د. رشا سمير تكتب: معرض كتاب القاهرة.. بيت العائلة

مقالات الرأي



ويحل علينا معرض القاهرة الدولى للكتاب من جديد فى دورته الواحد وخمسين..

إنه الحدث الذى تعودنا أن يأتينا كل عام مثل العيد، مرتديا حلة الثقافة والوعى..

إنها الكلمة والورقة والقلم.. الثلاثى الذى يصنع التحضر والارتقاء للمجتمعات والبلدان.. معرض الكتاب الذى استقينا بداياتنا وثقافتنا وتشكلت طفولتنا من خلاله..

طرح المعرض ثمرته الأولى بأرض المعارض بالجزيرة فكان عنوانا لمصر طويلا، وكان حلما يرتاده كل العرب وكأنه بيت العائلة، ثم بعد انتقاله إلى أرض المعارض بمدينة نصر، تدهور الحال من عام إلى عام، حتى أصبحت صورة المعرض صورة شىء إلى المشهد، صورة كان لابد من تغييرها لإعادة مصر إلى الريادة فى عالم الثقافة من جديد.. ثم كان قرار الدولة بعد استغاثات المثقفين والناشرين بنقل المعرض إلى أرض المعارض بالتجمع الخامس قرارا صائبا وخطوة حلمنا بها كثيرا على الرغم من كل التخوفات من غياب الجمهور، إلا أن الواقع كان مذهلا.

فقد أثبت الشعب المصرى أنه سوف يذهب وراء المعرض أينما كان على عكس كل التوقعات، فمنذ اليوم الأول كانت الأتوبيسات تنقل الجمهور من أرض المعارض بمدينة نصر إلى التجمع والعكس صحيح بالمجان، فتجمهر رواد المعرض على الأبواب بالآلاف، بل خرجوا من نفس الأبواب فى نهاية اليوم حاملين أكياسا مملؤة بالكتب، وهو ما يؤكد ألف مرة ريادة مصر الثقافية وكون شبابنا ومثقفونا هم القوة الشرائية الأعظم فى كل المعارض العربية.

اذا سألت دور النشر عن أهم المعارض العربية، لأجابوا دون تردد بأن معرض القاهرة للكتاب هو معرضهم المفضل لأن القوة الشرائية به لا يضاهيها قوة أخرى.

أكتب اليوم ونحن على أعتاب دورة جديدة، ضيف هذه الدورة هى دولة السنغال وأدبائها.. فى محاولة من الدولة المصرية لإعادة بناء هذا الجسر الذى انقطع يوما بيننا وبين القارة السمراء، وإحقاقا للحق فإن الأدب الإفريقى زاخر بالروائيين والكُتاب المبدعين، منهم من فاز بجوائز مهمة ومنهم من كتب عن أعماق القارة فى قصص تستحق القراءة واعتقد أن المجلس القومى للترجمة اهتم بهذا النوع من الأدب وقدمه فى عشرات من الكتب الإفريقية المترجمة التى تستحق الإشادة.

فى العام الماضى كان شكل المعرض وتنظيمه شكلا فاخرا يستحق التقدير، القاعات نظيفة ودورات المياه آدمية والمواصلات متاحة، ولكن.. .

ولكن كانت هناك بعض الإخفاقات أو دعونى أقول الهفوات التى أتمنى أن يتم تفاديها هذا العام..

الفعاليات الثقافية لم تحظ بالاهتمام الكافى، مما اضطر بعض من المشاركين فيها بالانسحاب والتذمر، مثل ندوات التكريم التى أقيمت للروائى إحسان عبدالقدوس والأستاذ سمير سرحان على سبيل المثال وليس الحصر، مما أدى إلى انسحاب نجلى سرحان وعبدالقدوس، كما انفض المولد فى أكثر من فعالية ثقافية مماثلة لسوء الاختيار الذى لم يخرج عن المعارف والشلة إياها، حتى التوقيعات لم تحظ بنصيب من الدعاية ولا التنويه فى الميكروفونات كما يحدث فى معارض الكتاب الكُبرى، مما اضطر الناشرون إلى أخذ تصريحات بعمل التوقيعات فى صالات العرض التابعة لهم!.

فوجئنا هذا العام بعمل تقليد جديد وهو اختيار سفراء لمعرض الكتاب.. وكما هو مفهوم من الاسم، فالسفير هو من يمثل بلده فى الخارج.. الاختيارات انحسرت فى أسماء قامات كبيرة لها وضعها وكيانها فى (مجالاتها)!.. مما أثار سخرية الكثيرين، فالدكتور زاهى حواس بدون نقاش أهم من يمثل مصر فى السياحة ولكن فى مجال الكتاب، أعتقد أن لدينا روائيين قادرين على اعتلاء واجهة المعرض، هذا أيضا ينطبق على المحترم القدير المهندس هانى عازر، وربما على سيدة المسرح سميحة أيوب التى هى قامة فنية عظيمة دون شك.. أما بالنسبة لاختيار تريزيجيه، فلا تعليق!.

مشكلتنا ليس فقط فى معرض كتاب مصر بل فى الكثير من المعارض العربية، أننا نختار الشخص القادر على جذب الأضواء إلى المعرض، بغض النظر عن كونه كاتبا من فقاقيع السوشيال ميديا، أو فنانا لم يقرأ كتابا فى حياته، أو أى شخصية عامة أثارت اللغط لمجرد أن لديها على مواقع التواصل الاجتماعى مُتابعين بالملايين، دون النظر إلى قيمة وجوده ثقافيا أو محتوى ما سيقوله..

هناك فنانون من كبار القراء، ومقدمو البرامج على أعلى قدر من الثقافة مثل زينة اليازجى التى كانت ضيفة شرف معرض الشارقة للكتاب.. أما أن يكون تسليط الضوء على من لا قيمة لهم، فهذا مجرد زيادة الطينة بلة!.

من كل قلبى أتمنى أن تختفى فكرة الشللية والمحسوبية والزيف من قطاع الثقافة حتى تصبح الثقافة أداة حقيقية للبناء وليست معولا للهدم..

كما أتمنى من كل قلبى أيضا أن ينجح معرض الكتاب نجاحا مدويا وأن يقف على قدم واحدة بجوار معارض الكتاب العالمية لأن مصر تستحق ولأن كُتابها يستحقون.

فشاء من شاء وأبى من أبى ستظل مصر دائما هى منبع الثقافة وأم الحضارات والرحم القادر دوما على إنجاب المبدعين والمفكرين والمثقفين..

كل عام وأنتم بخير والكتاب المصرى بألف خير.