ملاك الطب.. مجدى يعقوب قلب مصر

العدد الأسبوعي

مجدى يعقوب
مجدى يعقوب


حكايات لم تنشر من قبل عن "ملاك الطب"

فى دفتر الحياة والموت.. تتوارى أسرار الروح، ومن بين حكايات المرض والضعف وقلة الحيلة.. تتجلى رحمة الخالق العظيم، الذى وهب الإنسان دنياه ليعمرها، وسخر الملائكة لحمايته.

الدكتور مجدى يعقوب، أحد أهم هؤلاء، الذين ائتمنهم الله على قلوب عباده، يطوف أرجاء الدنيا، بحثًا عن موجوع؛ ليخفف آلامه.. مريض على شفا الموت؛ لينقذ حياته، وبين هذا وذاك.. يقف الطبيب الماهر بتواضع، أمام رحمة الله التى تجسدت بين يديه.

1- "الرحلة"

فى الـ16 من نوفمبر عام 1935، وعلى بُعد 50 كيلو مترا من عاصمة مصر، القاهرة، وتحديدًا بمدينة بلبيس التابعة لمحافظة الشرقية، كانت عائلة الدكتور حبيب يعقوب، القبطى الأرثوذكسى، على موعد سعيد مع المولود الجديد، الذى سيصبح بعد سنوات قليلة حديث العالم ومحط أنظار الجميع.

طفولة مجدى كانت مبشرة، فقد اعتاد التفوق منذ صغره، وسريعًا تدرج فى المراحل التعليمية، حتى وصل إلى المرحلة الجامعية، وحينها، قرر الشاب الذكى أن يترجم إعجابه بشخصية والده إلى واقع، لذا، اختار أن يدرس الطب فى جامعة القاهرة.

وبمجرد حصوله على بكالوريوس الطب من مصر سافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية ليكمل تعليمه فى ولاية شيكاغو، قبل انتقاله إلى المملكة المتحدة عام 1962، ليعمل فى مستشفى الصدر بلندن.

وبسبب تفوقه ونبوغه، اختصر العديد من الخطوات، ليصبح سريعًا أخصائى جراحات القلب والرئة فى مستشفى هارفيلد، عام 1969، كما منحته الملكة إليزابيث الثانية، ملكة إنجلترا، قبل ذلك بثلاث سنوات، لقب فارس، ومنذ ذلك الحين يطلق عليه فى الإعلام البريطانى لقب «ملك القلوب».

وفى عام 1986 عُين مجدى يعقوب أستاذًا فى المعهد القومى للقلب والرئة، بعدما اهتم بتطوير تقنيات جراحات نقل القلب لسنوات، ثم شغل منصب مدير قسم الأبحاث العلمية والتعليم عام 1992.

ويعتبر عام 1980 نقطة مضيئة فى مسيرة السير الدكتور يعقوب خصوصًا وتاريخ علوم الطب بوجه عام، بعدما أجرى الطبيب المصرى عملية نقل قلب، للمريض دريك موريس، ما أحدث آنذاك ثورة علمية على جميع الأصعدة، ظلت أصداؤها مستمرة حتى الآن.

وفى عام 1983، أجرى عملية زرع قلب، لرجل إنجليزى يدعى جون مكافيرتى، دخل على أثر تلك الجراحة موسوعة جينيس، كأطول شخص يعيش بقلب منقول، لمدة 33 سنة، حتى توفى عام 2016.

وحصل يعقوب على زمالة كلية الجراحين الملكية بلندن، بالإضافة إلى عدة ألقاب ودرجات شرفية من جامعات: برونيل وكارديف ولوفبرا وميدلسكس، وكذلك من جامعة لوند السويدية.

2- "التواضع"

فى إحدى المدارس المصرية، طلب معلم اللغة العربية من طلابه، «بوستر» عن شخصية مشهورة، وعلى الفور، قرر كل من: زينا وزهرة ولاميس، أبناء اللواء محمد يوسف، أحد أصدقاء الدكتور مجدى يعقوب المقربين، أن يكون هو بطل «البوستر».

وعندما سأل الأستاذ طلابه عن سبب اختيار الدكتور مجدى يعقوب بطلا لـ«البوستر»، قال الأطفال إنهم يعرفونه جيدًا منذ الصغر، فهو يحبهم ويخصص لهم جزءا من وقت فراغه، يتحدث خلاله معهم ويعلمهم ويحفزهم على التفكير والابتكار والخيال، لأن هذا فقط ما سيجعل المستحيل ممكنًا.

وبالفعل، نفذ الأطفال الـ«بوستر» عن السير الدكتور مجدى يعقوب، وأرسلوا إليه بريدا إلكترونيا (إيميل)، لأنه كان حينها فى لندن، ليخبروه أنه بطلهم وملهمهم، لذا، قرروا أن يكون نجم «البوستر»، إلا أن الطبيب الشهير رد عليهم بتواضع «iam humble».

ودائمًا ما يقول السير يعقوب فى كل لقاءاته الخاصة أو الإعلامية «iam learning iam listening»، أنا أسمع إذن أنا أتعلم»، وعندما يكون متواجدًا فى حوار مع مجموعة أشخاص، يراعى ألا يظهر أنه يسبقهم فى الفهم والعلم.

3- "الزهد"

وعن رأيه فى الأموال، يقول الدكتور مجدى يعقوب، إن الأموال لا قيمة لها، خاصة إذا ما قورنت بالصحة، «تقدر تشترى بالفلوس الحاجة اللى أنت عايزها، بس إيه هى الحاجة دى، لو ركزنا شوية هنلاقى أغلب اللى إحنا عايزينه حاجات فاضية».

