رامي المتولي يكتب: القاهرة السينمائى.. يجدد شبابه فى الدورة 41

مقالات الرأي



بلا أى شك وبشكل قاطع، دورة مهرجان القاهرة السينمائى الـ41 هى الأفضل من كل الجوانب، توسعات مدروسة أتت ثمارها، مشاكل ومعوقات تجد من يسعى لحلها فى وقتها، الأمور تسير بسلاسة وفق نظام موضوع، مستوى جيد جدًا من الأفلام، مبادرات وأنشطة فرعية تحت مظلة المهرجان، كل شىء يبدو كخلية نحل لا تهدأ فيها الحركة من الصباح قبل بداية العروض وحتى منتصف الليل تقريبًا، حتى مع الخبر الصادم بوفاة الأستاذ يوسف شريف رزق الله فى منتصف الإعداد للدورة تقريبًا، من زاد عليهم عبء المسئوليات رئيس المهرجان محمد حفظى والقائم بأعمال المدير الفنى أحمد شوقى حرصوا على سير الأمر كما كان قبل وفاته، والعمل على إخراج دورة مختلفة ومتطورة بخطة عمل من اقتراحهم تابعها منذ البداية الراحل القدير.

لو وضعنا عنوانا لهذه الدورة سيكون هو دورة الشباب، بداية من الأستاذ يوسف الذى كان يتابع كل جديد فى المجال ويتواصل بشكل إنسانى وثقافى داعم مع صناع السينما والنقاد وبشكل نادر الحدوث، مرورًا بالقيادات الشابة صاحبة الرؤية فى مختلف أقسام الإدارة، واختيار أفلام روحها شابة ومختلفة وصناعها يعملون للمرة الأولى فى مختلف أقسام المهرجان وليس القسم المعنى بالعمل الأول والثانى فقط وهو «أسبوع النقاد»، وصولاً لتوجه إدارة المهرجان إلى الشباب ليكونوا هم الجمهور الأساسى، أبرمت الإدارة اتفاقيات وذهبت للجامعات ووفرت تذاكر مدعمة لطلبة فقط ليتسع النطاق لجمهور ودم جديدين يضافان للمهرجان، من المؤكد أيضًا أن رزق الله سيكون سعيدا بهذه الدورة لنجاح العديد من تلاميذه ومريديه فى مهامهم والصورة المشرفة التى خرج بها المهرجان والروح العصرية التى كان هو منذ بدايته فى كل المجالات واحد ممن يبثونها فى مجال نشر الثقافة السينمائية.

فى المسابقة الرسمية أهم وأكثر أقسام المهرجان حفاظًا على التقاليد والشكل الرسمى، تنافست أفلام The Forth Wall والذى أخرجه اثنان هما جانج تشونج وجانج بو الذى يعد الفيلم أول عمل روائى طويل له، وكذلك فيلم The Friendly Man وهو العمل الروائى الأول لمخرجه إيبير كارفالو والقائمة تضم أفلام The Border للمخرج ديفيد ديفيد، Sons Of Denmark للمخرج علاوى سليم، وLunana: A Yak in the Classroom للمخرج باو تشوينينج وA Certain Kind of Silence وThis Victory لأحمد غصين بالإضافة لفيلم  Nova Lituania أى أن هناك 8 أفلام فى المسابقة الرسمية من صنع شباب فى أعمالهم الأولى وهذا يكشف لحد كبير عن مدى الجهد المبذول للبحث والتنقيب على أفلام جيدة فنيًا وفى الوقت ذاته هى عرض لتجارب شابة، إدارة المهرجان والمبرمجين نجحوا لحد كبير فى ذلك وليس هناك دليل على ذلك أكبر من حصول معظم هذه الأفلام على جوائز من لجنتى تحكيم منفصلتين أعضاؤهم من مختلف الجنسيات والثقافات.

لم يقتصر تمثيل العمل الأول فى المسابقة الرسمية وأسبوع النقاد فقط، بل امتد لكل أقسام المهرجان، العديد من الأفلام حملت تميزا حصلت على جوائز أو لم تحصل، فيلم Beirut Terminus الحائز على جائزة أفضل فيلم عربى غير روائى والذى يخرج عن إطار السرد التقليدى فلا يمكن اعتباره فيلما وثائقيا صرفا ولا روائيا صرفا، هو أقرب لسيرة مواطن لبنانى، الذاتية والممتدة فى سلسال عائلته وتنعكس على وطنه من خلال خط السكة الحديد، يبدأ مع الاحتلال العثمانى ورغبته فى ربط الدول التى يحتلها ببعضها من خلال قطار، يبرز لبنان كدولة مهمة واصلة على هذا الخط مرورًا بكل الأحداث السياسية التالية التى غيرت لبنان ومعها المنطقة ككل، مخرج الفيلم إيلى كمال وبصبغة فنية صنع فيلمه مازجًا بين نص ذاتى ومشاهد ولقطات لمحطات القطار والقطارات المهجورة وشريط صوت جعلوا من رواية التاريخ تجربة فنية لا تنسى، لأنه ليس حقائق جامدة بل يتحول لشاهد على حياة حفيد أسرة لبنانية دفعت ثمنا غاليا مثلها مثل كل اللبنانيين جراء الفرقة والسياسة، بعض المشاهد التى لجأ إلى تصويرها بالأشعة تحت الحمراء أظهرت وكأن الأرض والهواء والمشهد العام مروى بالدم ذهب منه الخضار والنضرة.

فيلم آخر يعد مثلا جيدا للحالة التى حرص المهرجان على تصديرها هو «أوفسايد الخرطوم» للمخرجة مروى زين، الذى يعد النموذج الأمثل للتعبير عن هذه الدورة حتى وإن لم يخرج بجائزة، فصانعته شابة تقدم عملها الأول تماشيًا مع روح المهرجان الداعمة للشباب من جهة ومن أخرى صانعته امرأة وفيلمها وثائقى عن فريق كرة قدم نسائى يعانى من تعنت المجتمع المتشدد دينيًا واجتماعيًا ضده، وهو توجه واضح للمهرجان التزم به بشكل ما عندما وقع على اتفاقية 50/50 والهادفة لنشر إحصائيات دقيقة عن تمثيل المرأة فى المهرجان، الفيلم بالطبع يغلب الصبغة الفنية ويظهر حرفية شديدة لمخرجته وجراءة فى تناولها للموضوع، لاعبات كرة القدم لم يقدمن فقط شهادات عن حياتهن الصعبة وصراعهن فقط ليفعلن ما يحبونه ويبرعن فيه ولكنها شهادات أيضًا عن الواقع السياسى وتأثيره بشكل ضمنى وسلس ليس فى شكل رسائل وشعارات رنانة، هو فيلم إنسانى تبدو مشاهده كأنها مغزولة بالمشاعر والإنسانية والتفاؤل على الرغم من الوضع المأساوى هذا الشكل الذى نجت مروى فى صناعته يجعل من الفيلم واحدا من الأهم لو وضعنا قائمة بترتيب الأهمية بعيدًا عن الجوائز.