"كانوا بيتلموا في بيتنا علشان يسمعوني".. حكاية عم حسان "العجلاتي" مؤلف الأشعار والأغاني

تقارير وحوارات

بوابة الفجر


"بجلباب بسيط وعمامه تغطي رأسه" يجلس داخل مربع صغير مخصص لإصلاح "الدراجات الهوائية"، يقع بقرية كفر الرفاعي بمركز العياط محافظة الجيزة، أمامه "كراسة" تغلق على قلم بداخلها، يدون فيها كل ما يجول في عقله من خواطر، وأيضاً هي وسيلته للتحدث مع الآخرين. 

"الاسم: عم حسان.. السن: 45 سنة .. المهنة: عجلاتي على باب الله.. الموهبة: شاعر مجهول ومؤلف أغاني مبيسمعش أو تقدري تقولي الكلمة زي ما بيقولوها بالبلدي "أطرش" هكذا يعرف نفسه "حسان حسين الشامي" لـ"الفجر"، فعندما بلغ العاشرة من عمره ظهرت موهبته في الكتابة عندما سطرت أنامله الصغيرة حروفاً في الشعر تطرب لها الأذن "وأنا صغير كنت شاطر جداً في اللغة العربية، وأعرف أكتب أي نص عربي مهما كانت صعوبته في 3 دقايق، بعدها بدأت في تأليف جمل شعر وأغاني وكنت بقولها لصحابي في المدرسة والناس عندنا في البلد كانوا بيتلموا في بيتنا علشان يسمعوني".






فصاحة اللسان، ومرونة اللغة منحة من الله لا يهبها الإ لمن يستحق من عباده "أنا مولود سمعي ضعيف جداً، لما كان المدرسين ينادوا عليا مكنتش بسمعهم، فكانوا بيتنمروا عليا طول الوقت ويقولولي  ما ترد يا أطرش .. ياللي مبتسمعش وكان زمايلي في الفصل يضحكوا عليا لدرجة إن فيه مدرس ضربني بشكل هستيري، لحد ما صوابع كفه والعصايا فضلوا معملين على جسمي أسبوع، وكل ده علشان مسمعتوش لما نادى عليا، من يوم الضرب ده قررت أخرج من المدرسة ومروحش نهائي لحد ما خرجت من التعليم من وأنا 6 ابتدائي.. كان ممكن أبقى مشهور دلوقتي لو كان في ايدي شهادة جنب موهبتي".

عندما ترك "أربعيني العمر" الدراسة بسبب التنمر الذي واجهه من قبل معلميه، بدأ في التنقل للعمل بين الورش ومصانع الخردة والسيارات كي يتعلم حرفة، تضمن له قوت يومه وتعينه على حياته" اشتغلت في كل حاجة ورش العربيات والخراطة وبقال وعتال مسبتش حاجة علشان أقدر اجيب قرشين ليا أعمل بيهم مشروع لنفسي علشان أقدر اتجوز وافتح بيت، بس رغم ده كله مسبتش هوايتي".

حب اللغة العربية وكتابة الشعر والأغاني لم ينطفئ في قلب حسان بل كان شغفه الذي يحركه ويدفعه للمعافرة لعله ينال قسطاً من حلمه" أنا كان نفسي أبقى شاعر ومؤلف أنا أه سمعي ضعيف جداً، والدكاترة قالوا مفيش أمل فيا بس أملي دايماً كان في ربنا، وأنا صغير علشان أسمع الست "أم كلثوم"، كنت بمسك الراديو واحطه على ودني، اينعم مكنتش بسمع الإ لحن بسيط جداً، بس أهو أي طشاش والسلام أحسن من مفيش.. بس ربنا كان مديني موهبة القلم والشعر فكنت مستمر في الكتابة، لحد ما وصلت 30 سنة هنا الحظ لعب معايا".





يقول المثل الشعبي "عندما تأتي الفرصة تمسك فيها "هذا ما فعله "حسان" أربعيني العمر، عندما أخبره أخيه "حسن" في آواخر التسعينات عن فرصة لكتابة الأغاني والشعر لعدد من النجوم في مبنى ماسبيرو "كنا في التسعينات وأخويا حسن كان شغال سواق في مصر، وسمع عن مسابقة لكتابة شعر وأغاني للنجوم، وقدم ليا فيها، وفعلاً فزت".

