إسرائيل تكشف جرائم الجاسوس "جون دارلنج" فى مصر

العدد الأسبوعي

جون دارلنج
جون دارلنج


تعاون مع "الإخوان" واغتال قائد الفدائيين وهرّب 200 يهودى من بورسعيد لإسرائيل


خلف كواليس الحروب والصراعات الدولية يقف بعض الرجال، يتحكمون فى المشهد من وراء ستار لا ينكشف، سوى بالموت أو الاعتقال.

إبراهام دار كان واحدًا من هؤلاء المعروفين لدى أجهزة المخابرات العالمية، بعدما اشتهر فى أوساط جهاز الاستخبارات الإسرائيلى «موساد» خلال خمسينيات القرن الماضى بـ«جون دارلنج».

وبعد حياة طويلة، توفى يوم الثلاثاء الماضى، «جون دارلنج»، الجاسوس الإسرائيلى، الذى قام بالعديد من العمليات المخابراتية التى خدمت أهداف الكيان الصهيونى فى الشرق الأوسط، عن عمر ناهز الـ94 عامًا.

لكن، تظل مصر شاهدة على أكبر فشل تكبده ذلك الجاسوس الإسرائيلى، عندما أسس عام 1951 خلية تجسس، كانت نواة بعد ثلاث سنوات فقط لعملية «لافون»، التى فشلت فشلاً ذريعاً، وتركت آثاراً سلبية كبيرة على المخابرات الإسرائيلية، لم تتخلص منها حتى اليوم.

رحلة إبراهام دار بدأت عام 1925، عندما ولد فى عاصمة فلسطين القدس، لأسرة ميسورة الحال، والده بريطانى من أصل يمنى، وشارك فى الحرب العالمية الأولى.

وعندما بلغ «دار» السابعة عشرة من عمره تجند لقوات الصاعقة اليهودية «البالماخ»، وفى مطلع عام 1943 تم إرساله لتنفيذ مهام خاصة، فى كل من العراق وإيران، كما انضم للسرية البحرية وشارك فى مهام تهجير اليهود لإسرائيل، ومع تكوين الجيش الإسرائيلى، شغل منصب نائب رئيس القسم الاستخباراتى بالسلاح البحرى.

وأجاد التحدث بخمس لغات بطلاقة، من ضمنها اللغة العربية، كما تمتع بثقافة عالية، وعرف عنه المكر وحدة الذكاء، بعدما نجح خلال فترة شبابه فى التعامل مع المهربين والحصول على أسلحة بأسلوبه المراوغ، علاوة على جرأته الشديدة وامتلاكه للعديد من المواهب والخصائص التى جعلته نموذجاً مثالياً للعميل الاستخباراتى.

وبعد سنوات، انتقل للعمل فى الوحدة 131، التى استهدفت القيام ببعض العمليات السرية فى الدول المعادية لإسرائيل، وحينها لم يكن فى حوزة «موساد» أى معلومات عما يدور داخل مصر، لذا، تم تكليف «دار» بأداء بعض المهام الخاصة فى «المحروسة».

كان عمره آنذاك 25 عاماً، وعاش فى مصر وحيداً، تحت غطاء شخصية رجل أعمال بريطانى، يحمل اسم «جون دارلنج»، وأنشأ خلية ضمت مجوعة من شباب اليهود، تولى تدريبهم على استخدام العبوات الناسفة، وبالفعل مارست الخلية نشاطها لنشر الفوضى وإثارة الشعب المصرى.

وبعد اندلاع ثورة 23 يوليو، وتحديدًا فى مايو عام 1954، تم استبدال «إبراهام دار» بآخر يُدعى «افرى العاد»، وخلال شهرين فقط، صدرت التعليمات باستخدام أفراد الخلية التى أنشأها «دار» فى مصر، لتنفيذ عمليات تفجيرية، تستهدف بعض المكاتب الغربية، لضرب العلاقات الدبلوماسية المصرية مع الدول الغربية.

