طارق الشناوي يكتب: فى انتظار نغمة بطلة فى الزمن الصعب! منة شلبى

الفجر الفني

منة شلبي
منة شلبي


في فيلم (تراب الماس) استوقفنى هذا المشهد الذي يتكئ على قدرة الفنان على التعبير، بعد علاقة جنسية مع عشيقها رجل الإعلام المنافق إياد نصار، الذي اكتشفت أنه يصور ضحاياه أثناء ممارسة الحب، فدست له السم. توجيهات المخرج مروان حامد أن تتطهر منه ومن الإحساس بالجريمة، أخذت حمامًا وكانت نظرات عينيها هي الومضة التي رشقت في قلوب الناس.


لا تستطيع أن تعزل حالة الفنان عن حال السينما، لا تملك منة أن تكتب أجندتها الخاصة، لا يوجد فنان في مصر- إلا فيما ندر- يملك تحديد خطواته القادمة، ولا حتى فيلمه القادم، الكل يعمل على طريقة من الفرن إلى الفم، وكأنه رغيف عيش يلتهمه وهو ساخن قبل أن يبرد أو يستحوذ عليه آخر!!.


في ظل هذا القانون السائد، يمشى النجوم على حبل مشدود، خاصة هؤلاء الذين صارت أسماؤهم تشكل عامل جذب للجمهور، منة شلبى في قائمة الفنانات اللاتى استطعن أن يعقدن حالة من الترقب بينهن وبين الجمهور، لم تصبح بعد نجمة شباك بالمعنى الصحيح للكلمة، لم تصل إلى المكانة التي تقنع شركات الإنتاج بالبحث لها عن سيناريو ينتظر توقيعها.. (نوارة) لهالة خليل، والذى لعبت بطولته قبل ثلاث سنوات حالة استثنائية، والأرقام لم تقفز بها لمصاف نجمة شباك، فهى مثل أغلب بنات جيلها تشارك البطولة عادةً أمام نجم يتحمل هو المسؤولية الأدبية أمام الجمهور، آخر أفلامها (خيال مآتة) البطل أحمد حلمى، وهى دور مساعد، وقبله مثلا ( كدة رضا) و(آسف ع الإزعاج) بلا لحظات وهج، لأن البطل هو العنوان.


الشاشة الصغيرة تمنح نجمات هذا الجيل مساحة أكبر، وهكذا تصدرت منة الأسماء في مسلسلى (حارة اليهود) ثم (واحة الغروب).


بداخلها قدر من التحرر الداخلى يؤهلها للتعايش مع الشخصيات، لا تضع على مشاعرها محاذير خانقة بما يعرف بقواعد السينما النظيفة، وهكذا تتلون ببساطة من دور إلى دور، ولكنها لا تسيطر على كل الأوراق، ستجد أن المؤشر زجزاجى، فهى من الممكن أن تقبل التواجد في فيلم لمجرد أن تتواجد في فيلم!!.


البداية في دور صغير في فيلم «العاصفة» 2001 لخالد يوسف، ولم يشعر بها أحد، والفيلم نفسه لم يحقق أي قدر من التماس الجماهيرى، كنت بعدها شاهدًا على ولادتها الفنية الحقيقية في مهرجان (دمشق) في نهاية نفس العام، وبالتحديد في مثل هذه الأيام من شهر نوفمبر، فيلم «الساحر» للراحل رضوان الكاشف، وهو آخر أفلامه أيضًا، رشحها «محمود عبدالعزيز» بطل الفيلم، كانت «منة» في الثامنة عشرة من عمرها، ووجدت الصحافة المصرية وعدد لا بأس به من الصحف العربية في «منة» فرصة للإعلان عن بزوغ فتاة تعتبر نموذجًا للإغراء، ولم أرَ ذلك، هي فنانة موهوبة تبحث عن نغمتها الخاصة، وظل (الساحر) هو الشباك السحرى الذي انطلقت منه، ثم قدمت مسلسل «أين قلبى» إخراج «مجدى أبوعميرة»، وتحت المظلة الجماهيرية لـ «يسرا»، ونجحت في لفت الأنظار، ثم فيلم «كلم ماما» إخراج أحمد عواض بطولة «عبلة كامل»، ثم أسند لها منير راضى دور البطولة في «فيلم هندى» خطيبة أحمد آدم، الذي كان يصلح أكثر لأداء دور والدها، وحقق الفيلم فشلًا ذريعًا، المسؤولية الأدبية عن الهزيمة لا تتحملها بالطبع «منة» التي أدت دورها بإحساس، ثم كانت لها تجربة متواضعة في فيلم «إوعى وشك» لسعيد حامد، كان المقصود تقديم كل من «أحمد رزق» و«أحمد عيد» بطلى كوميديا، منة مجرد فتاة جميلة، وخرج الجميع وهم مثخنون بجراح الهزيمة.. في 2004 عُرض «بحب السيما» لأسامة فوزى بطولة ليلى علوى ومحمود حميدة ولفتت الأنظار، وهو واحد من أهم أفلام الألفية الثالثة.


