طارق الشناوي يكتب: وصية الشهيد وحق الوطن

الفجر الفني

بوابة الفجر


تتملكنى الحيرة فى ضرورة احترام حق الإنسان، فى تحديد كل التفاصيل وهو بين يدى الله، وبين حق الوطن.

ضابط الصاعقة العقيد البطل الشهيد أحمد منسى طلب عدم تقديم حياته فى أى عمل فنى، والدته وأشقاؤه أعلنوا ذلك، وعلينا أن نصدقهم لأنهم لا يبحثون عن مال ولا أى تواجد إعلامى، لديهم أيضا تحفظات على بعض تفاصيل فى سيناريو (الاختيار) الذى كتبه ماهر دويدار مستلهمًا حياة البطل، الكاتب لم يلتق سوى مع زوجة الشهيد فقط، بينما الأسرة بالطبع لديهم زاوية رؤية أخرى، الجانب الأساسى فى الاعتراض، الذى ذهبوا به إلى مكتب النائب العام لإيقاف تصوير المسلسل، هو وصية الشهيد التى يجب أن يُعتد بها، ولا أدرى كيف تملكته تلك الحالة من الشفافية التى منحت البطل رؤية الغد، فأعلن وصيته- بعد أن أصبح قائدًا للكتيبة (103)- وذلك كنوع من نكران الذات، فهو لا يريد تكريمًا خاصًا وهى شيمة الأبطال.

والشىء بالشىء يُذكر: عدد من الفنانات مثل مديحة يسرى وشادية وهند رستم، عندما أوصين بعدم تقديم حياتهن فى أعمال درامية، بل أوقفت بالفعل شادية تصوير مسلسل بدأوا فى تنفيذه عام 2010، لم تعترض شادية على مشاهد أو مواقف، لكنها رفضت الأمر برمته، وهو ما أدى بالفعل لإيقاف التنفيذ، رغم أن دُنيا سمير غانم كانت قد صورت بالفعل عددا من المشاهد، ويومها كتبت مطالبا الجميع بتنفيذ رغبة شادية، الآن صارت الرغبة وصية يجب الالتزام بها.

القياس هذه المرة مع الفارق، علينا أن نتأمل الأمر بكل جوانبه، بعد حرب 73 ورحيل الطيار عاطف السادات أوصى الرئيس أنور السادات بأن يدفن بجوار شقيقه، فى قريته ميت (أبو الكوم)، بعد سنوات أوصى مجددًا أن يدفن فى مجمع الأديان بجوار دير (سانت كاترين)، وبنى بالفعل المقبرة، حيث كان يحلو له بين الحين والآخر الذهاب إلى سيناء.

بعد رحيله، لم تنفذ السيدة جيهان السادات أيا من الوصيتين، الدولة أيضا كان لها نفس الرأى، أن يدفن بجوار قبر الجندى المجهول بمدينة نصر، حتى تُصبح المقبرة مزارا رسميا وشعبيا لكل من يأتى للقاهرة.

الأمر هنا مع وافر الاحترام لوصية الشهيد منسى له علاقة بدولة ترى أن عملا دراميا يقدم فى شهر رمضان بطولة نجم جماهيرى، أمير كرارة، مع توأمه الفنى المخرج بيتر ميمى- بعد أن قدموا معا ثلاثية (كلبش) عن بطولة ضابط الشرطة- يعد بمثابة دافع لصالح إزكاء الروح الوطنية، وتقديم تحية واجبة لأرواح الشهداء، كان ينبغى على كاتب السيناريو وبطل المسلسل والمخرج الرجوع لأسرة أحمد منسى، بينما هم اكتفوا فقط بالاستماع إلى زوجته، هناك جانب فى طفولته يقينًا تعلمه الأسرة، كما أن الزملاء والأصدقاء من حقهم أن يكملوا باقى لمحات (البورتريه)، ويبقى بعد ذلك قدرة كاتب السيناريو على أن يضيف خياله إلى كل التفاصيل، ليخلق منه مادة جاذبة للمشاهد. يجب احترام الورثة وحقهم الطبيعى فى الاعتراض لأنهم ينفذون وصية الشهيد، الإقناع وليس الإملاء هو المطلوب، لنصل إلى نقطة تلاقٍ بين حق الشهيد وحق الوطن، ولا أظن سوى أن روح الشهيد ستسعد عندما يرى الملايين كيف منح حياته فداء للوطن.