بعدما كان قد قضى فقط أقل من نصف عقوبة السجن لمدة ثلاث سنوات، جراء تورطه فى 13 جريمة إرهابية.

المثير، أن أمان المتحمس بشدة لداعش، والذى سبق أن طالب صديقته بقطع رأس والديها لأنهما «كافران»، نفذ الهجوم بينما كان خاضعًا للمراقبة من قبل الشرطة السرية، كإجراء احترازى يطبق على المفرج عنها بشروط فى جرائم الإرهاب، الأمر الذى يفسر التدخل الأمنى السريع.

لكن وفى المقابل فإن الحادث يفضح بشدة القصور الإجرائى والقانونى فى بريطانيا فى معالجة ملفات المتورطين فى عمليات عنف مسلح لأسباب دينية متطرفة، خاصة أن جريمة الطعن الجديد تأتى بعد شهرين فقط من جريمة مماثلة أقدم عليها بريطانى شاب من أصل باكستانى، هو عثمان خان، فوق جسر لندن الشهير (لندن بريدج)، حيث هاجم الحاضرين فى برنامج لتعليم وتثقيف المساجين السابقين، كان قد حضره بإذن مسبق من الشرطة، ليُقتل على يديه باحثان اجتماعيان كان يساعدانه فى الاندماج مجددًا فى المجتمع، وذلك بعد أن قضى عدة سنوات خلف القضبان لارتباطه بشبكة إرهابية، فيما تم الإفراج عنه مبكرًا أيضًا.

وفى رد فعل فورى، أعلن رئيس الوزراء البريطانى بوريس جونسون، فرض إجراءات أكثر تشددًا على المدانين فى جرائم إرهاب، وكشفت وزارة الداخلية البريطانية بعد عملية أمان، عن نية الحكومة سن تشريع جديد «لإنهاء الإفراج المبكر عن المدانين فى جرائم الإرهاب».

ولم تكن باريس أفضل حالًا من لندن هذا الأسبوع، فبعد ساعات قليلة من طعنات أمان، أطلقت الشرطة الفرنسية النار على شخص يحمل سكينًا وأصابته بعدما حاول مهاجمة عدد من أفراد الشرطة داخل مركز للأمن.

وكانت الشرطة الفرنسية تلقت إنذارًا «هاتفيًا» من مجهول عرف نفسه بأنه ضابط سابق يدين بالولاء حاليًا لداعش بأن عملًا إرهابيًا عنيفًا سيحدث داخل أحد المراكز الأمنية، الأمر الذى رفع حالة الاستنفار لدى شرطة باريس وهو ما ساهم فى السيطرة الفورية على الأمر.

ويعد هجوم الطعن الأخير فى مركز شرطى بباريس هو الأول منذ أكتوبر 2019، حين أقدم رجل أمن على قتل 4 من زملائه باستخدام سكين حاد، غير أن العاصمة الفرنسية كانت قد شهدت مطلع يناير الماضى أيضًا مقتل شاب على يد الشرطة حاول طعن الزائرين داخل حديقة عامة.

وإذا كان جرائم الدهس على طريقة حادثتى نيس وسوق عيد الميلاد فى برلين، أو الهجمات الانتحارية المتزامنة كما جرى مثلُا فى باريس وبروكسل عامى 2015 و2016، قد سيطرت لفترات طويلة كنمط رئيسى لذئاب داعش النشطة فى أوروبا على مدار السنوات الأخير، فإن عمليات الطعن عادت حاليًا لتجتاح أوروبا وعددا من مناطق العالم الأخرى المتفرقة كأبرز وسائل الإرهاب الداعشى وأكثرها شيوعًا، فقد تعددت حوادثها وبشدة فى عام 2019، وهو ما جرى مثلا فى ديسمبر فى لاهاى الهولندية، وفى نوفمبر فى الرياض باستهداف عرض مسرحى لفرقة إسبانية.

كما قتل شخص بالقرب من مدينة ليون الفرنسية فى سبتمبر الماضى، وقبلها ببضعة أسابيع وقع حادث طعن بسكين خارج وزارة الداخلية فى لندن، وقبلها قتلت سائحة أمريكية وأصيب 5 أشخاص بوسط لندن فى حادثة مشابهة، كما روع رجلان رواد مطعم قرب جسر لندن وأصابا أثنين فى حادثة ثالثة.

وكانت الأعوام 2018 و2017 و2016، شهدت حوادث طعن مماثلة بالسكين أو بآلات حادة فى لاهاى وهامبورج وميونخ والغردقة وغيرها.

وبينما ترتبط حوادث الطعن بذئاب داعش المنفردة، إلا أن أصلها قاعدى، بل هى تعد أبرز وسائل الإرهاب العشوائى الذى اخترعه تنظم القاعدة فى اليمن والجزيرة العربية بقيادة أنور العولقى وناصر الوحيشى، واللذين قتلا بغارات أمريكية عامى 2011 و2015، حيث شرح العولقى بمقاله الشهير بمجلة «أنسباير» (مجلة إلكترونية تابعة للقاعدة تصدر بالإنجليزية) والذى جاء بعنوان «كيف تصنع قنبلة فى مطبخ أمك»، كيف يمكن للمرء صناعة قنابل ومتفجرات أو أدوات قتالية أو مطارق حادة من عناصر بسيطة تتواجد فى المطابخ والبيوت العادية.

والوحيشى نفسه سبق أن تحدث عن عمليات الطعن على وجه التحديد فى العام 2009، فى مقال له نشرته مجلة «صدى الملاحم» التابعة للتنظيم فى اليمن، حيث حرض عناصر القاعدة على استخدام السكين مهاجمة «الإعلاميين والعلمانيين والكتّاب المؤيدين لأنظمة الحكم العربية،»، باعتبار أن السكين «سلاح ناجع لبعضهم»..

ومع ذلك، يظل تنظيم داعش هو الأكثر استخدامًا لسلاح الطعن فى هجماته عابرة الحدود، والذى أصبح يمثل صداعًا كبيرًا للشرطة والأمن فى دول أوروبا، بل صار على يد السجناء والمدانين السابقين فى قضايا الإرهاب هو الموضة الأكثر نشاطًا هذه الأيام، حيث يخرج أغلبهم للانتقام بنصال السكاكين..