طارق الشناوي يكتب: مش كده أبدًا يا "عزيزة"!

الفجر الفني

بوابة الفجر


عادت عزيزة جلال بعد ٣٤ عامًا، ارتدت الحجاب وتزوجت وأنجبت، رحل الزوج وكبر الأولاد وخلعت الحجاب، ووقفت مجددا على خشبة مسرح (طنطورة) بالمملكة العربية السعودية، كانت تشغل منذ السبعينيات مكانة متميزة في الذاكرة الغنائية، صوتٌ يسكن الوجدان، واكب تواجدها بالقاهرة بدايات بزوغ بنت بلدها سميرة سعيد، وبينهما تنافس حاد امتد إلى جيل الأمهات، اللاتى جئن أيضا للقاهرة، مصر كالعادة تفتح بابها لمن يحمل الموهبة، لا تلقى بالًا لجواز السفر، أكملت سميرة المشوار وتجددت مع الأيام، بينما عزيزة عندما جاء العريس المناسب (فص ملح وداب).

أول مطربة تقف على المسرح مرتدية النظارة الطبية، التقطتها أذن الشاعر الغنائى الكبير مأمون الشناوى، عندما كانت تُغنى في أحد البرامج المغربية عددًا من أغانى أسمهان، وجد فيها النبرة القادمة.

تملك الإمكانيات والإحساس، وكتب لها (إلا أول ما اتقابلنا) و(بتخاصمنى حَبّه) من تلحين محمد الموجى، فكتب لها شهادة الميلاد، وانطلقت بعدها (مستنياك) مع بليغ حمدى، وأكملت (من حقك تعاتبنى) مع كمال الطويل، وواصلت مع ألحان رياض السنباطى وسيد مكاوى، وكانت محطتها التالية مع عبدالوهاب، قال لها إنه (تسلطن من صوتها)، ملك السلطنة تسلطن، وفى تلك اللحظة كانت قد قالت مع الأسف (نكتفى بهذا القدر)!!.

مشوار السنوات العشر انتهى عام ١٩٨٥، العودة بعد كل هذه السنوات تعنى ترقبًا كبيرًا من الجمهور، الذي يحتفظ لها بمساحة في وجدانه، بينما مَن لم يعرفها ينتظر أن يجد ما يجذبه إليها، ما الذي من الممكن أن تقدمه بعد وصولها لشاطئ الستين؟.. سؤال لا أتصور أنها فكرت في إجابته، أعادت أغانيها القديمة، لم تلق بالًا أن الزمن تغير، كما أن صوتها قبل ٤٠ عامًا من المستحيل استعادته اليوم.

كل مرحلة زمنية لها مجالها، أم كلثوم كانت تغنى ثلاث وصلات حتى منتصف الستينيات، بعد ذلك اكتفت بوصلتين، وسجلت آخر أغنية لها (حكم علينا الهوى)، لأنها لم تستطع تقديمها في حفل.. مواصلة الاعتزال اختيار سيئ.. الأسوأ أن يضل الفنان طريق العودة.

قبل عامين، عادت نجاة بعد نحو ١٨ عامًا وغنت (كل الكلام) من تلحين الملحن السعودى طلال- وهو اسم حركى له- وتأليف عبدالرحمن الأبنودى، وطرحت نجاة الأغنية في الفضائيات.. بعد بضعة أسابيع منعت تداولها، تردد أنها تعد أغانى أخرى، ولم يتجاوز الأمر حدود الخبر.

الفنان عليه أن يحدد أسلوب العودة، عبدالكريم صقر أحد سحرة الكرة المصرية في الأربعينيات، لم يلحق زمن التليفزيون، فما الذي من الممكن أن يفعله مع بداية البث التليفزيونى، هل يعود للمستطيل الأخضر لتمثيل الأهلى؟.. مستحيل، كان قبل بداية المباراة يضع الكرة على رأسه من المرمى للمرمى، إنجاز من المستحيل أن يحققه أي لا عب آخر، ويخرج مكللًا بتصفيق الجمهور المتعطش للعبة الحلوة، اختار بذكاء حالة إبداعية لا يمكن أن ينافسه فيها أحد.

عزيزة جلال خانها اختيار اللعبة الحلوة.. مأمون الشناوى الذي أطلقها وواكب اعتزالها كتب وقتها مصادفة أغنية شعبية لشفيق جلال مطلعها: (مش كده أبدًا يا عزيزة/ ده إحنا الاتنين م الجيزة).. فعلا مش كده أبدًا.. أبدًا.. أبدًا (يا عزيزة)!!.