"الحراج" أشهر أسواق السمك في عدن.. هل ينجو من جحيم الحرب اليمنية

عربي ودولي

بوابة الفجر



لا تغادر رائحة السمك أنفك بمجرد أن تضع قدمك في شاطئ صيرة، مع لوحة ترسمها زوارق الصيد الزرقاء الصغيرة المتراصة بجوار بعضها البعض، وتزداد تلك الرائحة كلما أتجهت إلى سوق السمك أو المسمى باللهجة العدنية "الحراج".

وتصل "الحراج" لتعلم أنه ليس فقط مجرد السوق لبيع الأسماك في العاصمة اليمنية المؤقته عدن، بل يمثل الملاذ لإحدى التجارات الناجية من الحروب المتوالية على العاصمة عدن، بعد أن دمرت الحرب كل شيء؛ حيث لم يضن البحر المحيط من كل اتجاه بالمدينة بخيره على رجاله والمرتزقين منه.

ويصطف أمامك داخل الحراج أنواع مختلفة من السمك لا يتشابه مع نظيرتها المعروفة بالقاهرة؛ حيث يتصدر المشهد وبقوة أسماك القرش، هذا الوحش البحري الذي ستجد وفرة منه بمختلف الأشكال والأحجام، تليه سمك الجحش وهو أحد أكثر أنواع السمك المفضلة لدى سكان عدن.

"الرحمن هو من يتحكم بأرزاقنا وليس البشر وحروبهم"، بتلك الكلمات وصف منذر الردفاني، تأثير الأحداث المتعاقبة التي شهدتها عدن على سوق السمك، مبينًا أن رزق البحر هو المتحكم في دخولهم فهناك أيام يكون ما جاد به البحر وفير مما يبشر بالرزق الوفير، وهناك أيام قد لا يهب البحر سمكة واحدة لهم، وهذا هو حال الصيادين وبائعي الحراج منذ عصور قديمة ولم تبدله أحوال السياسة أو تغيير الحكام.

وأكد الردفاني لـ"الفجر"، على أن الحراج وعمليات بيع وصيد الأسماك في أصعب الأوقات والأزمات السياسية التي مرت بها عدن، حيث لا يوجد لبائعي الحراج أي مورد رزق آخر غير السمك والتجارة فيه، لافتاً إلى أن هناك شهور معينة في السنة تتميز بوفرة إنتاج السمك، وفيها تنخفض أسعاره داخل "الحراج" خاصة فيما بين شهري يوليو وحتى أكتوبر، وهي أيضًا الفترة التي ينشط فيها بيع الأسماك وتصل لأعلى ذروة لها خلال العام. 

وأضاف بائع السمك: أن "أكثر ما يميز الحراج هو وجود كمية سمكية كبيرة ومتنوعة وطازجة؛ حيث لا يوجد لديهم أي أسماك تباع غير في يوم اصطيادها، ولذلك أصبح هذا السوق مقصد كل سكان العاصمة عدن والوافدين إليها".

"تمتد سفننا حتى الصومال وأرتريا"، هكذا بدأ أبو محمد اليافعي، أحد الباعة بسوق الحراج، حديثه عن عملية صيد الأسماك وتوريدها لسوق الحراج، مبينًا أن سفن صيد الأسماك العدنية تتجول في المياة الإقليمية الممتدة من عدن إلى المهرة، كما أنها تصل إلى جيبوتي والصومال بحثًا عن الرزق والصيد الوفير، وتقضي في البحر مدد من أيام إلى أسابيع لتبيع ما حصلت عليه داخل الحراج.

وأكد اليافعي لـ"الفجر"، على أن أحوال الصيد بشكل عام مستقرة وتتأثر بالأحداث السياسية المتعاقبة على عدن إلا أن الحرب الأخيرة صنعت نوع من التضييق على حركة الصيادين خاصة في إطار منع تسلل الأسلحة لأيدي الحوثيين، وفي بعض المشكلات في الماضي كأزمة القراصنة، وبرغم ذلك فإن هذا لا يمنع الصياد من الخروج بحثًا عن رزقه.

وأضاف أبو محمد، أن هناك بالسوق عدد من الأسماك التي يقبل عليها العدنيون مثل (الجحش، الهامور، الديرك، سلطان ابراهيم، السخلة، العنبرية، الصولفيش، الفارس، زينوب، شروة، لخم، أبوشراع) غير العديد من أنواع القشريات مثل المحار والجمبري وسمك المقص.

