مي سمير تكتب: القمار والطعام والسجائر الإلكترونية قنابل مؤقتة

مقالات الرأي



عدم القدرة على التوقف عن ممارسة سلوك ما هو إلا «عجز كامل» يؤدى إلى الإدمان

"الدوبامين" هو منظم عصبى يرغم السلوك على مطاردة شبح «المتعة» الغامض

عند الحديث عن الإدمان، تختلط الرؤى، وتتبدل المفاهيم، فهناك من يعتبر أن الإفراط فى تناول الطعام إدمان، وأن ممارسة ألعاب الفيديو لفترات طويلة، خارجة عن السيطرة، إدمان، وأن طاولة القمار مجرد فخ إن دخلته الفريسة مرة، لن تخرج منه أبدا، حتى المداومة والإفراط فى ممارسة الحب صنفها البعض كإدمان.

وهنا بالتحديد تختلط المفاهيم بين الإدمان السلوكى، وإدمان المخدرات.

إن إدمان المخدرات، أو الكحول يحتاج إلى مادة كيميائية، أو عنصر خارجى يدخل إلى الجسم، ويعبث فى طريقة عمل المخ نفسه، وفى بعض الحالات تكون المادة الكيميائية قوية للغاية حيث يقع الإنسان فى شرك الإدمان بشكل فورى - تقريبا - كما هو الحال مع الهيروين. 

لكن.. الإدمان السلوكى فى النهاية، هو مجرد سلوك، فلا أحد يدخن ألعاب الفيديو، ولا يستنشق التسوق، ولكن يظل كلاهما مرهونا بالدوافع، التى ترغم السلوك على مطاردة شبح «المتعة» الغامض.

المتعة أو السعادة، التى يجدها المدمن، فى المواد المخدرة، سببها استهداف الهيروين أو المواد المستخرجة من الأفيون لنظام المكافآت فى الدماغ عن طريق إغراق الدوائر العصبية بـ«الدوبامين»، وهو ناقل عصبى ينظم الانفعال والدوافع والسرور.

وبحسب بحث أجرته نورا فولكو، عالمة الطب النفسى والأبحاث، ومديرة المعهد الوطنى لتعاطى المخدرات (NIDA)، ظهرت كيفية استهداف الهيروين والمواد الأفيونية الأخرى نظام المكافآت فى الدماغ عن طريق إغراق الدوائر العصبية بـ الدوبامين، وهو ناقل عصبى ينظم الانفعال والدوافع والسرور، من بين أمور أخرى.

وفرقت فولكو بين الإدمان، والإدمان السلوكى مؤكدة أن بعض الأشياء التى تولد الإدمان أخطر من غيرها، فالنيكوتين أو المواد الأفيونية سوف تقتلك فى النهاية. لكن إدمان التسوق لن يقتلك، لكنه سيسبب إزعاجا فى حياتك.

ووفقا لرسالة نشرت فى جامعة «هارفارد» الصحية يوليو 2011، أكدت أن العلماء يدركون أن «الدوبامين» لا يسهم فى تجربة السرور فحسب، بل يلعب دورا أيضا فى التعلم والذاكرة وهما عنصرين رئيسيين فى الانتقال من الإعجاب بشىء إلى إدمانه. 

1- القمار

فى عام 1994، تم تصنيف اضطراب المقامرة على أنه «مقامرة مرضية» وأضيف فى التعريف النفسى القياسى والدليل التشخيصى والإحصائى للاضطرابات العقلية (DSM). 

 وهو الدليل ذو المرجعية الموثوقة لمهنيى الصحة العقلية، ويعد محافظا للغاية فى التصنيفات التى يقدمها، حيث يتم إجراء التغييرات ببطء مع شرط وجود الكثير من الأدلة الطبية التى تدعم إجراء أى تعديل فى التصنيفات المختلفة للأمراض العقلية.

لذلك كان إنجازا كبيرا فى عام 2013 عندما تم تطوير تعريف الأمراض العقلية لتشمل المقامرة القهرية وتصنيفها على أنها «اضطراب يتعلق بالمواد والإدمان» إلى جانب المواد الأفيونية والكحول وغيرها من المواد المسببة للإدمان.

شارك مارك بوتينزا، أستاذ الطب النفسى ودراسة الطفل وعلوم الأعصاب ومدير مركز التميز لأبحاث القمار فى جامعة ييل، فى مجموعة العمل التى أوصت بإعادة تصنيف اضطراب المقامرة ضمن الاضطرابات العقلية وكانت حججه مدعومة بدراسات تكشف عن القواسم المشتركة بين سلوك اضطراب القمار واضطرابات تعاطى المخدرات. 

وبدورها قالت مارى جين كريك أستاذ ورئيس مختبر البيولوجيا الخاصة بالأمراض المسببة للإدمان فى جامعة «روكفلر» فى مدينة نيويورك: «لن أسمى أبدا القمار أو الشراهة عند تناول الطعام إدمان، فهؤلاء مجرد أسرى السلوك». وتضيف أن «السلوك تصرف»، وهو مختلف عن «التغيرات العصبية البيولوجية فى الدماغ نتيجة تناول العقاقير.

2- إدمان الطعام

ومن القمار إلى الطعام لا يختلف الأمر كثيرا حيث يرى 29% ممن يعانون من السمنة المفرطة أنهم مدمنو طعام وفقا لدراسة نشرت فى مجلة Frontiers in Psychology، وفى المقابل نجد أن نسبة الأشخاص الذين وجدوا صعوبة فى الإقلاع عن تناول الهيروين نحو 30%، وبلغت نسبة من فشلوا فى التوقف عن الكوكايين 16%.