وكان الهدف أيضًا منع انسحاب القوات البريطانية من مصر، حتى لا يتفرغ الضباط الأحرار لمحاربة إسرائيل، إلا أن تلك العملية التى عرفت باسم عملية «لافون» فشلت فشلا ذريعًا، كما تم القبض على الخلية التى أسسها إبراهام دار كاملة.

وأشار «دارلنج» فى حوار سابق، نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت، عام 2016، إلى أن إيلى كوهين، الجاسوس الشهير الذى تم إعدامه فى سوريا عام 1965، كان من ضمن الشباب اليهودى الذى حضروا إلى مصر للمشاركة فى الخلية التخريبية.

وأكد أن أحد الأشخاص العاملين فى فرع خلية التجسس بالإسكندرية أرسله إليه، لكنه لم يقبله للعمل فى خلية لافون، لعدة أسباب، أولها أنه كان معروفاً فى الأوساط الاجتماعية المصرية، كما كان ذا كاريزما وخفيف الظل، ومن نوعية الأشخاص الذين تظل تذكرهم بعد أن تلتقى بهم، وهذا عكس ما كان يبحث عنه، وأبلغه جون دارلنج حينها أنه لن يتعاون معه، ونصحه بالهجرة لإسرائيل.

واصل «دار» أداء خدمته فى «موساد»، وتم تكليفه بالقضاء على العميد مصطفى حافظ وكتيبة الفدائيين، وقاد بنفسه عملية اغتيال الرجل، الذى كان يقود فرقة الفدائيين التى تسللت عبر الحدود الإسرائيلية المفتوحة، وقامت بتنفيذ بعض العمليات الفدائية داخل المستوطنات الحدودية خلال فترة الخمسينيات، ما أثار حالة من الرعب فى إسرائيل آنذاك.

وحاولت المخابرات الإسرائيلية اغتيال مصطفى حافظ وأفراد كتيبته أكثر من مرة، عن طريق المظاريف المفخخة، لكن «حافظ» كان حذراً للغاية، ولم يفتح مظروفاً واحداً، ووقتها تعرف «دارلنج» على أحد البدو المقربين من الفدائيين، وحكى له قصة وهمية، عن أن قائد شرطة غزة -وقت كانت تحت السيطرة المصرية- يتعاون مع الإسرائيليين.

وعلى الفور، هرع الشاب البدوى إلى مصطفى حافظ، وحكى له تفاصيل القصة، وأخبره أن عليه فتح الكتاب الذى يحمل رسالة تدين أحد رجاله، وعندما قام بفتح الكتاب، انفجر، وقتل «حافظ» وزملائه الفدائيين أعضاء الكتيبة.

وبعد عدة أشهر، اندلعت حرب 1956، وتم تكليف «دار» بإنقاذ يهود بور سعيد، الذين كانوا محاصرين هناك، وبالفعل انضم بصحبة اثنين من الضباط الإسرائيليين للقوات الفرنسية، واستأجر شقة لعقد الاجتماعات مع بعض الشباب اليهودى لتوعية أعضاء الجالية اليهودية فى بورسعيد، والبالغ عددهم 200 يهودى، بتفاصيل الخطة.

واقترح إبراهام دار على «موساد» تهريب يهود بورسعيد إلى إسرائيل عبر البحر وليس عن طريق البر، مثلما كان مخططاً له منذ البداية، وبالفعل صدق مسئولو جهاز الاستخبارات الإسرائيلى على الخطة الجديدة، وأطلقوا عليها اسم «عملية الحكمة».

وقال نجل إبراهام دار لصحيفة معاريف العبرية، إن والده تقرب من جماعة الإخوان المسلمين، فور وصوله للقاهرة لتكوين خلية «لافون»، وأصبح صديقاً مقرباً بشدة لأحد قيادات الجماعة.