محمد مسعود يكتب: جنات الجحيم!

مقالات الرأي



ما إن ضرب فيروس كودونا مقاطعة يوهان بالصين، حتي شعر العالم بالذعر، والخوف، من أن يتسبب الفيروس الخطير، فى حالة إبادة لمئات الآلاف، أو قل مئات الملايين، للمواطنين على مستوى العالم.

وعلى الفور، بدأت كل دولة فى مخاطبة رعاياها، منها من رفضت عودتهم، ومنها من فرضت الشروط عليهم.. قبل استقبالهم، والحقيقة أن معادن الحكام، تظهر جلية وقت الخطر، ووقتها أيضا، يظهر إذا كان هذا المواطن عزيزا أو مهانا، غاليا أو رخيصا.. لذا استوقفنى موقف مصر -الحالى- من مواطنيها فى دولة الصين.

المعروف، فى عصور سابقة، أن المواطن المصرى، كان هو الأرخص على الإطلاق، مواطن بلا حقوق، وبلا دية، فى معظم بلدان العالم، وكانت مصر لا تتحرك - إذا تحركت!! - إلا لاستلام جثث أبنائها.

كم شعرنا بالخزى والذل فى مواقف ضاعت فيها إنسانية المواطن المصرى خارج بلده، كم من مرة ضاعت حقوقه، وأهدرت كرامته، وأريق ماء وجهه، كم من مواقف وقف فيها حكام سابقون، فى موقف النعامة التى ترفض رفع رأسها عن الرمال، لرؤية ومعرفة ما يحدث لأبنائها فى الخارج.

ولهذه الأسباب، فقد جواز السفر المصرى كبرياءه وأهدرت كرامته بين جميع دول العالم، لذا.. بحث الكثيرون عن الحصول على جنسيات عدة، عن أحلام زائفة، ظنا منهم أنهم سينتقلون من النار وجحيمها، إلى الجنة ونعيمها، وراود الحلم الأمريكى والكندى الكثيرين، الأمر الذى جعل الأثرياء يبحثون عن إنجاب أطفالهم فوق الأراضى الأمريكية، كونه أقوى جواز سفر فى العالم، ولما يتمتع به المواطن الأمريكى من حماية، فوق أى أرض.. وتحت أى سماء، طبقا لما هو مكتوب فى جواز السفر الأمريكى: «أنت فى حماية الولايات المتحدة الأمريكية»، أما كندا فقد كتبت فى جواز سفر مواطنيها: «نحرك الأساطيل من أجلك».

وفى محنة العالم أمام فيروس كورونا، لم تحم الولايات المتحدة الأمريكية مواطنيها من الفيروس، واشترط الرئيس دونالد ترامب دفع المواطن الذى يحمل جواز السفر الأمريكى، ألف دولار لاستقباله عائدا من الصين، هذا هو الموقف الأمريكى تجاه من هم فى حماية الولايات المتحدة الأمريكية.. فى حين لم تحرك كندا «الأساطيل» للثأر لمواطنيها الذى ماتوا فى الطائرة الأوكرانية المنكوبة التى أسقطتها إيران!!، ليظهر واضحا أن الجنة المنشودة فى الجنسيات الأمريكية والكندية، جنة زائفة، أو بالأحرى يمكن أن نطلق عليها «الجنة وجحيمها».

الجنة الحقيقية لا تُنشأ إلا فوق أرضك وتحت سمائك، الجنة الحقيقية هى الوطن، الحلم، الحضن، الأمن، الصحة، مستقبل الأبناء والفتيات، كرامة المواطن، فيها ستجد النعيم الحقيقى، وسط عيون محبة، ونفوس مطمئنة، ونوايا خالصة.. الجنة الحقيقية هى مصر التى ذكرها الله تعالى فى كتابه الحكيم خمس مرات، وقد يقول قائل إن مصر ليست جنة، وأن فيها ما فيها، لكن يكفى أن نشير لهؤلاء على المشروعات الجديدة، على علاج فيروس سى المجانى والحملات الصحية العديدة، على مشروع التعليم الذى كان قد أصابه العفن، والآن تتحرك المياه الراكدة لعودته أملا فى جيل جديد يحمل اسم مصر.

مصر التى أرسلت طائرة خاصة لاستقدام أبنائها من الصين، خوفا عليهم وحماية لهم، مصر التى كانت على شيء، وأصبحت على نقيضه، الآن فقط، شعرت بعد الموقف المصرى، بالعز بعد الخزى، وبالفخر بعد الذل، وبأن المصرى له كرامة، وحقوق، وروح غالية على حاكمها وقياداتها، الآن فقط، شعرت بالجمل العظيمة التى نطق بها الرئيس الأسبق السادات فى خطاب الانتصار بعد حرب أكتوبر، شعرت بمغزى ما قاله حرفيا: «ولقد كنا نطمئن بعطف العالم، ونحن الآن نعتز باحترامه، وأقول لكم بصدق وأمانة، إننى افضل احترام العالم.. ولو بغير عطف، على عطف العالم، إذا كان بغير احترام».

آن الأوان أن نفخر بأن الدولة تسعى لحماية المواطن حتى لو خارج أراضيها، الآن فقط ارتفع سعر جواز السفر المصرى فى سوق البشر، لذا.. آن لنا أن نطمئن، بأن لنا ظهرًا يحمينا، ودرعًا يكف عنا الأذى، ويمنع عنا شر البلية.