وتابع: «فيه حاجات مهمة جدًا الفلوس متقدرش تشتريها، زى صحة الإنسان، وسعادته، وإخلاصه وحبه للى حواليه، أنى مبقاش أنانى، بفكر فى نفسى طول الوقت، ثم إيه فايدة الشهرة، لو مخدمتش الإنسانية والعلم».

4- "الأصل"

ربما كان ذهابه إلى محافظة أسوان فى طفولته، وهو ابن سبع سنوات فقط، سببًا فى تعلقه بهذه المدينة الساحرة، حتى الآن، خاصة أنه قضى بها سنة كاملة، برفقة والده ووالدته آنذاك.

ويرى الدكتور يعقوب فى أسوان العديد من الأشياء التى تستحق الاعتناء بها، فإلى جانب الأثر التاريخى المهم، والطبيعة الخلابة والجو الساحر، هناك العديد من الأطفال الذين يعانون حتى يحصلوا على العلاج، لدرجة أنهم يضطرون أحيانًا إلى السفر لساعات، حتى يحصلوا على التشخيص السليم والعلاج المناسب لأوجاعهم.

وللسير اهتمامات عدة بالقارة السمراء، وحتى الآن لديه مركز لعلاج أطفال إفريقيا فى بريطانيا، يحمل اسم «سلاسل الأمل»، وتأتى العديد من التبرعات لهذ المركز من مختلف أنحاء العالم، وابنته ليزا، الابنة الوسطى بين أبنائه هى التى تدير هذا المركز، كما تعتنى بالطفل الإثيوبى اليتيم، الذى تبناه الدكتور مجدى يعقوب، بعدما أجرى له عملية جراحية فى القلب، وحتى الآن هذا الطفل يعيش معه فى منزله بإنجلترا ويتولى تعليمه وإعالته.

5- "الحب"

وحكى أحد مساعدى السير يعقوب عن هذا الطفل، قائلا: «هايلى اللى اتبناه الدكتور كان طفلًا يتيمًا فى إثيوبيا، وإحنا بنروح هناك نعمل بعثات طبية، من خلال الفريق الموجود فى أسوان».

وتابع: «مرة كان الدكتور مجدى يعقوب بيشوف العيانين اللى عملنا لهم عمليات، فلقى طفل قاعد على جنب يتيم، وكان تعبان قوى، وساعتها كنا خلاص مفيش وقت نعمل العملية، فجبناه مصر، وقعد عندنا فى أسوان وعملنا له العملية، وعدينا المرحلة الصعبة كلها، بس اتفاجئنا أنه ملوش حد نرجعه له، لأنه يتيم، فى الوقت ده، ليزا بنت الدكتور، ارتبطت إنسانيًا بالطفل ده جدًا، وعملت له الورق علشان تحاول تتبناه ويعيش معاهم فى لندن». المساعد أضاف أيضًا: «أما ابنته صوفيا، فهى طبيبة أمراض مستوطنة، تعمل فى دولة فيتنام، والدكتور فخور بها جدًا، خصوصا بعد ما فازت بمنحة من الاتحاد الأوروبى، تتيح لها الذهاب إلى فيتنام والعمل على فيروس الدينجى، والآن هى تعمل على 500 مليون شخص حول العالم، وتنافس والدها على الجانب الإنسانى». واستطرد: «السير يعقوب متعود يسافر لها دايما فى فيتنام، علشان يشوف أحفاده، أمايا وليتى ونيكولاس، اللى بيحبهم لدرجة كبيرة، وخاصة أمايا، بحكم أنها أكبر أحفاده وأكثرهم شبهًا به فى الشكل والشخصية، أما ابنه الثالث فيدعى أندرو، ويعمل طيار، وبصراحة الدكتور أعطى لأولاده الحرية الكاملة فى اختيار طريقهم».

وعن زواجه، أكد مساعده، أنه تزوج عن حب، من زوجته الألمانية، التى فارقته وتوفيت بعد 45 سنة من العشرة، وكان لها تأثير كبير فى حياته ومشواره الطويل، ولم يتزوج بعدها حتى الآن، والحب فى رأيه ما هو إلا توافق، وهو شىء مهم جدا فى حياة الإنسان، «واللى بيخلى الزواج ينجح هو الصراحة التامة، والمهم يكون فى توافق فكرى، والواحد لازم يقبل فكرة أن الزوجين شخصين مختلفين، علشان يبقى فيه مناقشة طول الوقت، وبرضو لازم يبقى فيه تسامح، علشان الحياة تستمر»

6- "التفاصيل"

ومن المعروف عنه، أنه يسمع الأغانى الكلاسيكية أثناء عمله، ولا يتناول إلا الطعام الصحى، ليس نباتيًا لكنه لايميل إلى تناول اللحوم والأسماك كثيرًا، ومرتبط جدًا بأولاده وأحفاده، ويحرص على متابعة كل صغيرة وكبيرة تخصهم معهم، وكثيرًا ما يتحدث عنهم بفخر كبير، ويقدس عائلته ويحب الناس، ويحرص على المجاملات الاجتماعية طالما خارج وقت العمل، الذى يوليه اهتماما كبيرًا. يستيقظ الدكتور مجدى يعقوب يوميا فى الساعة الـ٤ فجرًا، ويقرأ البريد الإلكترونى الذى أرسل إليه ويرد عليه بلا استثناء، ثم يقرأ ويذاكر، فهو حتى الآن يتعلم ويتابع كل جديد فى عالم الطب والتكنولوجيا، وفى الساعة الـ٧ صباحا ينزل كل يوم إلى حمام السباحة، كما يهوى ركوب الخيل، ولديه «حصان» فى مزرعته بلندن.