في نفس العام 2004 تقدم «منة» واحدًا من أحلى الأفلام، «أحلى الأوقات» إخراج هالة خليل، وكانت معها هند صبرى وحنان ترك، وهو من الأفلام القليلة التي عالجت بجرأة قضايا نسائية تسبح ضد التيار الذكورى السائد، وفى 2005 كانت لها أربعة أفلام «أحلام عمرنا» عثمان أبولبن، «إنت عمري» خالد يوسف، «بنات وسط البلد» محمد خان، «منتهى اللذة» منال الصيفى، وأتوقف أمام «أنت عمرى» رغم أن «نيللى كريم» شاركتها البطولة وحصلت «نيللي» على جائزة أفضل ممثلة من مهرجان القاهرة السينمائى الدولى، إلا أن الأداء الأكثر إمتاعًا وتألقًا والذى يحمل في داخله الكثير من التناقض الظاهرى والداخلى يتكئ على حالة إبداعية خاصة فإنه الدور الذي لعبته «منة»، ثم «بنات وسط البلد» إخراج «محمد خان» عرض في 2006 ومن الواضح أن الدور تلامس مع أحاسيس «منة» فأبدعت وصالت وجالت، كانت في هذا الدور كما الأوتار المضبوطة أمام عازف ماهر، «منة» هي العازف الذي تعانقت نبضاته مع الجملة الموسيقية، أتذكر لها مثلًا المشهد قبل الختامى في الفيلم عندما كانت تغنى خلف «ريكو» بصوت مبحوح مكسور مهزوم يقطر دموعًا بعد أن اكتشف حبيبها «خالد أبوالنجا» قبح صوتها، وأنها كانت تخدعه، أتذكر لها أيضًا تلك النظرة الحزينة وهى على مائدة الغداء عندما اكتشفت أن الأوزة التي ارتبطت بها قررت الأسرة أن تحيلها إلى وليمة!!.


وفى 2006 عرض لها «ويجا» لخالد يوسف، ثم بعدها بعامين «هى فوضى» ذروة أخرى وصلت إليها «منة شلبي» في آخر أفلام المخرج الكبير يوسف شاهين مع خالد يوسف، وضع «شاهين» في دور «منة شلبي» كل المقومات التي تؤهلها للإبداع، البنت الفقيرة العاشقة التي تملك القدرة على النضال نجحت في أن تقدم على خريطتها فيلمًا ودورًا لا ينسى، كما أنها لحقت بآخر محطات قطار المخرج الكبير يوسف شاهين، الذي رشحها أيضا لبطولة فيلمه الذي لم يمهله القدر لتصويره (الشارع لنا)!!.


المخرج يسرى نصرالله يمنحها البطولة مرتين (بعد الموقعة) 2012، الذي شارك في مسابقة مهرجان (كان)، المقصود بالموقعة (الجمل)، وبعد أربع سنوات جدد يسرى الرهان (الماء والخضرة والوجه الحسن).


عندما تتلامس موهبة منة مع دور، تجد أن كل طاقتها الكامنة قد استُنفرت وكأنها بركان يتحين لحظة الانطلاق.


هناك تعبير شائع تعرفه كل الفرق الموسيقية، «الدوزنة»، يحرص كل أعضاء الفرقة على «دوزنة» الآلة الموسيقية لضبط الأوتار على أداء المقام الموسيقى، (منة) نغمة شجية تنتظر الوتر، ويبقى عليها أن تتحلى بالطموح الفنى الخاص، أن تقفز أبعد من السقف الذي حددته لنفسها.. نعم، قانون السينما لا يمنح النجمات البطولة، ولكن «منة» عليها ألا تستسلم، وفى لحظة ما أراها قريبة جدًا سوف تحدث لها تلك «الدوزنة»، ليتوافق النغم الداخلى مع الدور الذي تلعبه، لنرى أجمل النغمات الإبداعية، لتصبح نجمة شباك رغم أنفها وأنف سدنة السينما المصرية!.