بينما تطرق إلى أسعار الأسماك، والذي يعتبر بشكل عام مرتفع ولكنه يتفاوت حسب نوع السمك وحجمه حيث تصل بعض الأنواع كالهامور إلى 9 ألاف ريال يمني، بينما أقلها هو سمك القرش الذي يتراوح سعر الكيلو فيه من 4-5 ألاف ريال، مؤكداً على أن هناك إقبال من العدنيين على شراء الأسماك، ولكن عمليات الشراء تكثر في فصل الصيف عنه في الشتاء،

"كل يوم وجبتنا سمك" بتلك الكلمات وصفت دنيا فرحان إحدى مرتادي حراج السمك، أهمية الأسماك بالنسبة للمجتمع العدني، مشيرة إلى أن وجودة يوميًا ضرورة عند بعض العائلات كوجبه اساسية.

وأكدت فرحان لـ"الفجر"، على أن من أكثر الأسماك التي يقبل عليها المجتمع العدني هو التمد لأن طعمه حلو وأبيض من الداخل وشكله جيد، ولذلك غالي حيث يصل سعر الكيلو منه إلى 2000 ريال.

وأضافت الفتاة العدنية، أن حراج السمك في صيرة له مكانة خاصة لدى العدنيين لأن سعر السمك فيه أرخص من بسطات السمك في كافة أرجاء عدن، ويكون طري وطازج لأنه يأتي من البحر على البيع مباشرة، كما أن البعض يفضلون شراؤه وقت الغداء والتوجه به إلى المخبازات وهي عبارة عن أماكن يتم فيها تسوية السمك وتقديمه.

وبينت فرحان، أن المخبازات كثيرة على الشاطئ العدني في صيرة وأدائها جيد، إلا أن مخبازة الشراع الأكثر شهرة وتتميز باللهجة العدنية بـ"طبخها الحلو"، اي بإعدادها الجيد للطعام، موضحة أن شراء السمك اخلف عن ما قبل الحرب بسبب زيادة أسعاره كان ممكن يشتري المواطن بـ300 ريال يمني لكن الآن اقل شي 500، حتى أنه عندما زاد سعره هناك بعض الناس استغنت عنه.

"تختلف أنواعه ومسمياته عن مصر" بتلك الكلمات وصفت إحسان عبد القدوس، الطبيبة العدنية وإحدى ربات الأسر المرتادات لحراج السمك، أو ما يطلق عليه بالعدنية "الصيد"، معددة بعض أنواعه الممتازة مثل الديرك، الباغه، البياض، اللُخم، الزينوب، القُد، الشوال، الصولفيش، وهي توجد سواء بالصيف أو الشتاء.

وأكدت عبد القدوس لـ"الفجر"، أن هناك بعض الأسماك الموجودة في البلدين ولكن تختلف أسماءها فمثلًا الجمبري هو الجنجا، والسرطان هو ابو مقص، والقرش هواللخم، ومنها سمك الباغة، والذي أقبل عليه عدد من الجنوبيين الذين زاروا مصر.

وأضافت الطبيبة العدنية، أن اللخم أو القرش، لحمه حار ويتسبب في مشكلات جلدية خاصة إذا تم تناوله ليلًا، مشيرة إلى أنه أرخض من باقي أنواع الأسماك.

وبينت عبد القدوس، في موسم الرياح يذهب الصيادين للبحر، ويرتفع سعر كل أنواع السمك، لأنه صعب يخرجه الصياد من البحر، ويتأرجح السعر حسب كل صياد، فمن رزق منهم بصيد وفير يكون أرخص ممن حصل على سمك أقل. 

قبل الوحدة
كانت تعتبر الثروة السمكية في الجنوب العربي من أهم المقومات الإقتصادية التي إعتمدت عليها دولة اليمن الشعبية قبل الوحدة، وتثبت الأبحاث العلمية أن الساحل الجنوبي غني بثرواته السمكية ففي عام 1989-1990 أظهرت أن الكتلة الحية من أسماك السطح (السردين، وأسماك الماكريل الصغيرة، والأنشوجة) تبلغ 450 ألف طن، موزعة أساسًا بمياه حضرموت، والمهرة، وعدن، بينما تزيد أسماك القاع عن 458 ألف طن، والكتلة الحية من الأسماك التي تستخدم في إنتاج مسحوق السمك بنحو 247 ألف طن، والكتلة الحية من الروبيان واللوبستر والصبيد بنحو 20 ألف طن

وبين حسين مثنى العاقل، أن دولة اليمن الجنوبي كانت من الدول المصدرة للأسماك خاصة الشروخ بنوعيه الصخري والأعماق والحبار وخيار البحر، مشيرًا إلى أن اليمن الجنوبي عام 1990 كانت تنتج 1100 طن من سمك الشروخ، ومؤسسة الإصطياد الساحلي وحدها كانت تنتج في نفس العام 100 طن من خيار البحر و1050 طن من باقي الأنواع.

وأكد العاقل في كتابه قضية الجنوب، أن سعر تصدير سمك ريش اللخم الأسود لـ30 ألف دولار للطن، والشروخ الصخري 12 ألف دولار للطن، والحبار 50 ألف دولار للطن.