وعلى ذلك علقت نورا فولكو، مديرة المعهد الوطنى لتعاطى المخدرات: «طوال سنواتى كطبيبة، لم أقابل أى شخص اختار أن يكون مدمنا، ولم أقابل أبدا أى شخص اختار أن يكون بدينا، لكن عدم القدرة على التوقف عن فعل شىء عندما تريد فذلك هو العجز وهو جوهر الإدمان، وعندما يتعلق الأمر بالطعام، فنحن جميعا فى خطر».

قد يبدو تناول الطعام الصحى وفقدان الوزن أمرا مستحيلا بالنسبة للعديد من الأشخاص. على الرغم من نواياهم الطيبة، فإنهم يجدون أنفسهم أسرى لتناول كميات كبيرة من الأطعمة غير الصحية - مع العلم أنها قد تسبب لهم الأذى.

الحقيقة هى أن آثار بعض الأطعمة على الدماغ تجعل من الصعب على بعض الناس تجنبها، لكن ما هو إدمان الغذاء؟ إدمان الطعام هو إدمان على الوجبات السريعة، مقارنة بإدمان المخدرات، غير أن الأطعمة لها تأثير قوى على مراكز المكافآت فى المخ، وتحدث هذه الآثار عن طريق الناقلات العصبية فى الدماغ مثل الدوبامين، وتشمل الأطعمة الأكثر إشكالية الأطعمة غير المرغوب فيها مثل الحلوى والصودا السكرية والأطعمة المقلية عالية الدهون.

لا ينتج إدمان الطعام عن نقص قوة الإرادة ولكنه ينتج عن إشارة الدوبامين التى تؤثر على الكيمياء الحيوية لعقلك.

وعندما يتعلق الأمر بإدمان الطعام، فإن الدوبامين ليس هو المادة الكيميائية الوحيدة المؤثرة. يتورط فى هذه المشكلة أيضا هرمون اللبتين، الذى يتم إصداره من قبل الخلايا الدهنية والمسئول عن مشاعر الشبع. عندما تكون جائعا وتغوص فى وجبة، تكون مستويات هرمون الليبتين لديك منخفضة. عندما تشعر بالشبع فإن اللبتين يخبرك بالابتعاد عن الطاولة. 

بالنسبة للأشخاص المدمنين للأطعمة، لا يتم إفراز هرمون الليبتين بكميات كافية أو يكون كذلك، ولكن المخ لا يتفاعل معه بشكل كافٍ. 

تقول راشيل بوجيدنيك، أستاذة التغذية المساعدة بجامعة سيمونز: «الحلويات التى نأكلها بشراهة هى نتاج لثلاثة عناصر لا تقاوم: السكر والدهون والملح. منفردة، فهى غير شهية تماما، معا تصنع العناصر الثلاثة السحر. تقوم هذه العناصر بشحن لما يسمى بنظام الأكل المتناسق - أو تناول الطعام من أجل المتعة فقط».

المؤكد أن هناك فرحة عميقة يحققها تناول الطعام، وعلى عكس المتعة المدمرة التى توجد غالبا فى المخدرات، إنها فرحة يمكن تجربتها باعتدال وإخضاعها للسيطرة. 

3- التدخين الإلكتروني

يعد التدخين الإلكترونى آفة جديدة اجتاحت العالم بسرعة على نحو غير مسبوق، لا يوجد لدى العلماء نفس القدر من البيانات على السجائر الإلكترونية مثلما هو الحال مع السجائر التقليدية، لكن هناك سببا للاعتقاد بأن الكثير من المخاطر الصحية واحدة ولا تتغير. 

بدأ المهنيون الصحيون والمسئولون الحكوميون فى التعبير عن قلقهم بشأن مبخرات النيكوتين وأشاروا إلى أن التدخين الإلكترونى يسفر عنه نفس المخاطر الصحية التى تسببها السجائر التقليدية تقريبا: تلف الرئة، وتغيرات المخ، وأمراض القلب والسرطانات وأمراض الجهاز التنفسى.

صحيح أن السجائر الإلكترونية لا تحتوى على العديد من المواد الكيميائية والمواد الموجودة فى السجائر التقليدية، لكنها لا تزال تحتوى على مادة النيكوتين التى تسبب الإدمان إلى حد كبير، فعندما يستنشق الشخص النيكوتين، يتم امتصاصه فى الدم ويبدأ فى التأثير على الدماغ فى غضون 10 ثوانٍ فقط. غير أن مادة النيكوتين الموجودة فى التبغ، تشبه مادة الأستيل كولين الموجودة فى الدماغ وهذه المادة منشطة لأكثر من 200 مادة كيميائية عصبية مسئولة عن وظائف متعددة فى الجسم مثل حث العضلات على العمل.

ويسهل مرور النيكوتين عبر الغشاء المخى بمجرد تدخين سيجارة وبذلك يمكن أن يحث خلايا ويحفز إطلاق مادة الدوبامين فيؤدى إلى الإحساس بالراحة، والاسترخاء، واليقظة أو التركيز، والهدوء والنشوة، لكن هذه الأحاسيس قصيرة العمر، وعادة ما تهدأ فى غضون دقائق، لأن جسمك يزيل المادة بسرعة كبيرة - بعد ساعتين فقط من تناول النيكوتين، سيكون نصفها قد انتهى بالفعل، بغض النظر عن كيفية استنشاق النيكوتين - السيجارة العادية أو السيجارة الإلكترونية - فهى لا تزال مادة تسبب الإدمان.