فرح حسان بتلك الفرصة التي شعر أنها هدية من الله لاسترداد كرامته، وتعوضه عما وجده في الصغر من تنمر وذل "روحت مبنى الإذاعة وقابلت فنانين كتيرواتصورت معاهم وصوري كانت في الجرايد، كتبت أغنية للفنانة حنان ماضي وكانت أول وأخ رأغنية إذاعية اكتبها باسمي"

في أكتوبر 1992 هز مصر" 92" الشهير، الذي تسبب في هدم عدد من المباني في عدد من محافظات مصر،"نصف دقيقة" هي الوقت الذي استغرقه الزلزال كما أعلنت نشرة التلفاز آنذاك، وهو الوقت أيضاً الذي قلب حياة الرجل الأربعيني رأساً على عقب" كنت في مشوار بعيد عن بلدنا وساعتها وقع زلزال 92 المشهور، واحنا بيتنا كان من بيوت الطين اللبن نجمها خفيف زي ما بيقولوا، وأول ما جه الزلزال البيت بتاعنا اتهد، بس الحمد لله أبويا وأمي وأخواتي كانوا خرجوا منه، ساعتها كل الجرايد والصور بتاعتي راحت تحت التراب".

الشارع كان بانتظار"عائلة حسان" فباع موهبته من أجل ستر أسرته"الوقت ده كان أصعب توقيت علينا، مكنش معانا مليم وكان كل أسرة في بلدنا تقعدنا عندهم شوية لحد ما نلاقي بيت لينا، خاصة واحنا ناس غلابة على باب الله، ساعتها لقيت واحد من الشعراء المشهورين كان سمع عني، جالنا القرية واتفق معايا يشتري أغاني مني بمقابل مادي، بس اتنازل عن اسمي، ومكنش في ايدي ساعتها غير إني أوافق علشان أعرف اشتري بيت يلمني أنا وعيلتي".

الحظ العثر لم يترك الرجل الأربعيني مرة أخرى عندما تعرض للخداع من قبل المؤلف الذي اشترى منه قصيدة شعر أخرى ولكن هذة المرة بدون أجر بحجة أنه متعثر، وعندما يبيعها سيرد له حقه، حينها وافق "حسان" دون تردد، ولكن القدر لعب لعبته مرة أخرى"طبعاً أنا كنت واثق فيه، ومكنتش عارف أنه هينصب عليا، وكانت دي أخر مرة أشوفه فيها وكانت أخر مرة أكتب فيها أغاني".

استعوض" حسان" حقه الضائع عند الله، وقرر استكمال حياته متنقلاً بين متاجر البقالة والمصانع من أجل إتمام مشروع زواجه"لما لقيت شريكة حياتي، بدأت أدور على شغل أصرف منه على البيت".

تنقل أربعيني العمر بين المصانع والشركات، ولكن في كل مرة كان حظه العثر يقف أمامه، حيث استبعده أصحاب العمل لعدم قدرته على السمع بجانب المعاملة السيئة التي يلاقها من بعض الأشخاص الذين لم يرحموا ضعفه، ولم يجد أي متسع له سوى محل"دراجات" لإصلاح الإطارات المثقوبة بجانب الإعانة المالية التي يتحصل عليها من قبل "أهل الخير".

وحتى لا يشعر الرجل الأربعيني أنه تخلى عن موهبته، فبين الحين والأخر يكتب بعض القصائد وينشرها  بتوقيعه"حسان الشامي" على موقع" فيس بوك"، أو يبعث بها لبعض المواقع الإلكترونية لنشرها.

القسوة والتنمر والحظ العثر الذي قابل "عم حسان"، لم تفقده طيبة قلبه، بل جعلته يقطع عهد على نفسه، بأن يكتب جواب شكر لكل من يعامله بلطف ويقدر إعاقته"أنا واحد على باب الله وهفضل على بابه، مهما شفت من خلقه  بقول أهي كلها ابتلاءات، وعلامة من ربنا أنه بيحبني، بس اللي نفسي فيه إني اكتب مسرحية تطلع للنور، كل يوم بفكر فيها وبقول يارب متخذلنيش".